القبائل والأنساب في المناطق الحدودية

 

قبل عهد الاستعمار الأجنبي، والتدخل الأهوج في حياة الشعوب، من قبل الدول الجشعة الغربية مثل بريطانيا وفرنسا ما بين الفترة 1789م وحتى عام 1950م، كانت القبائل العربية وهي المجتمع العربي الطبيعي، الذي يتواجد على الأرض الجغرافية العربية، تواجدا عربيا أصيلاً لا يعرف غير الانتماء العربي المتجذر، وهذه القبائل هي التي كانت بالفعل ترسم الحدود الجغرافية الحقيقية للشعوب العربية، فهي أكثر فئات العرب التي كانت تعطي للعروبة ملامحها الواضحة، وتعبر عن وحدتها القومية العربية وعقيدتها الدينية وهويتها الثقافية، وتعتبر هذه القبائل العربية هي الصورة الحقيقية للمفهوم التاريخي والجغرافي والاجتماعي القومي المتمثل في مصطلح المجتمع العربي، أو العرق العربي، أو الوطن العربي الكبير، ولن تجد أكثر من هذه القبائل العربية مُعَبِّرا عن الوحدة القومية والعرقية لهذه الأمة في آسيا وافريقيا.

وحينما نتناول بشيء من التفصيل اليسير أسماء وأنساب هذه القبائل العربية في المناطق الحدودية للدول العربية في عصرنا الحاضر، سنعرف معرفة يقينية كيف كانت تلك المناطق قبل عهد الحدود السياسية التي تم ترسيمها بعد سقوط الدولة العثمانية عام 1917م، وقبل عهد الاستعمار البغيض، وقبل معرفة جوازات السفر وبطاقات الهوية الشخصية وما شابه ذلك، فعندما كنت تقرأ أخبار العرب في أول صحف لهم ظهرت بعيد سقوط الدولة العثمانية، كنت تقرأ مصطلح " مواطن عربي" في الجزائر أو في سوريا أو العراق أو في مصر، وحينما كنا نقرأ أخبار العرب قبل عهود الاستعمار بكثير، مثلما وردت في رسائل المؤرخين القدامى، كنا نقرأ عرب محارب وعرب هلال، وعرب زبيد، وعرب جهينة وعرب عنزة، وعرب الجوف وعرب برقة وعرب غزة، وعرب البحيرة وعرب البصرة، وعرب المدينة وعرب الشام وعرب الكوفة، وعرب نجد، وعرب المغرب، وما إلى ذلك من مصطلحات، قد علمنا من قصص العرب أنهم قد يكونوا من  مكة فيهبوطون غزة في تجارة لهم مثل عرب قريش أو بني هاشم، أو قد يكونوا من عرب البصرة فيهبطون مصر مثل عرب بني عامر، أو قد يكونوا من عرب القيسية فينزلون بلبيس ليعملوا في حراثتها وزراعتها مثل عرب قيس عيلان، أو قد يكونوا من عرب نجد فيهبطون الرملة واللد بفلسطين للجهاد والغزو، أو قد يكونوا من عرب بني هلال فيرتحلون إلى افريقيا وما إلى ذلك من أحداث وقصص عربية..

وعندما نتحدث عن أنساب القبائل في المناطق الحدودية، نشعر بالحنين والشوق العميق لأيام كنا فيها أسياد العالم، نسافر بحرية كاملة أينما طاب لنا المقام، ونشعر أيضاً بانتماء عميق للأصالة والشموخ والعزة، والحقيقة أن تلك هي المفهوم الحقيقي للحرية في أعراف البدو العرب، فدعونا نتأمل هذه القبائل ومسافة امتدادها في المناطق الحدودية الموجودة الآن.

قبائل المناطق الحدودية في العراق والشام والحجاز:

مثل الزبيد وطيء وشمر، ومثل بني عامر والمنتفق وعبد القيس وتميم وسليم وتغلب، فالحدود ما بين العراق وسوريا هي تتمثل في وجود قبائل تنحدر من نسب مشترك مثل قبائل العمور (بني عامر بن صعصعة) وقبائل شمر وهم من قبائل طيء، والجبور ايضا وفي المناطق الحدودية ما بين العراق والسعودية ايضا نجد شمر وكذلك العوامر و عنزة والعوازم وغير ذلك، وفي مناطق الحدود بين سوريا وشمال فلسطين قبائل من بني كلاب وبني عامر ، وكذلك في الجنوب الأردني والفلسطيني المتاخم للحدود الشمالية للمملكة العربية السعودية نجد مثلا الشرارات وكان في هذه المنطقة قديما عدة قبائل من عرب الشمال كالأنباط وكان في بداية الإسلام قبائل من جذام ولخم وقضاعة وثعلبة حيث كانت تمتد في شمال السعودية وجنوب الشام كالأردن وفلسطين وسيناء، والحدود الغربية للأردن مع الحدود الشرقية لفلسطين نجد مثلا المساعيد وبني عدوان وبني مهدي، والحدود الفلسطينية المصرية نجد قبائل مثل التياها والترابين والعزازمة والملالحة والأحيوات والمساعيد والرميلات والسوراكة وغيرها وهي قبائل بدوية تمتد في جوانب الحدود المصرية والفلسطينية منذ القدم، وفي مناطق الحدود المصرية الليبية في كلا الجانبين نجد بقايا قبائل فزارة وبني عامر بن صعصعة من بني هلال وبني كلاب وبني زغبة وبني رياح وغيرها وكذلك قبائل المغاربة والسعادي وأولاد علي والجميعات وغيرهم الكثير من عرب القيسية المنتشرون قديما ما بين البحيرة والاسكندرية وبرقة، وفي جوانب الحدود الليبية والتونسية أيضا قبائل هناك من بقايا بني هلال وبني عامر وبني سليم، وهذا الحال ينطبق على معظم المناطق الحدودية بين الدول العربية كافة دون استثناء، حيث نجد قواسم مشتركة في الأنساب والثقافة والتراث واللغة والقرابة تجمع بينهم جميعاً.

وتلعب هذه العوامل الإجتماعية والجغرافية دورا لا شك فيه، في التأثير على هذه الجماعات في جانبي الحدود، وخاصة لدى القبائل البدوية في عدة مجالات حياتية مثل المجال الإقتصادي مثل تبادل السلع والبضائع، حيث توفر هذه العوامل مناخاً مناسباً لذلك، كما نجد بعض المشكلات التي افتعلها في الأساس الاستعمار الأجنبي الذي أعقب سقوط الدولة العثمانية ووظف كل امكانياته وامتيازاته في تفتيت الدولة العربية الكبرى مشجعا اقامة الدويلات والإمارات وخاصة في مناطق الأقاليم الجغرافية والاجتماعية المتجانسة، وقد عمل الاستعمار على هذا المحور منذ وطئت أقدام علماؤه وباحثوه الذين عرفوا باسم "المستشرقين" وكان لهم دور كبير في أحداث بلاد الشام وبعض الوقائع الأخرى في المناطق العربية.


              

بقلم/ المؤرخ

Abu Ismail al-Hilali

التاريخ بيت قديم، الأجداد يتهامسون فيه عن إرث مجيد والأحفاد يستمعون ويصغون لفهم الحياة

إرسال تعليق

{مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ }ق18

أحدث أقدم