دولة بني هلال في أوجلة

 

دولة بني هلال في أوجلة
بحث عن آخر معاقل بني هلال في ليبيا..

من خلال المصادر التاريخية البسيطة المتوفرة لي يمكن تقديم هذه الدراسة حول دولة بني هلال الأخيرة قرب أوجلة..

وقال البكري (المتوفي سنة 487هـ):  مدينة أوجلة وهي مدينة عامرة كثيرة النخل، وأوجلة اسم الناحية واسم المدينة أرزاقية «٢» ، وأوجلة قرى كثيرة فيها نخل وشجر كثير وفواكه وبمدينتها مساجد وأسواق.. ثم قال: من أوجلة إلى بلد شنترية عشر مراحل في صحراء ورمال قليلة الماء. وشنترية هذه كثيرة العيون والثمار والحصون، أهلها بربر لا عرب فيهم. وتسير من شنترية (سنترية) على طرق شتّى إلى أودية الواحات.[ المسالك والممالك للبكري، ج2، ص660-662]..

وذكرها الإدريسي(توفي سنة 560هـ): مدينة أوجلة مدينة صغيرة متحضرة فيها قوم ساكنون كثير والتجارة وذلك على قدر احتياجهم واحتياج العرب وهي في ناحية البرية يطيف بها نخل وغلات لأهلها ومنها يدخل إلى كثير من أرض السودان نحو بلاد كوار وبلاد كوكو وهي في رصيف طريق والوارد عليها والصادر كثير وأرض أوجلة وبرقة أرض واحدة ومياهها قليلة وشرب أهلها من المواجل.[الإدريسي، نزهة المشتاق، ج1، ص312]

اعتبرها المقريزي المتوفي سنة 845هـ من بلاد المغرب وذكرها في حوادث سنة 571هـ في تاريخه، [ السلوك لمعرفة دول الملوك، للمقريزي، ج1، ص171]، وقال القطيعي المتوفي سنة 739هـ: أوجلة وبالفتح، ثم السكون، وفتح الجيم ولام وهاء: مدينة بالمغرب، فى جنوبى يرقة، ضارية فى البر. وأوجلة: اسم للناحية. وهى قرى كثيرة فيها نخيل كثيرة وفواكه، ومدينتها أرزاقية.[مراصد الاطلاع على أسماء الأمكنة والبقاع، القطيعي، ج1، ص129] وذكرها الحموي من أعمال أجدابيا واقعة في جنوبها وغربها، وعدها من بلاد المغرب..

قال الحسن بن محمد الوزان المتوفي سنة 1554م/ 961هـ: "أوجلة ناحية مسكونة في صحراء ليبيا على بعد 450 ميلاً من النيل، فيها ثلاثة قصور ويضعة مداشر صغيرة يحدق بها نخيل كثير، لا ينبت بها القمح، وإنما يستورده الأعراب من مصر، وتقع أوجلة على الطريق الكبرى الذاهبة من موريتانيا إلى مصر مروراُ بصحراء ليبيا." [وصف افريقيا، الوزان الفاسي، ج2، ص 109،طبعة 1983م].

وذكر مقديش المتوفي سنة 1228هـ: "ومن برقة إلى مدينة أوجلة في البريّة عشر مراحل بسير القوافل، وكذلك من برقة إلى أجدابية ست مراحل، وهي من الأميال مائة واثنان وخمسون ميلا." [نزهة الأنظار في عجائب التواريخ والأخبار، محمود مقديش، ج1، ص131] وقال البكري من أجدابيا تمشي ثلاثة أيام إلى قصر زيدان، ومن قصر زيدان تمشي أربعة أيام إلى مدينة أوجلة، إذا بين أجدابيا وأوجلة مسافة اسبوع..وتتصل أوجلة بطريق بري إلى الواحات وهي تصدر التمر الجيد، وبين أجدابيا إلى زويلة بمصر نحو شهر بسير القوافل التجارية..

 وفي معجم البلدان الليبية أن أوجلة واحة في الجنوب الغربي من أجدابية بنحو 260 كيلومتر وهي من أعمال برقة وأهلها يتمزيون بالطيبة وحسن الخلق، وهم من البربر ويتكلمون اللغة العربية ويكتبونها، ويتكلمون لغة البربر، وكان قد غزاها عثمان الساكسلي حاكم طرابلس (لعنه الله) الذي كانت ولايته عام 1041هـ وغدر بأهلها وقتلهم وسلب أموالهم حتى أقراط الصبيان وسجن كل إمرأة عندها مال، واحتلها الطليان سنة 1346هـ، وخرجوا منها لما خرجوا من برقة سنة 1943م [معجم البلدان الليبية، الطاهر أحمد الزاوي، ص42، طبعة أولى لعام 1968م]

دولة بني هلال ديار المغرب بجانب أوجلة:

قال الرحالة التركي أوليا جلبي (1671م) والمتوفي سنة 1684م / 1095هـ في القاهرة: وكانت دولة بني هلال بجانب أوجلة وهي الآن مدينة بني هلال، تجاه جزيرة كريت ، وكانت مدينة عظيمة جدا أغار عليها الأسبان وقتلوا ملكها.

إذ كان آل هلال ملوكاً عظاماً انقرضوا من هول تلك الإغارة الشعواء والصدمة القتالة، فقوم بني هلال الموجودون الآن هم من ذرية هؤلاء الملوك والحكام، وهم الآن عربان وبدو رحل يبلغ عددهم مئات الألوف، كما أن لهم كثرة هائلة من الأغنام والمواشي التي نتتج كميات كبيرة من السمن النفيس ذي الرائحة المسكية، حيث رأيته بعيني، حينما كنت في كريت مع عسكر الإسلام، وتصدر من هذا السمن أيضاً إلى مصر كميات لا بأس بها.

وقديما كان يطلق على ملوك هذه الدولة أسماء مثل نور الله الهلالي، وصنع الله الهلالي، وفضل الله الهلالي، وهم يحتلون صحاري بلاد المغرب..[الرحلة إلى مصر والسودان وبلاد الحبش، أوليا جلبي، ج3، ص279]

وجاء في كتاب الأنساب العربية في ليبيا أن جل عشائر الأوجلة ينحدرون من قبيلة لواتة القديمة، وتتكون عمائر الأواجلة من أربعة عمائر وهي: عميرة الحاطي، وعميرة الصبوح وعميرة السراحنة وعميرة الزقاقنة، وتتكون كل عميرة من مجموعة من العائلات وهم كما يلي:

1- عميرة الحاطي: وتضم العائلات التالية: سحيم وابن سبيع والبطرون ورحومة وحبرارة وابن مشكان وعتيبي وسعود وحلوس وبوشورة والطافور، وعقوب واحميدي وبرقو والشاوش والدريجي (من الجوازي)وبكير.

2- عميرة الصبوح: وتضم العائلات التالية؛ حمي والقاضي وجبرين وديهوم وأبو قبول، والطراح ونافو وابن عمرة والرضاع وبدر، وصلهاب، وشنشون، وعمر، حبانة، زينب، الجدي، وتبزاز، وانبجاء، ولالي، وقبابو، وفضيل، وحانة.

3- عميرة السراحنة: وتضم العائلات التالية: بكار، وأوطيرة، وابن خاشم، وسبيكة، ولالي تنيضة، الرقاعي، وأحمد ، والناموس، وزاكي، والحمبولي، والقباصي، وبحيري، وعبودة، وعائلة كابو وهم من الطوارق.

4- عميرة الزقاقنة: وتضم العائلات التالية: عائلة الباشك، وجار الله ديندي، وأبو ضيه، وهنية، والخبولي، وهليب، وزبي. [الأنساب العربية في ليبيا، لمحمد مناع، ص64-66، طبعة 1991م]

وقد ذكر ابن خلدون المتوفي سنة 808هـ في تاريخه: أن العرب في برقة كانوا يحرثون الأرض ويعملون بفلاحة الأرض، وينتجعون في أوجلة وشنترية والواحات وما وراء ذلك من الرمال والقفر إلى بلد السودان المجاورين لهم، وتسمّى بلادهم برنق، وشيخهم في هذا العهد أبي الذئب من بني جعفر، وقال وتزعم نسابة الهلاليين أنهم لربيعة ابن عامر إخوة هلال بن عامر. [تاريخ ابن خلدون، ج6، ص114]

وذكر ابن خلدون أيضاً: (وفيما بين الإسكندرية ومصر) قبائل رحّالة ينتقلون في نواحي البحيرة هنالك، ويعمّرون أرضها بالسكنى والفلح، ويخرجون في المشاتي إلى نواحي العقبة وبرقة من مراية وحوارة وزنارة إحدى بطون لواته، وعليهم مغارم الفلح. ويندرج فيهم أخلاط من العرب والبربر لا يحصون كثرة. وبنواحي الصغير قبائل من العرب من بني هلال وبني كلاب من ربيعة. وهؤلاء أحياء كثيرة ويركبون الخيل، ويحملون السلاح، ويعمّرون الأرض بالفلاحة ويقومون بالخراج للسلطان. وبينهم مع ذلك من الحروب والفتن ما ليس يكون بين أحياء القفر. [تاريخ ابن خلدون، ج6، ص7] و في البيان والأعراب للمقريزي يذكر أن بني هلال كانت متواجدة ما بين مصر وبرقة وقد عبروا إلى السودان، ويذكر من عرب بني هلال وبني عامر الذين كانوا في برقة: بني جعفر وبني قرة وبني بهجة وبني رياح وبني زغبة وبني كلاب وغيرهم وهؤلاء كانوا ما بين برقة ومصر، وينضم إليهم من تلك النواحي هوارة ولواتة ويرجع تاريخ اتحادهم إلى سنوات موغلة في القدم أهمها يرجع لعام 440هـ 640هـ وكانت لواتة وهوارة مع بني عامر وبني كلاب في الفيوم في عهد الملك الصالح نجم الدين أيوب..

الغزو الأسباني، ونهاية دولة بني هلال الأخيرة في التاريخ:

في عام 1510م/ 915هـ بدأ الغزو الأسباني لليبيا بواسطة أسطول بحري وصل إلى مدينة طرابلس يوم 25 يوليو 1510م ويتكون من حوالي 120 قطعة بحرية، وتضم حوالي 6000 من المشاة البحرية في السفن الأسبانية..وبحسب رواية الرحالة التركي أوليا جلبي فإن هذا التاريخ هو تاريخ سقوط ممكلة بني هلال في أوجلة أو قرب أوجلة، ولكن لم يعرف بالتحديد تاريخ هذه المملكة أو الدولة، إلا أننا ومن خلال دراسة المصادر التاريخية المتوفرة يمكن أن نقول أن هذه الدولة كانت آخر معاقل قبيلة بني هلال أو بالأحرى الحلف الهلالي المتبقي بعد الصراعات المريرة التي عصفت بهم في تلك النواحي، ويعتقد أن هذه الدولة الهلالية ظهرت بعد فترة ابن خلدون المتوفي سنة 808هـ والمقريزي  المتوفي سنة 845هـ، أي من المتوقع أنها ظهرت سنة 860هـ - 915هـ وبعد هذا التاريخ هاجر الكثير من سكان برقة وما حولها  إلى مصر ونزلوا البحيرة والاسكندرية والفيوم وبعضهم نزل إلى سيناء والشام..ويمكن أن نعتبر بداية القرن السادس عشر هو عصر انتهاء نفوذ القبائل العربية، وخاصة بني هلال وبني عامر وصار الانتساب لهما يشكل خطرا أمنياً على القبائل العربية فبدأت تظهر الأسماء والمسميات البديلة لتفادي هذه المخاطر والتهديدات التي تطلقها الحكومات التابعة للسلطنة العثمانية، من خلال سياسة الترغيب والترهيب.. ثم بدء ظهور سياسة التوطين بالتدريج في كافة نواحي السلطنة..

              

بقلم/ المؤرخ

Abu Ismail al-Hilali

التاريخ بيت قديم، الأجداد يتهامسون فيه عن إرث مجيد والأحفاد يستمعون ويصغون لفهم الحياة

إرسال تعليق

{مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ }ق18

أحدث أقدم