لصوص الأبحاث، والحكم في ذلك.

لقد امتلأت الصفحات الالكترونية، بالأبحاث المنسوخة والمنقولة، وكثرت الشخصيات المقلدة للباحثين، مثلما يحدث في صفحات الفيسبوك، فهناك أشخاص لم ينهوا أي دراسة جامعية ولم يجتازوا سوى مرحلة تعليمية واحدة، لكن صفحاتهم تمتلئ بالحكم والمقولات الشهيرة التي تحظى بعدد ضخم من الإعجابات، وهم لم يعرفوا قراءتها ولا فهمها، كل ما فعلوه نسخ ولصق، وعلى هذه الشاكلة يفعل بعض الناس، وهناك كثير من الأشخاص الباحثين العظماء الذين وصلوا إلى قمة العلم، لكنهم كانوا على سبيل المثال لا يكتبون بأسمائهم الرسمية، أي أنهم يكتبون بأسماء مستعارة لأسباب متعددة، فجاء اللصوص والمتطفلين، ليسرقوها ويكتبوها وينشروها هنا وهناك، فظن غيرهم بأنهم هم من نسجها وصاغ مفرادها، ليقدموا لهم الشكر والتقدير، على جهودكم الكبيرة، والواقع أنهم لا يعرفون أبداً كيف هي الأسس التي استخدمت لبناء تلك المعلومات أو المدة التي قضاها الباحث للوصول إلى تلك الاستنتاجات ولم يشعروا أبداً بالتعب والجهد الذي بذله الباحث في سبيل ذلك، وهذه هي نقاط ضعفهم وكشفهم.
لكن هناك كثير من الناس أيضاً، يقومون بنقل المعلومات للاستفادة والنشر على أوسع نطاق، لكنهم يحفظون حقوق الآخرين ويشيرون لذلك في كتاباتهم وموضوعاتهم، بأن هذه المعلومة مصدرها كتاب كذا والمؤلف كذا ورقم الصفحة كذا، وقال فلان بأنه استنتج من ذلك كذا وكذا ويضع النص في علامتين تنصيص "..." هكذا، وهذا يشكر على سلوكه واحترامه للآخرين.
أما العالم والخبير المتمكن من علمه وقدراته وكفاءته فهو يستطيع بكل سهولة أن يكشف هؤلاء اللصوص، من خلال توجيه أسئلة محددة وبسيطة، وفي بعض الأحيان تظهر ملامح دالة على موضوعية وصدق وصحة الباحث ومعلوماته من الوهلة الأولى.
ونحن عانينا كثيراً من لصوص الأبحاث، وللأسف بعضهم من أصدقاؤنا في الشبكة العنكبوتية، وبعضهم لا نعرفه، فالبعض أضر بنا وبنفسه، لأن هناك أبحاث أولية تم نشرها، وتبين فيما بعد وجود التباس في معلومة هنا أو هناك، فقمنا بسحب أو تعديل ما نشرناه نحن، وبقي ما نشره هو حتى الآن، فالخطأ وارد فنحن بشر قد نخطئ وقد نصيب، ولذلك هناك استدراكات تحدث نتيجة ظهور معلومات جديدة، فالعلوم الإنسانية والتاريخية علوم واسعة جداً، ففيها ما يتم الكشف عنه حديثاً، وفيها بعض المعلومات المخفية، وفيها بعض المعلومات التي تمنع من النشر، لكن أحياناً تأتي ظروف مواتية للافصاح عنها، بمعنى التطورات مستمرة والتحديثات قائمة.
ولقد تعدت سرقات الأبحاث كل الحواجز، إلى أن وصلت إلى درجة الكارثة الحقيقة، والتي لا يمكن السكوت عليها، وخصوصاً إذا قادت هذه السرقات الشخص إلى مكان المسؤولية، فسيكون عمله في هذا المكان كارثة تنجب كوارث أخرى، مثلما حدث في بعض الجامعات والمؤؤسسات التعليمية.
ومن الطرق السيئة في ذلك، قيام بعض الباحثين بتكليف أشخاص آخرين نيابة عنهم، للقيام ببحث معين لهم، فيستلموه جاهزاً نظير مبلغ من المال، ثم يأخذوا وقتهم الكافي في دراسته وقراءته ثم يقدموه للجهة التعليمية للحصول على الدرجة أو الجائزة، فيحصلون على شهرة مزيفة، لكن صاحب هذه المادة مخفياً، تلقى مبلغ من المال وذهب إلى حال سبيله. وهنا الكوارث التي ستخرج لنا أجيال جاهلة.

أما الحكم الشرعي لكل من يسرق أبحاث الآخرين وينبسها لنفسه فهو محرم :

1- بسبب أن فيه غش وخداع، فهذا محرم شرعاً، لقول النبي صلى الله عليه وسلم من غشنا فليس منا 
2- وبسبب أن فيه خيانة للأمانة العلمية ففيه نفاق وهذا محرم شرعاً لقول الله عز وجل :
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ }الأنفال آية 27
3-وبسبب وجود صورة لانتحال شخص ما، قولا، أو فعلاً أو اسماً أو ما إلى ذلك ففيه تضليل وكذب وافتراء وتزييف وعمل خبيث
وهذا محرم شرعاً: لقول النبي صلى الله عليه وسلم " إن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذاباً . متفق عليه
ولقوله تعالى : { وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ } الأعراف :157
وفيها غيبة وهي حرام شرعاً لقوله تعالى:
{ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ }الحجرات:12


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فالسرقة العلمية بمعناها المتعارف عليه ليست مخلة بالآداب فحسب، بل إنها لا تجوز شرعا، لاشتمالها على محظورين:

الأول: الاعتداء على الحقوق المادية والمعنوية للغير، فإن حقوق التأليف والاختراع أو الابتكار مصونة شرعا، ولأصحابها حق التصرف فيها، ولا يجوز الاعتداء عليها، كما قرر مجمع الفقه الإسلامي في دورة مؤتمره الخامس 1409هـ - 1988م. وقد سبق تفصيل ذلك بأدلته في الفتوى رقم: 6080.

الثاني: الغش والتدليس، وقد قال صلى الله عليه وسلم: من غشنا فليس منا. وقال أيضا صلى الله عليه وسلم: المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور. رواهما مسلم. وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 15801. وراجع لمزيد الفائدة الفتوى رقم: 9797.

والله أعلم.

              

بقلم/ المؤرخ

Abu Ismail al-Hilali

التاريخ بيت قديم، الأجداد يتهامسون فيه عن إرث مجيد والأحفاد يستمعون ويصغون لفهم الحياة

إرسال تعليق

{مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ }ق18

أحدث أقدم