لحم الغزال عند العرب

لحم الغزال عند العرب
أحب العرب في الغزال الرشاقة والجمال والحور والدل والظرف، وفي المهاة الحسن والبياض والسمن..

 قال مجنون ليلي العامري؛

أقولُ لِظَبْيٍ مَرَّ بِي وَهْوَ رائِعٌ ... أأنتَ أَخُو لَيْلَى فَقالَ يُقالُ

فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَيْلَى غَزالاً بِعَيْنهِ ... فَقَدْ أَشْبَهَتْهَا ظَبْيَةٌ وَغَزالُ

وقال الأخطل التغلبي؛

إِنَّ مَنْ يَدْخُلِ الكَنِيسَةَ يَوماً ... يَلْقَ فِيها جآذِراً وَظِباء

وأنشد الثعالبي؛

ظباءٌ أَعارتها الْمَها حُسْنَ مَشْيِها ... كَما قَدْ أَعارتها العُيونَ الْجآذرُ

فَمِنْ حُسْنِ ذاكَ الْمَشْيِ جاءَتْ فَقَبَّلَتْ ... مَواطِيَ مِنْ أَقْدامِهِنَّ الغَدائِرُ ..

والظِّباء والغِزلان: وهي أولاد الظباء إلى أن تقوى وتطلع قرونها، فإذا قوي الغزال وتحرك ومشى مع أمه فهو رشا - بالفتح - وجمعه: أرشاء. والريم: ولد الظبية: والجمع: آرام.وقال الأصمعي: إنها الظباء الخالصة البياض. ويقال: إنها ضأن الظباء لأنها كثر لحماً وشحماً..

قال بديع الزمان الهمذاني المتوفي سنة 398هـ؛ "أَذَاكَ أَحَبُّ إِلَيْكَ أَمْ أَوْسَاطٌ مَحْشُوَّةٌ، وَأَكْوابٌ مَمْلُوَّةٌ، وَأَنْقَالٌ مُعَدَّدَةٌ، وَفُرُشٌ مُنَضَّدَةٌ، وَأَنْوَارٌ مُجَوَّدَةٌ، وَمُطْرِبٌ مُجِيدٌ، لَهُ مِنَ الغَزَالِ عَيْنٌ وَجِيدٌ؟ فَإِنْ لَمْ تُرِدْ هذَا وَلا ذَاكَ، فَمَا قَوْلُكَ في لَحْمٍ طَرِيٍّ، وَسَمَكٍ نَهْرِيٍ..[مقامات بديع الزمان الهمذاني، ص159]

وفي التواريخ والتراث؛ يذكر أن العرب كانوا يخرجون لصيد الغزلان البرية ويستطيبون لحمها ويمدحونه، وكان الولاة والأمراء والسلاطين ينظمون رحلات للخروج لصيدها بالكلاب المدربة والفهود والصقور ويطاردونها بالخيول، وتستمر بعض رحلات الصيد أياماً بلياليها، وأهل البادية يعتبرون صيد الغزال والأرانب والطيور البرية من التراث المفضل لديهم توارثوه عن أجدادهم من العصور السالفة، وقد كانت حرفة الصيد وسيلة من وسائل المعيشة عند كثير من الناس، وكذلك هواية محببة ومفضلة يعشقها الفرسان والملوك، وقال جواد علي : ولم يكن الصيد متعة وتسلية ورياضة عند العرب حسب، بل كان لسد حاجة وللتغلب على شظف العيش أيضًا، ونجد في الشعر الجاهلي شعرًا جعل الصيد، نوعًا من الرياضة والتسلية، وإظهار الرجولة في التغلب على الوحش الكاسر، والحيوان المتوحش، وأكثر أصحابه من المترفين والمتمكنين، من أصحاب الخيل السريعة، مثل الملوك وسادات القبائل، والشعراء الذي يرافقونهم في رحلات صيدهم، أو يقومون هم أنفسهم برياضة الصيد.

أنواع الظباء: قال ابن الاجدابي المتوفي سنة 470هـ الظباء ثَلَاثَة اصناف: 

مِنْهَا الآرام، وَهِي ظباء بيض خَالِصَة الْبيَاض الْوَاحِد مِنْهَا رئم. وَهِي تسكن الرمل، وَيُقَال: هِيَ ضَأْن الظباء لِأَنَّهَا أَكثر لحوما وشحوما. وَمِنْهَا العفر: وَهِي ظباء هنع، أَي قصار الاعناق مطمئنتها، تعلو بياضها حمرَة. يُقَال ظَبْي أعفر إِذا كَانَ كَذَلِك. وَمِنْهَا الْأدم: وَهِي ظباء طوال الاعناق، والقوائم، بيض الْبُطُون سمر الظُّهُور. وَتسَمى: العواهج، وَهِي أسْرع الظباء عدوا. مساكنها الْجبَال، وشعابها. تَقول الْعَرَب: هِيَ إبل الظباء لِأَنَّهَا أغلظها لَحْمًا. وَيُقَال: ظَبْي آدم، وظبية ادماء، وَالْجمع أَدَم وأدمان. والسرب: القطيع من الظباء.

وَكَذَلِكَ الإجل، وَجمعه آجال. وَجَمَاعَة الْبَقر إجل أَيْضا. والفور: الظباء وَهُوَ جمع لَا وَاحِد لَهُ من لَفظه. والخشف: ولد الظبية. وَهُوَ: الطلا، والغزال، والشادن، واليعفور.[كفاية المتحفظ ونهاية المتلفظ في اللغة العربية، ابن الأجدابي الطرابلسي، ص130]

وذكر الزيات باشا المتوفي سنة 1388هـ ؛ "ومن تقاليد أهل بغداد أن يربّوا الظباء في دورهم كالذي رأيت في دار الشاعر ناجي القشطيني، أراني الله وجهه الأصبح في خير وعافية! ومن أطعمة أهل بغداد لحم الغزال، وقد أكلته بشهية في دار ظمياء أعزها الحب! والبصريون يرون الغزلان حين يشاءون، فمنها أسراب تمرح وتلعب بالقرب من بلدهم الجميل والشاميون يعرفون الغزلان معرفة أكيدة لأنها تجاورهم في الصحراء الشامية، أم المصريون فهم يعرفون الظباء، وهي كثيرة جداً في الصحراء الغربية، وهم يطاردونها من وقت إلى وقت.." [مجلة الرسالة، الزيات، ج325، ص16]

وصف لحم الغزال وفوائده:

ذكر ابن القيم الجوزية المتوفي سنة 751هـ بدمشق في كتابه زاد المعاد عدة أنواع من لحوم الصيد فقال:

لحم الغزال : الغزال أصلحُ الصَّيد وأحمدُه لحمًا. وهو حارٌّ يابسٌ، وقيل: معتدلٌ جدًّا. نافعٌ للأبدان المعتدلة الصَّحيحة. وجيِّده: الخِشْف .

لحم الظَّبي : حارٌّ يابسٌ في الأولى، مجفِّفٌ للبدن، صالحٌ للأبدان الرَّطبة. قال صاحب «القانون»: وأفضل لحوم الوحش: لحمُ الظَّبي مع ميله إلى السَّوداويَّة.

لحم الأرنب: ثبت في «الصَّحيحين»  عن أنس بن مالكٍ قال: أنفَجْنا أرنبًا، فسعوا في طلبها، فأخذوها. فبعث أبو طلحة بوركها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقبله.

ولحم الأرنب معتدلٌ إلى الحرارة واليبوسة . وأطيبُها وَرِكُها. وأحمَدُ  ما أُكِل لحمُها مشويًّا. وهو يعقل البطن، ويدرُّ البول، يُفتِّت الحصى. وأكل رؤوسها ينفع من الرَّعشة..[ زاد المعاد في هدي خير العباد - ط عطاءات العلم، ابن القيم، ج2، ص561]

وذكر ابن مفلح المتوفي سنة 763هـ من مواليد بيت المقدس وتوفي بدمشق: فقال؛ (لَحْمُ الْغَزَالِ) أَصْلَحُ الصَّيْدِ وَأَحْمَدُهُ عَلَى أَنَّهَا بِأَسْرِهَا رَدِيئَةٌ تُوَلِّدُ دَمًا غَلِيظًا سَوْدَاوِيًّا، وَالْغَزَالُ أَقَلُّهَا غِذَاءً وَأَجْوَدُهُ الْخَشَفُ وَهُوَ حَارٌّ يَابِسٌ وَقِيلَ مُعْتَدِلٌ يَنْفَعُ مِنْ الْقُولَنْجِ وَالْفَالِجِ وَيَصْلُحُ لِلْبَدَنِ الْكَثِيرِ الْفُضُولِ وَهُوَ يُجَفَّفُ وَيُسَخَّنُ وَتُصْلِحُهُ الْأَدْهَانُ وَالْحَوَامِضُ.[كتاب الآداب الشرعية والمنح المرعية، ابن مفلح المقدسي الحنبلي، ج2، ص433]

وذكر أبو البقاء الدميري المتوفي سنة 808هـ: أن لحم الغزال حار يابس وأنه ينفع في القولنج والفالج، وأنه أصلح لحوم الصيد والله أعلم..[حياة الحيوان الكبرى، الدميري، ج2، ص254]

وذكر التويجري المولود في مدينة بريدة بالمملكة العربية السعودية سنة 1371هـ : أن لحم الغزال أصلح الصيد، وأحمده لحماً، نافع للأبدان خاصة الحولي منه، وبعده الأرنب، ولحم الظبي مجفف للبدن، صالح للأبدان الرطبة، وهو أفضل لحوم الوحش، ولحم الأرنب يعقل البطن، ويدر البول، ويفتت الحصى، وأطيبها وركها، ولحمها المشوي أكثر تغذية. [ موسوعة الفقه الإسلامي - التويجري، ج4، ص306]

ومن فوائد لحم الغزلان؛ أنه يعتبر ذا قيمة غذائية جيدة، فقد وجد في إحدى الدراسات أن لحم الغزال له قيمة غذائية عالية، إضافة إلى احتوائه على كمية مرتفعة من مادة الغلوكين الذي يتحول إلى سكر الجلوكوز الذي تستخدمه الخلايا في الجسم لتوليد الطاقة. وفي نفس الدراسة أوضحت أن لحم الغزال يساعد على تخفيف الدهون، ويحسن الخصوبة عند الرجال، إلا أن مثل هذه النتائج تحتاج لدراسات أخرى مؤكدة. وأوضحت الدراسة أن لحم الغزال يوفر الكالسيوم والفوسفور للجهاز الهضمي والأسنان، ويحتوى على الزنك أيضاً. يفضل أن يصطاد الغزال وهو واقف بدلاً من أن يصاد وهو راكض؛ لأنه مع الركض تزيد نسبة حمض اللبن في العضلات، مما يعطي طعم اللحم إذا اصطيد راكضاً طعماً حامضاً.

              

بقلم/ المؤرخ

Abu Ismail al-Hilali

التاريخ بيت قديم، الأجداد يتهامسون فيه عن إرث مجيد والأحفاد يستمعون ويصغون لفهم الحياة

إرسال تعليق

{مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ }ق18

أحدث أقدم