سبب التغييرات الاجتماعية عند العرب

  

سبب التغييرات الاجتماعية عند العرب
منذ نحو 150 عاما بدأت السلوكيات الغريبة تغزو المجتمع العربي، وأخذت تتفاقم وتنمو بسرعة كبيرة محدثة تغييرات واسعة النطاق في كافة المجتمعات العربية، وسط ذهول ودهشة واستغراب صامت من قبل فئات المجتمع المحافظة، والكل يتساءل في دهشة ما الذي يحدث وما الذي تغير وما هذه الغرائب والعجائب ؟! التي انطلقت بسرعة فائقة كالنار في الهشيم، تلتهم الأخضر واليابس دون توقف لتحيل كل شيء أمامها إلى رماد وغبار لا قيمة له..

هذه السلوكيات الغريبة لم يكن لها وجود في المجتمع العربي لا في العصر الجاهلي ولا في العصر الحجري، مثل التبرج والسفور وكشف العورة دون خجل ولا حتى الاحساس بالعيب، إن الخروج السافر للمرأة والرجل على حد سواء بهذا السلوك المنتشر في عصرنا الحالي هو كارثة اجتماعية بكل المقاييس كونها تنسف كل القيم مرة واحدة، والمجتمع الإنساني خاصة هو مجتمع قيم ومبادئ فإن فقدها فلا وجود له بين الإنسانية، وهذه القيم والمبادئ هي المعروفة بالأخلاق والتي هي القاعدة الأساسية لقوة أي مجتمع وأي حضارة، وهذه السلوكيات الغريبة المنتشرة في الوقت الحاضر هي أيضاً جزء كبير من منظومة الأسس التي يتأسس عليها المجتمع، إن أردت أن تنسف مجتمع وتمسح حضارة فدس السوس والسم والفساد في منظومة الأسس فإن نخرها السوس وانتشر فيها السم وشاع فيها الفساد فإن موت المجتمع وزوال الحضارة صار حتمياً..

ما هي السلوكيات الغريبة التي انتشرت في المجتمع ويجب على كل ذي عقل وفطنة أن يبتعد عنها :

بعض الأمثلة..

1- التبرج وكشف العورة ..

2- فقدان الثقة بسبب كثرة الخيانة والغدر وانقراض الكرم والتسامح والعفو والوفاء..!

3- سيطرة الكذب على كل الأروقة والمجالات الحياتية والمجتمعية..!

4- منح الظواهر والسلوكيات السيئة والرذيلة والتافهة قيم مادية ومعنوية كبيرة..!

5- تهميش أي ظاهرة حسنة وشطب أي إبداع علمي..!

6- تمجيد وتكريم أصحاب السلوكيات السيئة بدلاً من محاسبتهم وثنيهم ..!

7- هجمات شرسة ومنظمة تستهدف العادات والتقاليد، والطعن في جوهرها ومبدئها ومحاولة خلق عيوب فيها، والبعض يفتي في حرمتها..! من أجل ابعاد الناس عنها بكل الطرق والوسائل..!

8- كثرة الأصوات والجمعيات والمؤسسات المتنوعة، التي انتشرت داخل المجتمع والتي تتركز على حقوق المرأة وحريتها والمناداة بالمساواة بينها وبين الرجل ..!

وفي السنة النبوية العطرة الكثير من الارشادات والتوجيهات التي تنص على بناء مجتمع قوي منها:

عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أربع من كن فيه كان منافقا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا خاصم فجز، وإذا عاهد غذر" متفق عليه.

المفردات:

أربع: خصال. منافقا خالصا: نفاقا عمليا. منهن: من هؤلاء الأربع. خصلة، بفتح الخاء: خلة. يدعها: يتركها. حدث: أخبر. كذب: تمهيدا لعذره ومقصده لئلا يلام على تقصير أو لغرض آخر. وإذا وعد أخلف, لم يف بوعده. فجر: مال في الخصومة عن الحق. غدر: نقض العهد.

الفوائد:

(١) التحذير من التخلق بهذه الأخلاق، وهي إظهار الحق وفي الباطن والحقيقة ما يخالفه.

(٢) إن ترك هذه الخصال من صلاح المجتمع وارتكابها من فساد المجتمع وعدم استقامته.

(٣) إن من استكمل هذه الخصال فقد استكمل النفاق العملي.

(٤) الحث على إصلاح القول والفعل والنية، فإن من فساد القول الكذب، ومن فساد النية إخلاف الوعد، ومن فساد الفعل الغدر بالعهد.

الموجز:

يحذرنا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم من التخلق بهذه الخصال الأربع لما يحصل من بعض المسلمين ارتكاب شيء منها لأن من ارتكب واحدة كان فيه شعبة من النفاق وإن ألمّ بها جميعا كان منافقا خالصا، فليحذر المسلمون من التخلق بهذه الأخلاق الفاسدة التي هي فساد للفرد وللمجتمع، ومن ذلك أنها تذهب الثقة ممن اتصف بهذه الصفات، ويتأسى به غيره حتى تسري في الناس فلا يستقيم لهم أمر لعدم ثقة بعضهم ببعض، فعلينا معشر المسلمين أن نبتعد عن هذه الخصال، ونتأدب بالآداب الجميلة والأخلاق الفاضلة لنكون قدوة حسنة بعضنا لبعض وللنشء الجديد من أولادنا.

وديننا الإسلام يعتمد في تنظيمه الأخلاقي للحياة الاجتماعية على فلسفته الأساسية في قيمة الفرد والمجتمع والسلوك الأخلاقي نفسه. فالفرد له طبيعته وشخصيته المستقلة ومن ثم له قيمة مستقلة أيضا وبناء على هذه الفكرة ينبغي احترام متطلباته الطبيعية عن طريق إتاحة الفرص لتحقيقها ومن ضمن متطلباته أن يعيش في مجتمع من جنسه وذلك ضرورة وفطرة.

ولكن الحياة في المجتمع تتطلب نظاما أو أخلاقا؛ إذ لو تركت الحرية للفرد لتحقيق رغباته فيها فقد يستغل المجتمع لتحقيق مآربه وحاجياته ويتخذ المجتمع وسيلة وغرضا، وهذا النظام ينبغي ألا يسمح باستغلال الآخرين والإضرار بهم في سبيل مصلحة الأفراد. ولكن ينبغي كذلك ألا يسمح للجماعة باستغلال أفرادها باتخاذهم وسائل لتحقيق أغراض وتسخيرهم لذلك إذ في ذلك إهدار لقيمة الإنسان ولهذا قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "لا ضرر ولا ضرار" ..

عما عن أسباب هذه التغييرات الاجتماعية، فإن من الثابت لديّ أنها بدأت بشكل واضح بواسطة البعثات الأوربية التي أخذت تعمل على الأرض من خلال الدراسة والبحث والتحليل الجغرافي والتاريخي والاجتماعي ووضع الخطط وإجراء التنفيذ واستطلاع النتائج وفق منهج مدروس ومدعوم وموجه لفئات المجتمع، ورغم أن تلك الأجراءات كانت ذات طابع سري إلا أن بعض العاملين في هذا المجال ألمح إلى هذه التغييرات في مذكراته وكتبه وتقاريره، وقد وجدت هذه الأدلة بوضوح في كثير من هذه التقارير التي عرفت فيما بعد بكتب الرحالة والمستشرقين وهو  العنوان الرئيسي الذي عملت تحت غطائه تلك البعثات والرحالة ويمكن الإطلاع على كتبهم وتقاريرهم التي كانت ترسل إلى حكوماتهم ودولهم ..

              

بقلم/ المؤرخ

Abu Ismail al-Hilali

التاريخ بيت قديم، الأجداد يتهامسون فيه عن إرث مجيد والأحفاد يستمعون ويصغون لفهم الحياة

إرسال تعليق

{مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ }ق18

أحدث أقدم