مفهوم القبيلة بشكل عام (1)


(1) المفهوم اللغوي والاصطلاحي 

ليست المفهوم الوحيد للقبيلة هو أن يكون لها أب ينتسبون له أبنائها جميعاً، بل أن القبيلة عبارة عن تاريخ هذا الأب وأقاربه وأصهاره ومدى اجتماعهم واتفاقهم على التمحور والتمركز حوله، على سبيل المثال والفرضية بأن القبيلة تمركزت حول عامر وقيل لها قبيلة بني عامر، وهذا بالخط العريض، وليس ها هنا يقف انتماء الجميع فيما بعد، بل أن القبيلة تمتد لتشمل كل من اجتمع حول عامر من أبنائه ومن إخوانه وأعمامه وأخواله وأبناء أخواله وأبناء أعمامه، فعلي سبيل المثال لا الحصر،
أن عامر هو عامر بن عوف، فنجد في القبيلة من ينتمي وينتسب إلى أي من هذه السلسلة كما يلي: 
" بنو عامر بن عوف بن بكر بن عوف بن عذرة بن زيد اللات بن رفيدة بن ثور بن كلب بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن الحافي بن قضاعة" فنقول أن شهرة هذه القبيلة بني عامر بن عوف، لكن هناك من ينتمي إلى عوف وإلى بكر وعذرة ورفيدة وبني كلب وبني تغلب لأنهم جميعاً يجتمعون في قضاعة، لكن لم تحمل القبيلة اسم قضاعة لأن قبيلة قضاعة تفرعت إلى قبائل كثيرة جداً لا يستطع أحد أن يحصرها، ولن يستخدم اسمها قضاعة ليطلق على جميع الجموع الغفيرة، فتجزأت إلى أسماء متعددة حتى يدل الاسم إلى البطن أو الفخد الأقرب للشخص، كما أن كل فرع من الفروع المذكورة هي أيضاً عبارة عن أمة وشعوب وليست قبائل محدودة فقط. 
أي أن بني عوف قبائل وبني بكر قبائل وبني عذرة قبائل وبني رفيدة قبائل وبني كلب قبائل وبني تغلب قبائل، وكل واحدة من هذه القبائل تضم بين تركيبتها عائلات من جيرانها الأخرى تكون مرتبطة معها بعلاقة المصاهرة وهي العلاقة الأفقية التي تنشأ بسبب تاريخ هذه القبيلة الطويل وتنقلاتها وترحالها داخل الأقاليم الجغرافية العربية، حيث يطيب لكل قبيلة التحالف والاختلاط مع القبائل ذات الجذر المشترك، بمعنى أن قبائل قضاعة مختلطة من كافة فروعها المنتشرة في الوطن العربي، وليس هذا فحسب فالقبيلة تتخطى هذا الوصف لتضم أيضاً أصهاراً من القبائل القيسية التي تنحدر من قيس عيلان أو المضرية أو العدنانية، حتى أن هناك إخوة من أم واحدة لكن كل أخ منهم ينتمي إلى أب، فمثلاً قصي بن كلاب من قريش وهو الجد الخامس للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، بينما أخوه لأمه حن بن ربيعة من قبيلة عذرة القضاعية، أصبحا أخوة لأنهما من أم واحدة توفي زوجها الأول عنها، فتزوجت آخر، وهكذا تنشأ العلاقة القبلية وتتطور لتضم القبيلة بين طياتها مجموعة من الخطوط التي تجمعهم روابط النسب والمصاهرة على السواء، فليس بالضرورة أن يكونوا من أب واحد فقط، لكن بالضرورة هم أقارب وأصهار وأنساب، ولهذا سميت القبيلة بهذا الاسم لتقابل الأنساب فيها.
ونفس الأمر، ما وقع لقبائل بني عامر بن صعصعة التي انتشرت في البلدان والاقاليم الجغرافية، حيث أصبحت فيما بعد "فترة طويلة من التاريخ"، تتداخل فيما بينها، حيث أن هناك بطون من بني كلاب وبني ربيعة وبني خفاجة وبني كعب صارت كلها ضمن تكتلات قبيلة بني هلال بن عامر بن صعصعة، حتى أن بعض القبائل القيسية مثل فزارة وبني سليم وبني عبس وهوازن تداخلت فيما بينها لأن العصبية التي تجمعهم هي قيس، وكذلك الأمر عند قريش وقيس، والأمر نفسه في طيء وزبيد، وجرم، وكذلك في لخم وجذام، وعند غسان وسليح ووبرة. 
(2)تعريفات القبيلة: 
1- القبيلة: القُبَل بضم أوله وفتح ثانيه تعني المقابلة، فيقال رأيته قبلا أي عياناً وجهاً لوجه، والقِبلة بكسر القاف الجهة والوجهة، والقبيل الجيل والجماعة والأتباع، فالقبيلة الجماعة من الناس التي تنتسب إلى أب أو جد أو الجذر والأصل الواحد(1)، ويأتي لفظ القبيلة على الجماعة من الناس الذين يزيدون عن ثلاثة أشخاص من أقوام شتى، بغض النظر عن علاقة القربى فيما بينهم، فقد يكونوا من نجر واحد وقد يكونوا من أب واحد(2). 
وأما من الناحية الاجتماعية والتاريخية؛ فالقبيلة هي عبارة عن عدة عشائر لا يشترط فيها أن تكون ذات علاقة نسب فيما بينها(3) لكنها على علاقة مصاهرة فيما بينها بكل تأكيد وبينهم صلة أرحام، لكن العشيرة أكثر قرابة فيما بينهم من القبيلة، لأن العشيرة أكثر اتصالاً بالنسب الواحد القريب وهي من أب واحد في الغالب، كما وتعتبر القبيلة في أغلب الأوصاف عبارة عن كتلة متفقة فيما بينها على الولاء وصدق الانتماء متلاحمة بالعصبية الشديدة لنصرة أبنائها على من سواهم، فهي في هذه الحالة قوة عسكرية يحرص أبنائها على تعلم فنون الحرب والقتال والفروسية، بهدف تحقيق طموحاتها في حياة كريمة وهذا هو الأساس الذي تجتمع عليه القبيلة، لذلك فهي أقرب ما يكون لحلف يشترك في أصل واحد(4) وليس بالضرورة أب واحد، بل أبناء عم وأخوة وأشقاء وأخوال وما شابه من درجات القرابة المتعددة، فالقبيلة هي أعلى طبقة مجتمعية أو هي المجتمع الأكبر بالنسبة لأهل البادية فليس فوقها مجتمع آخر(5)، إذا فهي العنصر الأقوى داخل المجتمع المحلي ولها دور بالغ الأهمية في تقدمه وتطوره أو نكوصه وتدهوره. 
(3) اسم القبيلة وفيه عدة أنواع: 
1- اسم حقيقي لأب أو جد تتفرع منه مجموعة من القبائل والبطون، مثل قضاعة وبني عامر وجهينة وما شابه. 
2- قد يكون تسمية القبيلة نسبة إلى شيخها أو زعيمها أو أميرها، الذي هو فرد من أفرادها، مثل عرب الأمير الحارثي. 
3- كما قد يكون اسم صنم كانت تعبده هذه القبيلة في عصر الجاهلية وبقي ملتصقاً بها(6)، مثل سعد العشيرة. 
4- قد تحمل القبيلة اسم أو لقب حرفة يعمل بها معظم أبنائها وأفرادها، مثل الملالحة لعملهم في تجارة الملح. 
5- قد يكون اسم القبيلة اسم وهمي في أصله، أي لا حقيقة لوجوده، كاسم حلف تنوخ والعتق على سبيل المثال، والصلبة وهو اسم وهمي ليس مشتقاً من اسم رجل أو ليس له علاقة بنسب معين. 
6- اسم مشتق من ظاهرة جغرافية(7) أو حادثة تاريخية أو مشتق من صفة معينة سائدة في أغلب أفراد هذه القبيلة، مثل عرب الوادي وعرب الطور أو الطورة والغوارنة نسبة للغور والجبلية نسبة لسكنهم في الجبال، وهكذا. 
7- قد تحمل القبيلة اسماً ادارياً أو جغرافياً، مثل الصعايدة نسب للإقليم الاداري المعروف بصعيد مصر، والغزازوة نسبة لمدينة غزة. 
(4) تطور اسم القبيلة: 
إليك بعض الأمثلة التي تؤدي إلى تعدد اسم القبيلة أو تغيره وتبدله بين الفينة والأخرى. 
- تنسب القبيلة أحياناً إلى أميرها أو مقدمها وشيخها، لذلك فهي تحمل عدة أسماء خلال فترة تاريخها. 
- تنسب القبيلة إلى جد جديد، نتيجة التطور والنمو السكاني الطبيعي. 
- تتبدل أسماء القبائل كل قرن أو قرنيين تقريباً. 
- قد تستبدل القبيلة أسمها باسم بلدتها، فيصبح اسم البلد الذي تعيش فيه طاغياً على نسبها، مثل القطاطوة نسبة إلى بلدة قطية. 
- قد تحمل القبيلة اسم حلف من أحلاف العرب، نتيجة انضمامها إليه. 
- قد تحمل القبيلة اسم أمها وليس أبيها، مثل بني خندف وبني عاملة فهي أسماء الأمهات التي تغلبت على اسماء الآباء، مع الاحتفاظ بكلا التسميتين معا. 
وليس هذا هو كل شيء، بل هناك ما لم نأتي على ذكره، لأن تطور وتغير أسماء القبائل لم يعرف قاعدة ولم يلتزم بمبدأ، وقد وجدنا أشقاء من أب وأم ولكن كل واحد منهم يحمل تسمية مختلفة تماماً لعائلته، وكأنهما لا قرابة بينهما على الإطلاق، فما بالك حينما تبتعد صلة القرابة متعدية الجد الخامس. 
(5) مفهوم القرابة في القبيلة: 
لم يكن اسم القبيلة وحده كافياً لإثبات صلة القرابة، بل هناك مفهوم عملي تطبيقي لهذه القرابة، قائمة على أساس صدق الانتماء للقبيلة والمشاركة الفاعلة في الدفاع عنها، فمثلاً لا يعتبر الفرد قريبك إن لم يهتم بأمرك، ويقف معك وقت الشدة والضيق، فالواجب عليه أن يعبر عن صلة القرابة من خلال وقوفه إلى جانب أي فرد من أفراد القبيلة يمر بمشكلة وضيق، حتى يتم تبادل نفس الشعور والمشاركة والعون، فمن يتخلى عن هذه صفات النخوة والمروءة والشهامة والكرم والعون والنجدة، فإن القبيلة تطرده وتنظر إليه بازدراء ودونية، ولا تجلسه في مجالس رجالها وفرسانها. 
وينطبق هذا الكلام على أي عشيرة من عشائر القبيلة ومكوناتها، إن عدم مشاركتها في الحرب التي تعلنها القبيلة، يعني ذلك فوراً خروجها من النسيج الاجتماعي للقبيلة وإلى الأبد، لأن للقبيلة نظام صارم لا يستهان به، مبني على أساس العصبية لكل مكوناتها الثقافية والتراثية والتاريخية والاجتماعية والإنسانية والجغرافية والاقتصادية والعسكرية. 
ويضم مفهوم القرابة لدى القبيلة، كل من ينتمي لها سواء كان من أحد فروعها الرئيسية أو من أنسابها وأصهارها أو ممن أعلن انضمامه لها ودخوله فيها، فالجميع هنا ضمن مفهوم القرابة التي تقضي من القبيلة حمياتهم والدفاع عنهم، طالما كان الجميع جنوداً طائعين مخلصين لخدمتها ورفعة شأنها. 
المراجع 
(1) المعجم الوسيط، ص713
(2) القاموس المحيط، ص1284
(3) سيناء الموقع والتاريخ، عبده مباشر وإسلام توفيق، ص14
(4) دور القبائل العربية في مصر، د. ممدوح الريطي، ص219
(5) مدينة يثرب قبل الإسلام، د. ياسين غضبان، ص158
(6) مدينة يثرب قبل الإسلام، د. ياسين غضبان، ص154
(7) مبدأ تسمية المعالم الجغرافية، إبراهيم الرقطي، ص37
              

بقلم/ المؤرخ

Abu Ismail al-Hilali

التاريخ بيت قديم، الأجداد يتهامسون فيه عن إرث مجيد والأحفاد يستمعون ويصغون لفهم الحياة

إرسال تعليق

{مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ }ق18

أحدث أقدم