شعر الغزل العذري

 

شعر الغزل العذري 
هل صحيح الغزل العذري سمي بذلك نسبة لشعراء من قبيلة عذرة ؟

الشاعر جميل بن معمر، والشاعر عروة بن حزام يقال أنهما من قبيلة عذرة من قضاعة، هكذا كتب معظم المؤلفين في الأنساب والأدب، ونسبوا الشعر العذري العفيف إليهما، أو إلى قبيلة عذرة، ونحن نرى أن جميل وعروة ليس هما فقط من قالا الشعر في الغزل والحب، وهناك غيرهم الكثير من الشعراء العرب بل أن معظم العرب في الجاهلية والإسلام يقولوا الشعر في الغزل والفخر والرثاء والهجاء والمدح والذم وما إلى ذلك..

وحينما نتأمل ونقرأ شعر جميل وعروة ونرى أنهما من الشعراء العرب من أهل الحجاز وهما بلا شك من جهابذة الشعر كغيرهم من زملائهم الشعراء، ونتمعن قصائدهم فإننا نلمس حينما يفتخر الشاعر بقومه وقبيلته أنهما لم يذكرا اسم (عذرة) في قصائدهم، وهنا ينتابنا شعور عميق بالشك في هذا الإسم فمن أين جاء وأين هو الخطأ، وهل هناك خطأ حقيقي في ذلك؟

وحتى نستطيع أن نثبت أو ننفي هذه الفرضية فعلينا أن نحتكم للمراجع ذات الأقدمية في التاريخ، والمراجع الأصلية أيضاً، ومن الأهمية أن نرجع لصاحب الشأن فهو أولى أن يأخذ عنه، فأهل مكة أدرى بشعابها، ولذلك فنحن حينما نتقصى تلك الأحداث يجب أن نسير بالتدرج من الفترة القريبة جدا للأحداث ثم التي تليها وهكذا..

فالشاعر جميل والشاعر عروة نفسيهما لم يذكرا انتسابهما لقبيلة عذرة، ونرى أن جميل افتخر بانتمائه لمعد بن عدنان، وافتخر بنسبه لبني سعد بن زيد، ولم يأتي على ذكر قبيلة اسمها عذرة في قصائده، بينما الشاعر عروة بن حزام فقد ذكر أن صحبته من بني هلال بن عامر، وذكر المؤرخون أن الشاعر جميل كان صديقه الشاعر توبة العامري، نلاحظ أن أصدقائهما من قبيلة بني عامر بن صعصعة ونعرف أيضاً أن قصص الحب مشهورة في هذه القبيلة مثل قيس وليلي وهي نفس قصة جميل وبثينه وقصة عروة وعفراء، وكذلك قصة عنترة وعبلة في العصر الجاهلي وهو أقدمهم زمنياً توفي سنة 615م، وأما الشاعر عروة بن حزام توفي سنة 650م، والشاعر قيس بن الملوح العامري مواليد عام 645م وتوفي سنة 688م والشاعر كثير عاشق عزة ولد عام 644م وتوفي سنة 723م، والشاعر توبة العامري توفي سنة 704م، والشاعر جميل بن معمر توفي سنة 701م، اشتهر هؤلاء الشعراء حسب التصنيف الأدبي بشعراء الغزل العذري العفيف، وهم من قبيلة بني عامر بن صعصعة من معد بن عدنان، ومن خزاعة قحطان، ومن بني سعد بن زيد من معد بن عدنان.. اذا من أين جاءت تسمية الشعر بالشعر العذري العفيف؟! 

علماً بأن قاعدة التصنيف الأدبي للشعر تعتمد على نوع الشعر وجوهره، فيقال شعر الحماسة وشعر الرثاء وشعر الهجاء، وشعر المدح وشعر القافية وهكذا، ولا يقال الشعر العامري والشعر العدناني والشعر القحطاني والشعر الطائي والشعر القيسي والشعر القضاعي، ولم نعرف أن الشعر ينسب إلى قبيلة لأن جميع الشعراء عرب وأشعارهم عربية ولسانهم واحد وهم ينقلون الشعر عن بعضهم البعض، ويرونه لبعضهم البعض.. وإلا لنسب شعر الغزل إلى عنترة وقبيلته فهو اشهر شعراء الغزل في العصر الجاهلي ..

وذكر الفراهيدي في معجمه وهو أول معجم في اللغة العربية: والعُذْرة عُذْرة الجارية العذراء وهي التي لم يَمْسَسْها رجل. [معجم العين، الفراهيدي، ج2، ص95] ومن هذا التعريف الواضح نستدل على أن تسمية الشعر العذري بهذا الاسم كونه يتناول الغزل في البنات العذارى أي التي لم يمسسها رجل كدليلا على عفة هذا الشعر وأنه ليس شعرا جارحا أو خادشاً ولذلك أسموه بالشعر العذري العفيف (مضاف ومضاف إليه) كما أن هذا الشعر ظهر في العصر الأموي مثل ما هو مبين من تواريخ الشعراء حيث يمتد (العصر الأموي من 662م - 750م) حيث توفي قيس العامري سنة 688م وتوفي كثير عزة في 723م وتوفي توبة العامري في 704م وتوفي جميل النهيكي في 701م وهولاء هم الشعراء المشهورين بالعشق والشعر العذري العفيف..

والأدلة والشواهد نأخذها من أصحاب الشأن أنفسهم ومنها:

1- الشاعر جميل بن معمر يقول :

أنا جَميلٌ في السَنامِ مِن مَعَد......في الذُروَةِ العَلياءِ وَالرُكنِ الأَشَد

وَالبَيتِ مِن سَعدِ بنِ زَيدٍ وَالعَدَد......ما يَبتَغي الأَعداءُ مِنّي وَلَقَد

[ديوان جميل، البستاني، دار بيروت، طبعة 1982م]

وهنا يؤكد جميل أنه من معد بن عدنان وهو أعلى شيء في نسبه، وأن قبيلته بني سعد بن زيد، وبهذا يحسم جميل الأمر فهو من بني سعد..

2- وأما عروة بن حزام فيقول في قصائده:

وَقُلْتُ لِعَرِّافِ اليَمامَةِ دوانِي ........... فَإِنَّكَ إِنْ أَبْرَأْتَني لَطبيبُ

فما بِيَ من سُقْمٍ ولا طَيْفِ جِنَّةٍ....ولكنَّ عَمِّي الحِمْيَريِّ كَذوبُ

إنه قال لعراف اليمامة، واليمامة قرية من بلاد نجد بينها وبين البحرين مسافة 10 أيام، وهي موطن قبيلة بني عامر بن صعصعة وبطونها..ثم يسمي عمه الحميري وهذا يتفق مع لقب الشاعر توبة الحميري العامري -مع فارق في المعنى والمقصد سيأتي بيانه- وتوبة صاحب جميل بن معمر وقيس بن الملوح، وقيل أن عراف اليمامة اسمه رياح بن راشد ويُكنى أبا كحيلة وقيل أبو كلحبة وهو مولى بني الأعرج بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم، واسم الأعرج الحارث، ولعراف اليمامة عقب باليمامة كثير.. وأما توبة بن الحمير فقد قيل أنه: توبة بن الحمير بن ربيعة بن كعب بن خفاجة بن عمرو بن عقيل، وقيل توبة بن الحمير بن حزم، وقيل توبة بن الحمير بن حزن، وقيل توبة بن الحمير بن سفيان، وقالوا أن توبة كان شريرا كثير الغارة على الحارث بن كعب وختعم وهمدان ومهرة وكان يغير على قضاعة ومن جوارها، وكانت بينهم وبين بني عقيل مغاورات، حتى ذكروا أن توبة مر برجل من بني عوف بن عامر بن عقيل متنحيا عن قومه فقتله توبة وقتل رجلا كان معه من رهطه..وقد قتل توبة بن الحمير  على أيدي فرسان بني عوف بن عامر بن عقيل، سنة 76هـ ويعد ابن الجوزي المتوفي سنة 597هـ أقدم من نص على مقتله.؟![ديوان توبة بن الحمير الخفاجي، خليل العطية، ص16، طبعة 1968م] ألا ترى الفارق الزمني بين ابن الجوزي وقصة توبة وهي أكثر من 500 سنة؟! ويقال أن ديوان توبة بن الحمير لم يجمع إلا في القرن الرابع الهجري..؟ ألا ترى بأن هذه فترة زمنية بعيدة عن حقيقة الأحداث مما يجعلها تفقد الكثير من الحقائق وتعج بالأخطاء ..وإني أرى أن جميع هؤلاء الشعراء من بيئة واحدة وأكثرها واقع ضمن حدود نجد، حتى أن الشعراء المذكورين جميعاً يذكرون أماكن واحدة في قصائدهم، كما أنهم يعرفون ويحفظون قصصهم وأحداثهم وأسمائهم، فقد قال قيس في قصيدة: 

لعمري ما لاقى جميل بن معمر .... كوجدي بليلى لا ولم يلق مسلم

ولم يلقى قابوس وقيس وعروة .... ولم يلقه قبلي فصـيح وأعـجـــم

صبا يوسف واستشعر الحب قلبه ... ولا كاد داود من الحب يسلم

وبشــرٌ وهند ثم ســعد ووامق ... وتوبة أضـناه الهـــــوى المتقســــم

وقال عروة: خَليليَّ من عُليا هلالِ بنِ عامرٍ ... ... بِصَنْعاءَ عوجا اليومَ وانتظراني.. 

وهو في هذا البيت يؤكد على أن خلانه الذين يرافقوه في المهات الصعبة والشاقة من عليا هلال بن عامر وهذا نسبهم، وذكرهم مفتخرا ومعتزا بهذا النسب عالي المقام عنده وعند أبناء القبيلة، ويؤكد أنه قريب منهم، ويحثهم على الصبر وتحمل المشقة معه لنيل هدفه.. وفي نفس القصيدة وهو يشرح ويبرر لخلانه حبه لعفراء، ذكر عفراء بأنها (ابنة العذري) وقال قبل ذلك عمه الحميري، اذا هو يقر هنا بأن عمه الحميري والعذري، وفي كلتا الحالتين لا نستطيع أن نقول أن الشاعر هنا ينسبه وإنما هو يذمه ويهجوه ويحقره لأنه رفض أن يزوجه بنته، وطلب منه 100 ناقة مهراً لها، مما جعله يسافر بعيدا لكي يتحصل عليها، وغدر به وزوجها برجل من الشام حسب أحداث القصة، فالشاعر هنا يكرهه ويذمه، وهذا لا يمكن أن نعتبره نسباً إلا ما يأتي بوضوح ويصرح به الشاعر كبقية الشعراء، فقوله عمي الحميري يقصد بها الرجل الذي لا يعطي إلا على الكد والإلحاح عليه وهو الرجل اللئيم (وَتَحَمْيَرَ) الرَّجُل: (سَاءَ خُلُقُه)، أي فهو يذمه، وقوله (ابنة العذري) جاءت على سبيل الذم أيضاً وقد يراد بها بحسب معاني كلمة عذرة في معاجم اللغة: ابنة العذري أي بمعنى كثير الذنوب فقد قال الفراهيدي: " واعتذر من ذنبه فَعَذَرْته. وأعْذَرَ فلان، أي: أبلى عذراً فلا يلام. واعتذر إذا بالغ فيه. وعذر الرجل تعذيرا إذا لم يبالغ في الأمر وهو يريك أنّه يبالغ فيه. وأهلُ العربية يقولون: المُعْذِرُونَ الّذين لهم عُذْر بالتخفيف، وبالتثقيل الذين لا عُذْرَ لهم فتكلّفوا عُذْراً. وتعذّر الأمرُ إذا لم يستقمْ.." وقد يأتي معنى "العذري" الرجل الخبيث أو المكثر من الاعتذار، أو الرجل الصعب في المعاملة.. وقال الشاعر: لعمري لقد جرَّبتكم فوجّدْتكم ... قباحَ الوجوهِ سيِّئي العَذِرات، والعذارى في قول الشاعر :يَدْفَعُ عَنْهَا بعضُها عَنْ بَعْضِ، ... مَشْيَ العَذارى شِمْنَ عَيْنَ المُغْضي ..يَقُولُ: العَذارى يَنْظُرْن إِلى المُغْضِي الَّذِي لَيْسَ بِصَاحِبِ رِيبة ويَتَوَقَّيْنَ صاحبَ الرِّيبة، فشبَّه نَظَرَ الإِبل بأَعين الْعَذَارَى تَغُضُّ عَمَّنْ لَا خيرَ عِنْدَهُ.. [لسان العرب، ابن منظور، ج7، ص248] والعذارى هن الفتيات التي لم يسبق لهن الزواج..وقول الشاعر : وَأُرهِقَتِ العَذَارّي مُرْدَفَاتٍ ... وأُوطِئَتِ الأُصَيْبِيَةُ الصَّغَارُ.. أي وأرهقت العذاري من نساء بني كعب، فاحتملهن فرسان سيف الدولة، وأسلموهن للسبي، ولم يمنعوهن من الأخذ، ووطئت الخيل صغار صبيتهم، وأهلكت أطفال ذريتهم.

[شرح معاني شعر المتنبي، لابن الأفليلي، ج2، ص308]

وذكر عروة : اسم القيسي في قصيدة اذ يقول: 

عجبت من القيسي زيد وتربه ... عشية جو الماء يختبراني

هما سألاني ما بعيران قيدا ... وشخصان بالبرقاء مرتبعانِ..

[ديوان عروة بن حزام، القوال، دار الجيل -بيروت، 1995م]

التضارب والاختلاف في نسبه:

 قيل هو من بني هند بن حزام بن ضبة، وقيل من بني نهد، وقالوا اسمه عروة بن حزام بن مالك بن حزام بن ضنة وقيل ضبة، وقيل هو عروة بن حزام بن مهاصر بن مالك، وقالوا عقال بن مهاصر .. ويجمع الكتاب والأدباء أنه من قبيلة عذرة.. وأما اسم عذرة كقبيلة فقد جاء في الأنساب:

عذرة بن زيد من بني كلب، وعذرة بن سعد بن زيد من بني سعد هذيم، وعذرة من غطفان بن سعد، كما ورد اسم عذرة في بني لكيز بن أفصي بن عبد القيس، وعذر بطن من بني همدان، وعذرة بطن من عدي بن بهيس بن طرود بن قدامة بن جرم بن زبان بن حلوان بن الحاف بن قُضاعةَ، قال ابن الكلبي المتوفي سنة 204هـ وعذرة بن عدي كانوا باليمامة.. قال ابن حبيب المتوفي سنة 245هـ؛ (عذرة) : 

في كلب: عذرة بن زيد اللات بن رفيدة بن ثور بن كلب.

وفي قضاعة: عذرة بن سعد بن زيد بن ليث بن سود بن أسلم بن الحافي بن قضاعة.

وفي جرم: عذرة بن عدي بن شميس بن طرود بن قدامة بن جرم ابن ربان.

وفي الأزد: عذرة بن هداد بن زيد مناة بن الحجر.[مختلف القبائل ومؤتلفها، محمد بن حبيب، ص79]

يروى أن النعمان بن بشير أول من ذكروا اسم عذرة القبيلة، في عهد عمر بن الخطاب أو عثمان بن عفان، حيث قال: استعملني على صدقات سعد هذيم، وعذرة، وسلامان، وضنة، والحارث وهم قضاعة.. وأقر أنه حضر وفاة عروة بن حزام في بلاد عذرة في زمن خلافة يزيد وقد كانت خلافة يزيد من (60/ 680م -64هـ/ 683م)والنعمان هو:

 النعمان بن بشير بن سعد بن ثعلبة الأنصاري الخزرجي، أبو عبد الله المدني. وتوفي سنة 60هـ وقيل 64هـ وقتل في حمص وقيل سنة 65هـ/ 685م وقتله خالد بن خلي الكلاعي في خلافة مروان بن الحكم الخليفة الرابع الأموي.. والصحيح أن عروة توفي سنة 30هـ وقيل 28هـ في زمن خلافة عثمان بن عفان (23هـ/ 644م - 35هـ/ 656م) وهذا القول يتعارض مع الرواية آنفة الذكر، فكان سند هذه الرواية عن الكراني عن العمري عن الهيثم بن عدي عن هشام بن عروة عن أبيه عن النعمان بن بشير .. 

و الهيثم بْن عدي الطائي أصله كوفي منبجي، يُكَنَّى أَبَا عَبد اللَّهِ. وقالوا عنه حَدَّثَنَا ابن حماد، حَدَّثَنا عباس، عَن يَحْيى، قال الهيثم بْن عدي كوفي ليس بثقة كَانَ يكذب..قال السعدي الهيثم بْن عدي ساقط قد كشف قناعه. وقال النسائي الهيثم بْن عدي متروك الحديث.. فان كان ليس بثقة ويكذب وساقط ومتروك الحديث فإن أخباره كاذبة ولما كانت الرواية تتعاض مع تاريخ وفاة عروة فإن هذه الرواية باطلة ولا يعتد بها ..

[الكامل في ضعفاء الرجال، ابن عدي، ج8، ص400]

أنواع الغزل:

كتب الاستاذ عبد الله عبد الجبار أحد رواد النقد الأدبي الحديث قائلا:

"معنى الغزل:

إذا رجعنا إلى أمهات كتب اللغة وجدنا أن الغزل والنسيب والتشبيب كلمات مترادفات. فابن سيده يقول: إن الغزل تحديث الفتيان الجواري، والتغزل: تكلف ذلك, والنسيب: التغزل بهن في الشعر، والتشبيب مثله.

وابن منظور يقول: إن الغزل حديث الفتيان والفتيات واللهو مع النساء. ومغازلتهن: محادثتهن ومراودتهن. والتغزل: التكلف لذلك. ونسب النساء ينسب نسبا ونسيبا ومنسبة: شبب بهن في الشعر وتغزل. وشبب بالمرأة: قال فيها الغزل والنسيب. وهو يشبب بها أي: ينسب بها. ويقول الزبيدي مثل ذلك.

هذا هو رأي طائفة من أكبر علماء اللغة, فما رأي الأدباء ومؤرخي الأدب قديما وحديثا؟ يرى ابن سلام -وهو في طليعة الباحثين في الأدب- أن الكلمات الثلاث متحدة المعنى, فهو يقول: "كان لكثير في التشبيب نصيب وافر وجميل مقدم عليه في النسيب". فالنسيب والتشبيب في هذه العبارة مترادفان. ومرة أخرى يقول: "وكان عمر يصرح بالغزل ولا يهجو ولا يمدح, وكان عبيد الله يشبب ولا يصرح، ولم يكن له معقود شعر وغزل كغزل عمر". فالغزل والتشبيب هنا بمعنى واحد، ويستخلص من ذلك أن الغزل والنسيب والتشبيب في رأي ابن سلام كلمات مترادفات واستعمل صاحب الأغاني أبو الفرج الأصفهاني الغزل دالا على النسيب في مواضع شتى من كتابه، وكذلك استعمل الجاحظ الغزل والتشبيب بمعنى واحد.." [قصة الأدب في الحجاز، عبد الجبار وخفاجي، ص515، طبع سنة 1958م]

فأما أنوع الغزل فهي : الغزل العذري والغزل المادي، والغزل التمهيدي والغزل الكيدي، والغزل الحسي والغزل الصوفي .. ونلاحظ هنا أن أنواع الغزل لا تنسب إلى قبائل ولا إلى أشخاص ولكن تسمى حسب أنواعها ومضامينها ومحتواها..

وقد قال شوقي ضيف بأن الغزل في العصر الإسلامى كان نوعين: نوعا ماديا صريحا ونوعا عذريا عفيفا، وشاع النوع الأول فى المدن التى تحضرت على لسان عمر بن أبى ربيعة وأضرابه، بينما شاع النوع الثانى فى بوادى نجد والحجاز وعلى لسان فقهاء المدينة من أمثال عبد الرحمن بن أبى عمار الجشمى..

[ تاريخ الأدب العربي، لـ شوقي ضيف، ج10، ص677] ويقال أن أمرئ القيس كان أغزل الشعراء وكان مضربا للأمثال، فقالوا أَغْزَلُ مِنَ امْرِئِ القَيسِ.. فهو من الغَزَلِ، وهو التشبيب بالنساء في الشعر..

وكان الشعراء يروون أشعار بعضهم البعض، حيث أنه كان جميل راوية هدبة، وهدبة راوية الحطيئة، والحطيئة راوية زهير بن أبي سلمى وابنه كعب بن زهير، وكان كثيّر صاحب عزة راوية جميل 

أسماء شعراء الغزل العذري وأنسابهم حسب ما هو مدون في أمهات الكتب وليس حسب التحقيق والتدقيق:

1- كثير عزة بن عبد الرحمن. الشاعر المجيد أبو صخر، صاحب عزة. مات سنة١٠٥هـ [ديوان الإسلام، شمس الدين ابن الغزي، ج4، ص54] كثيّر عزّة، واسم أبيه: عبد الرحمن الخزاعي، عرف بكثّير-تصغير كثير-لقصره، وأضيف إلى محبوبته عزة بنت جميل بن حفص الغفارية.وتوفي كثير بالمدينة سنة أربع-أو خمس-ومائة هجرية..[ قلادة النحر في وفيات أهل الدهر، الطيب با مخرمة، ج2، ص25]..

أبو صخر كثير بن عبد الرحمن بن أبي جمعة الأسود بن عامر بن عويمر الخزاعي، وقال ابن الكلبي في جمهرة النسب: هو كثير بن عبد الرحمن بن الأسود بن عويمر بن مخلد بن سعيد بن سبيع بن خثعمة بن سعد بن مليح بن عمرو بن ربيعة بن حارثة بن عمرو مزيقياء بن عامر ماء السماء بن حارثة بن امرئ القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأزد..

وقالوا هو من قريش وقيل من خزاعة وقيل من سبيع وقيل من الأزد لكن عداده من الشعراء العذريين ..

2- جميل بن معمر، جميل بثينة، جميل بن عبد الله بن معمر الشاعر المشهور من بني عذرة صاحب بثينة، توفي بمصر سنة 82هـ.. [قلادة النحر في وفيات أهل الدهر، المصدر السابق، ج1، ص468]

أبو عمر وجميل بن عبد الله بن معمر بن صباح بن ظبيان بن حن بن ربيعة بن حرام بن ضبة ابن عبد بن كثير بن عذرة بن سعد بن هديم بن زيد بن ليث بن سود بن أسلم ابن الحاف بن قضاعة الشاعر المشهور..

فهو من قبيلة بني سعد بن زيد من قبائل معد العدنانية، وبني سعد بن زيد منها : في تميم ومنها في هوازن ومنها في بني عامر بن صعصعة.، وقالوا من بني نهيك ونهيك في بني هلال وفي بني كلاب من بني عامر بن صعصعة، ونهيك في بني تميم.. ولكن عداده من الشعراء العذريين ..

3- توبة بن الحمير بن حزم بن خفاجة العقيلي العامري، توفي حوالي عام 704م، أبو حرب ينتسب إلى بني عقيل من بني عامر بن صعصعة،  اشتهر بعشقه المتبادل مع ليلى الأخيلية.. وقالوا توبة بن الحمير وقالوا توبة الحميري، وقالوا توبة بن الحميري .. ومن الخطأ أن نقول أن توبة من حمير بن سبأ، أو من الخطأ أن نظن أن حمير يراد بها حمير ين سبأ، لأن هذا اسم وصفة ولقب للعديد من العرب ومن أمثلة ذلك: الحمير بن قتيبة الأشجعي، وأَبو حِمْيَر إِياد بن طَاهِر الرُّعَيْنيّ، مُحمَّدُ بنُ حِمْيَر الحِمْصيُّ، وحِمْيَر بنُ كراثَةَ وَيُقَال حِمْيَريّ الرَّبَعيّ، وخارِجَةُ بْنُ حِمْيَر الأشجعي،  وحِمْيَر بن الغَوْث، وحمير بن سبأ، وحمير بن يشجب، وحمير بن عدي أحد بني خطمة، وحمير بن عمرو، وحمير بْن خليفة بْن حمير .. وهذه عينة من الأسماء مع استثناء الفوراق الزمنية بينهم..

4- قيس بن الملوّح بن مزاحم بن عدس بن ربيعة بن جعدة بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس عيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، العامري الهوازني. من أهل نجد كان يعشق ليلى العامرية، توفي سنة 68 هـ / 688م. وقيل اسمه قيس بن معاذ، ولقبه مجنون ليلى، وعداده من الشعراء العذريين..وقال أبو بكر الوالبي: اختلف في مجنون بني عامر هل هو عامر أو مهدي أو الأقرع أو معاذ أو قيس ابنه أو أو ابن الملوح أو البحتري بن الجعد ؟! واختلف في نسبه هل هو عامري أو كلابي أو جعدي أو قشيري، وهل المجانين متعددة أم شخصية واحدة؟! أم هما اثنان في بني عامر؟! ويبدو أن الاسم الصحيح هو قيس بن معاذ أو قيس بن الملوح، أحد بني جعدة من قبيلة بني عامر، ويقال هو من بني عقيل، وأن المجنون هو شخصية واحدة.. [ديوان قيس بن الملوح، رواية أبو بكر الوالبي، دراسة يسري عبد الغني، دار الكتب العلمية- بيروت، طبعة 1999م، ص25]

5- عروة بن حزام بن مهاجر الضني، من بني عذرة عاشق عفراء، توفي سنة 30هـ/650م.. فهو من بني ضنة وقيل ضبة، وبني ضنة في بني نمير وفي قضاعة وفي أسد وبني ضبة في مضر وفي قريش وفي هذيل ..ولكن عداده من الشعراء العذريين .. 

6- الصمة القشيري وحبيبته ابنة عمه ربا بنت عطيف، وهو الصمة بن عبد الله بن الطفيل بن قرة بن هبيرة بن عامر بن سلمة الخير بن قشير بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، توفي سنة 96هـ/ 714م.. وعداده من الشعراء العذريين..

7- عبد الرحمن الجشمي، من بني جشم بن معاوية قبيلة من هوازن القيسية.. كان قد أحب فتاة يقال لها سلامة، وذلك في العهد الأموي.. وعداده من الشعراء العذريين..

8- قيس بن ذريح وهو مجنون لبنى بنت الحباب الخزاعية، وهو  قيس بن ذريح بن سنة بن حذافة بن طريف بن عتوارة بن عامر بن ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، الليثي الكناني. توفي سنة 680م..وعداده من الشعراء العذريين.

خلاصة القول: لا يمكن نفي قبيلة عذرة، ولا يمكن التسليم بالنظرية الأدبية التي نسبت هذا النوع من الشعر الغزلي إلى قبيلة عذرة، ولكن هناك شك بكل تأكيد في نسب بعض الشعراء إليها، نتيجة عدم التفريق بين النسب العذري وبين الوصف العذري من قبل الباحثين والكتاب، وهناك أخطاء أخرى جاءت بسبب التصحيف والتحريف في الأسماء من ناحية وفي الأوصاف من ناحية أخرى، وأخطاء نتجت عن الترجمة الخاطئة.. وبما أن أنساب العرب انتقلت إلينا في البداية عن طريق الرواية بعد فترة زمنية لا تقل عن 300 سنة من أواخر العصر الجاهلي، ولم تنقل هذه الأنساب من دوائر تسجيل السكان أو سجلات المواليد، ولذلك فمن الضرورة وجود أخطاء كثيرة فيها، ولما انتقلت من مرحلة المخطوطات إلى المطبوعات زادت نسبة الأخطاء اللغوية أو الإملائية مما رسخ بعض الأسماء في الكتب الحديثة..ولذلك فان دراسات وأبحاث النقد والتحقيق والتدقيق لها أهميتها في حسم مثل هذه الأمور..

              

بقلم/ المؤرخ

Abu Ismail al-Hilali

التاريخ بيت قديم، الأجداد يتهامسون فيه عن إرث مجيد والأحفاد يستمعون ويصغون لفهم الحياة

إرسال تعليق

{مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ }ق18

أحدث أقدم