شكل الأرض في القرآن الكريم |
أولا فتوى إسلامية
الحمد لله، حكى غير واحد من أهل العلم الإجماع على كروية الأرض، ومن ذلك:
ما نقله شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن أبي الحسين ابن المنادي رحمه الله، حيث قال " وقال الإمام أبو الحسين أحمد بن جعفر بن المنادي من أعيان العلماء المشهورين بمعرفة الآثار والتصانيف الكبار في فنون العلوم الدينية من الطبقة الثانية من أصحاب أحمد: لا خلاف بين العلماء أن السماء على مثال الكرة....
قال: وكذلك أجمعوا على أن الأرض بجميع حركاتها من البر والبحر مثل الكرة. قال: ويدل عليه أن الشمس والقمر والكواكب لا يوجد طلوعها وغروبها على جميع من في نواحي الأرض في وقت واحد، بل على المشرق قبل المغرب " انتهى من "مجموع الفتاوى" (٢٥/١٩٥) باختصار.
وسئل رحمه الله: عن رجلين تنازعا في " كيفية السماء والأرض " هل هما " جسمان كريان "؟ فقال أحدهما كريان؛ وأنكر الآخر هذه المقالة وقال: ليس لها أصل وردها فما الصواب؟ فأجاب: " السموات مستديرة عند علماء المسلمين، وقد حكى إجماع المسلمين على ذلك غير واحد من العلماء أئمة الإسلام: مثل أبي الحسين أحمد بن جعفر بن المنادي أحد الأعيان الكبار من الطبقة الثانية من أصحاب الإمام أحمد وله نحو أربعمائة مصنف، وحكى الإجماع على ذلك الإمام أبو محمد بن حزم وأبو الفرج بن الجوزي، وروى العلماء ذلك بالأسانيد المعروفة عن الصحابة والتابعين، وذكروا ذلك من كتاب الله وسنة رسوله، وبسطوا القول في ذلك بالدلائل السمعية، وإن كان قد أقيم على ذلك أيضا دلائل حسابية، ولا أعلم في علماء المسلمين المعروفين من أنكر ذلك، إلا فرقة يسيرة من أهل الجدل لما ناظروا المنجمين قالوا على سبيل التجويز: يجوز أن تكون مربعة أو مسدسة أو غير ذلك، ولم ينفوا أن تكون مستديرة، لكن جوزوا ضد ذلك، وما علمت من قال إنها غير مستديرة - وجزم بذلك - إلا من لا يؤبه له من الجهال ... " انتهى من "مجموع الفتاوى" (٦/٥٨٦) ..
كتاب موقع الإسلام سؤال وجواب [محمد صالح المنجد، ج9، ص225]..
ثانيا الأدلة القرآنية حول شكل الأرض، [شرح المؤلف أبو إسماعيل الهلالي]
وردت كلمة (الأرض) في القرآن الكريم نحو 425 مرة، ليس في كل مرة من هذه المرات يراد بالأرض حجمها أو شكهلها، وإنما يراد بها المساحة المكانية التي يعيش عليها الإنسان، يعني بمعنى التراب والغبار والطين والسهل وكل موضع من الأرض فهو أرض.. فمثلاً انظر قوله تعالى { بقرة ذلول تثير الأرض} سورة البقرة 71، هل البقرة تثير كوب الأرض، أم أنها تثير الغبار في الموضع التي هي تحرث فيه، وكذلك في قوله تعالى: { ادخلوا الأرض المقدسة} [المائدة: 21] وهنا المراد بالأرض المقدسة موضع معين منها.. وقوله سبحانه وتعالى: {فبعث الله غراباً يبحث في الأرض ليريه كيف يوراي سوءة أخيه}[المائدة:31] وهنا المراد بالأرض هو الموضع الذي يبحث فيه الغراب بأرجله ومنقاره، وليس كوكب الأرض..
الأدلة من خلال الآيات القرآنية:
1- قوله سبحانه {مشارق الأرض ومغاربها}:
لو كانت الأرض مسطحة مثلا لكان قرص الشمس أضاءها جملة واحدة، فلا يكون فيها مشرق ولا مغرب، كما أن السبب الرئيسي في اختلاف درجة الحرارة اليومية في الصباح عنها في الظهيرة وعنها في الغروب هو شكل مجسم الأرض الذي يؤثر في قوة الشعاع الشمسي فيكون الشعاع مائل في الفترة الصباحية والمسائية فتكون حرارته منخفضة أو ضعيفة ويكون عمودي في وقت الظهيرة فتكون الحرارة مرتفعة أو قوية، كما أن شكل الدائري هو المسؤول عن ظهور أشعة الشمس في جانب وغروبها في الجانب الآخر... وتقسيم الكرة الأرضية إلى قسمين شرقي وغربي أو إلى دوائر العرض والطول أمر سليم 100% ويتوافق مع القرآن الكريم، لقوله سبحانه وتعالى : {ولله المشرق والمغرب} وقوله سبحانه { فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر} وقوله تعالى {قال رب المشرق والمغرب وما بينهما} وقال عز وجل {فلا أقسم برب المشارق والمغارب}
2 - وقوله سبحانه {أو لم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما} :: الرتق هو الشي المتصل مع بعضه البعض، وفي الآية دليل على أن السماوات والأرض كانتا متصلتين، أليس الله هو الخالق سبحانه وتعالى فخلقهما من العدم، وإن هذا الفتق بين السماوات والأرض استمر لمدة يومين، بدليل قوله تعالى { خلق الأرض في يومين}، ولكن خلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس، وجاء ذلك في قوله تعالى {لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس}
3 - وقوله عز وجل {والأرض بعد ذلك دحاها}.. دحاها وكلمة عربية أصلها دحا يدحي أي يحرك الشيء بشكل التدحرج، كما يدحي المطر الحصى عن وجه الأرض، وهنا يوجد دليل على أن شكل الأرض جسم اما كروي وإما بيضاوي وإما شكل غير منتظم ولكنه على هيئة الأجسام القابلة للتدحرج..
4 - وقوله سبحانه {الأرض ذلولا}.. في هذه الآية توضيح أن الأرض كلها جعلها الله ذلولاً للإنسان، وهذا يؤكد بأن الأرض مأمورة من الله لتكون ذلولة، ومعنى ذلول أي أنها انقادت للإنسان ليمارس نشاطه الحياتي عليها، وفي هذه الآية دليل على أن للأرض حركة وإنها ذلت بأمر الله، حتى نمارس حياتنا التي أرادها الله لبني آدم..
5 - وقوله تعالى {جعل الأرض قرار} وقوله سبحانه {جعل لكم الأرض قرار والسماء بناء } وفي هاتين الآيتين الكريمتين بأن الأرض في بدايتها لم تكن في قرار إلا بأمره سبحانه
6 - وقوله عز وجل{خلق السماوات والأرض بالحق يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى}، وهنا دليل آخر على أن الأرض كروية لأن حركة الليل والنهار تدور بطريقة التكوير، حول جسم الأرض لأنه بالطبع مكور، وأن الشمس والقمر يجريان في هذا المسار المكور، وهو الفلك أو المدار الخاص بكل جرم من الأجرام السماوية التي تتحرك في مسارها على هيئة السباحة، فلا أحد يسبق الآخر وكله مقدر بقدرة الخالق..وقال سبحانه {لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون..}
7 - وقوله تعالى {أو لم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها} وقوله عز وجل {أفلا يرون أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها} فالأرض منقوصة من طرفيها، صورة واضحة تماما عن واقع الأرض وطبيعتها، لأن نقص الأرض من طرفيها كما تعلمون هي جزء من مقدارتها الطبيعية، ولهذه الآية دليل واضح أن الأرض كروية في طرفيها الشمالي والجنوبي نقص في الحياة فهي عبارة عن صحاري جليدية تخلو من الحياة بشكل عام، ونقص في الحرارة ونقص في الغطاء النباتي ونقص في المظاهر الاجتماعية والدينية والحضارية، فالأرض في مركزها تزخر بالحضارات البشرية وخاصة في الأقاليم المعتدلة، وهي أقاليم غير منقوصة.. ومن المعروف أن المناطق المتوسطة من الأرض تحصل على كمية كافية من الحرارة والماء ولذلك فهي غنية بمقومات الحياة..
8- قوله تعالى {والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه}، نلاحظ في هذه الآية فرق واضح بين السماوت والأرض إن دل على شيء فهو يدل على أن لكل منهما شكله الخاص به، إلا أن الأرض جميعا أي كلها قبضته يوم القيامة سبحانه وتعالى..
وهذه الآيات يجوز الاستدلال بها أو الاستنتاج منها على ما هية شكل الأرض، هل هي كرة أم لها شكل آخر، من خلال قراءة الآيات السابقة الذكر، يمكن أن نستنتج أن شكل الأرض أقرب ما يكون لشكل الدحى أي البيض، ولكن بشكل تناسقي أكثر مما يسمح لهذا الشكر بأن يتدحرج ويتكور حوله الظواهر الجوية والأجسام السماوية بشكل لا يسمح لها بالانحراف عن مدارها التي تدور فيه ..
أقوال العلماء المسلمين
إجماع علماء المسلمين على أن الأرض كروية خاصةً المتقدمين منهم.
فقد قال ابن حزم: قالوا: -أي: العلماء- إن البراهين قد صحت بأن الأرض كروية، والعامة تقول غير ذلك، وجوابنا وباللَّه تعالى التوفيق: إن أحدًا من أئمة المسلمين المستحقين لاسم الإمامة بالعلم -رضي اللَّه عنهم- لم ينكروا تكوير الأرض، ولا يحفظ لأحد منهم في دفعه كلمة؛ بل البراهين من القرآن والسنة قد جاءت بتكويرها. [موسوعة محاسن الإسلام ورد شبهات اللئام، ج12، ص410]
وقد حكى غير واحد من العلماء الإجماع على كروية الأرض، ونقل ابن تيمية عن بعض أهل العلم قوله: (لا خلاف بين العلماء أن السماء على مثال الكرة. وقال: وكذلك أجمعوا على أن الأرض بجميع حركاتها من البر والبحر مثل الكرة. ثم قال: ويدل عليه أن الشمس والقمر والكواكب لا يوجد طلوعها وغروبها على جميع من في نواحي الأرض في وقت واحد، بل على المشرق قبل المغرب.)
والذي يظهر أن استنباط كروية الأرض من إشارة هذه الآية إلى حدب الأرض صحيح، والله تعالى أجلّ وأعلم. [الاستنباط عند الخطيب الشربيني في تفسيره السراج المنير، أسماء، ص605]..
وقد كان الصحابة رضي الله عنهم يعرفون ذلك من قوله تعالى: (يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ) والتكوير إنما يكون على الجسم المستدير.كذلك فإن هذه الآية تدل على تكوير السماء..[الفرقان في بيان إعجاز القرآن، عبد الكريم الحميد، ص310]
لم يكتف علماء المسلمين المتقدمين ببيان أن الأرض كروية، بل جاؤا باكتشافات تدل على فهمهم لعلوم الأرض مثل: اكتشاف الجاذبية الأرضية، وتقسيم الكرة الأرضية إلى خطوط طول ودوائر عرض، وأن الأرض كرة ولكن غير منتظمة التكوير..[ موسوعة محاسن الإسلام ورد شبهات اللئام، ج12، ص408]
هل الأرض كروية؟ الجواب: نعم، ومعنى هذا: أنها مستديرة في الشكل، وقد نقل أبو العباس بن تيمية أن جميع الأفلاك مستديرة في الكتاب والسنة والإجماع، وأن الأرض والسماوات كذلك، وأن كروية الأرض مثبتة في كرة السماء. [عبد العزيز بن عبد الله الراجحي، فتاوي منوعة، ج12، ص38]
ذكر الألباني : قال الإمام: ثم إن ظاهر الحديث منكر عندي، لأن الأرض كروية قطعاً، كما تدل عليه الحقائق العلمية، ولا تخالف الأدلة الشرعية [جامع تراث العلامة الألباني في العقيدة، ج7، ص901]..
ونكتفي بهذا المختصر المفيد، والله الموفق والمستعان..
التسميات :
جغرافيا