شرح عوامل الانصهار بين القبائل

وهي عوامل تؤثر في انصهار القبائل بشكل عام، وسوف نتناول الموضوع مع ضرب الأمثلة، ونشرح كيف أثرت هذه العوامل على قبيلة بني عامر طيلة فترة تاريخها، وأين انتهى بها المطاف بعد كل هذه الرحلات.
وتعتبر عوامل الانصهار من أخطر وأصعب العوائق التي من المحال اجتيازها من قبل أي باحث وعالم بالأنساب بالطرق التقليدية المتبعة، حيث أخذت في الآونة الأخيرة، ظاهرة أبحاث النسب وفق نتائج تحليل الحمض النووي على مستوى الأمة العربية، تكشف النقاب عن عمق هذا الانصهار والذوبان الذي أدى إلى تكوين عدد كبير من القبائل العربية في صورتها الأخيرة، وهنا دعونا نسلط الضوء على هذه العوامل، بقدر ما نستطع:
1- التحالف بين الأقوياء على أساس رابطة النسب، مثل تحالف جذام وطيء وقضاعة ولخم على أساس سبأ وقحطان وحمير، وتحالف بين الأقوياء على أساس الاتجاه السياسي كتحالف يمن وقيس في الدولة الأموية مناصرة لمعاوية بن أبي سفيان، ومثله لمناصرة علي بن أبي طالب رضي الله عنهما، فكان الحزب اليمني أو القحطاني يضم في الأغلب قبائل قحطانية لكنه أيضاً يضم قبائل قيسية لوحظ بأنها ترتبط معهم بروابط اجتماعية مثل المصاهرة والخؤولة، وكذلك الحال نفسه في الحزب القيسي، فقد كانت قضاعة تنقسم إلى قسمين قسم في الشام وأغلبه تحزب لليمنية واصطف مع مروان بن الحكم لمبايعته بالخلافة، وقسم في مصر واصطف إلى جانب القيسية مع عبد الله بن الزبير[1]، والتقى الجمعان في مرج راهط وكانت الغلبة للجموع اليمنية.
2- تحالف الضعيف مع القوي على أساس الإجارة من عدوان أو ظلم، ومثل هذه التحالفات كثيرة منها المشهور ومنها ما لا يعرف عنه شيئاً، مثل تحالف بني يربوع مع بني عذرة، بسبب عدوان وظلم الأقارب الذي مس ببني يربوع، مما دفعها بالاستنجاد ببني عذرة.
3- تحالف الضعيف (العدد القليل) مع الضعيف على أساس تشكيل قوة رادعة و حماية كافية، مثل تحالفات العائلات والأسر الصغيرة لمواجهة القبائل الكبيرة، ومثل هذه التحالفات تحدث في القرى والأديرة، حيث يعقد سكان عدد معين من القرى المتجاورة حلفاً لصد هجمات الغزاة.
4- تحالف المصاهرة على أساس رابط الخؤولة، كلحف تميم وبني كلب، حيث كان َعوْف ابن كعب بن سعد بن زيد مَناة بن تميم، وكانت أُمه قُضاعيَّة، من نَهد وعقد حلفاً مع بنو كنانة بن عوف الكلبية[2]، واستمر هذا التحالف في الإسلام، ومناصرة الأوس والخزرج للنبي محمد صلى الله عليه وسلم بسبب الخؤولة، وقد قال الهمذاني إن العرب اختلطوا بالصهورية فالقحطانية أبناء لاسماعيل بالأمهات، والنزارية أبناء لقحطان بهن[3]، وكذا قال زكريا في عشائر الشام بأن التزواج والمصاهرة[4] بين القبائل العربية من عوامل التحالف والعصبية القبيلة، وكتحالف بني عامر بن عوف القضاعي مع بني عامر بن صعصعة القيسي، لأنهما أخوة من جهة الأم، وأخوالهم من بني عدوان.
 5- تحالف العصبية: وهي تحالفات متعددة ومتنوعة سرعان ما تنشأ وتتشكل تحت تأثير العصبية أثناء النزاعات والصراعات والاقتتال والخلافات التي تظهر هنا وهناك بين القبائل والأفراد، ومن أمثلة ذلك تحالف عسكر الفاطميين مع حلف قريش على أساس العصبية، ضد حلف جهينة وبلي وطردهم من بلاد الصعيد الأدنى إلى بلاد الصعيد الأعلى[5]، والتحالفات الشهيرة على أساس قيس ويمن والتي طالت الحروب بينهم على أتفه الأسباب، كفتنة قيس ويمن بسبب بطيخة قطفها رجل في بلاد الشام واستمرت الحرب نحو سنتين فني فيها خلق كثير من الطرفين[6]، وهناك تحالفات تستمر وأخرى تنقطع وكلها تتأثر بعوامل مختلفة يطول الحديث عنها.
6- تحالف سياسي أو اقتصادي لتحقيق أهداف مشتركة، كتحالف عاتية بن النمر بن وبرة القضاعية وبني سليم بن منصور العدنانية[7] وبني عامر بن عوف، حيث قادت قبائل بني سليم وبني هلال ومن حالفهم من العرب، الثورة والاضطرابات ضد الدولة العبيدية، متضامنين مع القرامطة، لأسباب اقتصادية ونزعة تمردية على الانقياد للدولة العباسية، ولعبت هذه القبائل دوراً بارزاً في بلاد الشام إلى جنب القرامطة في قتالهم للدولة العبيدية[8]، وفي هذه الفترة توجهت قبائل بني هلال بن عامر بن صعصعة وبني سليم بن منصور وبني خفاجة وعامر بن عوف وعاتية بن النمر وجموع غفيرة من فرسان العرب من شامها وصعيدها إلى بلاد افريقيا، ويقدر عدد هؤلاء الجيوش بأربعمائة ألف[9]، ويذكر بعض المؤرخين بأن العدد وصل إلى مليون نسمة، واجتاحت هذه الجموع بلاد المغرب، والتي اشتهرت في الأدب الشعبي بتغريبة بني هلال، وهي قبائل كثيرة من مضر و قحطان[10]، ولهذه الأحداث التاريخية أثر واضح في روايات قبيلة بني عامر في فلسطين ومصر.
7- التحالف الديني و المذهبي، مثل تحالف السنة، وتحالف الشيعة، وتحالف الأحزاب والحركات المذهبية، التي تنشأ على أساس اختلاف ما في المذهب والدين والعقيدة، فيلتقي كل من يأخذ بفكرة أو مذهب مجتمعين مع بعضهم ليكونوا حلفاً على من يخالفهم، ومن أمثلة ذلك تحالف الفرنجة من إنجلترا وألمانيا وفرنسا مجتمعين في جيش واحد قام بغزو بلادنا، وكتحالف اليهود ضد المسلمين في فترات تاريخية مختلفة من التاريخ، وينطبق هذا القول على قبائل العرب فقد كانت القبائل تتجمع مناصرة لمذهب معين أو دعماً لصاحب فكر ينتمي لها، كالقبائل التي انضمت للقرامطة مؤمنة بفكرهم، والكلابية، والمعتزلة، والخوارج، والموسوية، واليزيدية، والوهابية، وغيرهم من الملل[11] ومثل هذه التحالفات ما هو خطير للغاية، لكونه ترك أثراً واضحاً في تشرذم الأمة، فما بالك بتشرذم نسيج القبيلة الواحدة.
8- تحالف التقاء المصالح:
وهو تحالف خادع، لأنه يعقد بين طرفين لكل منهم مصلحة خاصة، إن انقضت مصلحة أحدهم سقط التحالف فوراً، ومثل ذلك تحالف القرامطة مع عرب الشام بقيادة أمير الرملة حسان بن مفرج الطائي، ضد المعز الفاطمي، فحين حقق أمير العربان حسان بن مفرج هدفه سراً بالاتفاق مع المعز الفاطمي، غدر بالقرامطة مدعياً انهزامه في ساحة القتال، وترك للمعز الاجهاز على قوات القرمطي[12] فهزمهم، وقياساً على هذا النمط من التحالفات جرت تحالفات مشابهة بين قبائل العرب منها ما هو قديم ومنها ما هو حديث نسبياً.
مراجع الموضوع
[1] ( القبائل اليمنية في مصر، ص101)
[2] ( الإيناس في علم الأنساب، المغربي، ص40)
[3] ( كنز الأنساب ومجمع الآداب، حمد الحقيل، 1391هـ ، ج1، ص35)
[4] ( عشائر الشام، وصفي زكريا، ص138)
[5] ( دور القبائل العربية في صعيد مصر، د. محمود الريطي، ط1، مكتبة مدبولي، ص219)
[6] ( خطط الشام، محمد كرد علي، ط3، 1983م، ج1، ص153)
[7] ( الإنباه على قبائل الرواة، ابن عبد البر، ج2، ص70)
[8] ( الدولة الفاطمية، علي الصلابي،ط1، 2006م، ص99)
[9] ( الدولة الفاطمية، المرجع السابق،ص100)
[10] ( الدولة الفاطمية، مرجع سابق، ص101)
[11] ( الملل والنحل ، عبدالله بن صالح البراك، الرياض)
[12] ( البداية والنهاية، ابن كثير، ج2، ص1756)

              

بقلم/ المؤرخ

Abu Ismail al-Hilali

التاريخ بيت قديم، الأجداد يتهامسون فيه عن إرث مجيد والأحفاد يستمعون ويصغون لفهم الحياة

إرسال تعليق

{مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ }ق18

أحدث أقدم