الفرق بين البدو والأعراب

كثر الخلط والتضارب بين مفهوم البدو ومفهوم الأعراب والعرب، والحقيقة الواضحة أن هناك فرق بينهما كبير، نوضحه فيما يلي، من خلال مناقشة الآراء التي وردت في العديد من الكتب والمقالات، وأي منهم هو المفهوم الأصح:

1- البدو هم أولئك السكان الذين يقطنون في الصحراء وهوامشها، يقطنون في بيوت الشعر، ويعتمدون على تربية الإبل أكثر من غيرها، وتتميز حياتهم بالتنقل والترحال فمثلا المكان الذي يصيفون فيه لا يشتون فيه، والبدو هذا هو اسمهم وليس أعراب، وسبحان الله جل شأنه في علاه وهو عالم الغيب، الذي حرم الظلم على نفسه وجعله بين عباده محرما، فالبدو وردت في القرآن الكريم في سورة يوسف، ولم يسميهم الله أعراباً، اذا الله سبحانه وتعالى فرق بين معنى البدو وبين الأعراب في القرآن الكريم فجعل لكل منهم مسمى خاص..
2- الأعراب هم السكان الذين انتقلوا من البادية (البدو) إلى أطراف المدن، وقد تركوا حياة البادية، وبدأوا بالاستقرار، ويعتمدون على تربية الأغنام وأنشطة زراعية وتجارية. وفي هذا المصطلح "الاعراب" شيء يدل على أنهم اقتربوا من حياة العرب ولذا فهو مصطلح يشمل كل من اقترب لحياة العرب في قراهم ومدنهم أو تجمعاتهم السكنية، فصار أعرابي، فقد يكون أصلهم عرب أو عجم وتحلوا لحياة الأعراب..
3- الأعراب هم العرب الحضر والبدو على السواء، قد يكون المراد باسم الأعراب هو العرب ككل، لأنه بالبحث في القرآن الكريم، لم نعثر على كلمة عرب للدالة على سكان أو قوم، وإنما وردت كلمة عربي للدلالة على "اللسان" أي اللغة، وهذا هو أفضل الأراء جميعا، لأن كلمة الأعراب هنا كلمة عامة مقصود بها كل سكان المدينة "يثرب" وما حولها، وبذلك يكون هذا التعريف أكثر عدالة من غيره، لأن الأعراب جميعا منهم أشد كفرا مثل أبو لهب وأبو جهل، ومنهم من هم أهل نفاق ومنهم كثيرون صدقوا ما عاهدوا الله عليه.. نفس الشيء عند الفبيلة الواحدة فتجد فيهم القنوع والطماع والمؤمن والمسلم والكريم والبخيل وهكذا طباع الناس وأساليبهم متنوعة..
ذكر الفراهيدي صاحب أول معجم عربي في التاريخ، توفي الفراهيدي سنة 197هـ : قال المادَّةُ: أَعرابُ الإِسلام، وأصل العرب وهم الذين نَزَلوا البَوادي، وأعرب الرجل: أفصح القول والكلام، وهو عربانيّ اللسان، أي: فصيح.
ولم يذكر الفراهيدي أن معنى الأعراب هم البدو، وإنما الأعراب هم العرب جميعاً، وقسم العرب إلى قسمين قسم في البادية وقسم في الحضر، وقال أصل العرب هم الذين نزلوا البوادي..
وهذا هو أقصر وأوضح التعاريف والمفاهيم، للتمييز بين البدو والأعراب، وقد كان الأعراب في أيام النبي صلى الله عليه وسلم وفق هذا التعريف، هم الذين يقطنون حول مكة والمدينة، ولهم بعض الواحات شبه مستقرين بها، وأما البدو الذين كانوا في نفس الفترة فقد كانوا يبعدون عن مكة والمدينة، وهم في الغالب في أطراف الصحاري وأوضح صور لهم أطراف الجزيرة العربية، والهضاب.
وقد وضح الله في كتابه العزيز، الفرق بين الأعراب والبدو، في قوله:

1- {وَجَاء بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ }يوسف100
2-  {وَجَاء الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }التوبة90
هذا بيان وتوضيح كاف، للتمييز بين البدو والأعراب، فأما الصفات والمميزات والخصائص الذي تفرق بينهم فهي كثيرة، ومنها:
1- البدو الأقحاح هم أهل إبل ويقال لهم أحياناً الأبالة، وهم متنقلون في الفيافي والصحاري، وقد اشتهروا بالكرم والسخاء والجود والوفاء وإغاثة الملهوف، ونجدة الضعيف، ولم يعرفوا عبادة الأوثان ولا الأصنام.
2- الأعراب وهم الذين تخلوا عن النمط البدوي، وبدأوا الاستقرار وتركوا قيم وعادات البادية، وظهرت فيهم عادات وتقاليد جديدة بفضل التغير الاجتماعي الذي طرأ عليهم، فهم مستقرون أو شبه مستقرون، أخذوا يمارسون التجارة مع المدن وبين المدن، وأخذوا يحترفون تربية الأغنام في حظائر خاصة، وبدأوا يمارسون الزراعة، فظهر فيهم البخل بدل الكرم، والجبن بدل الشجاعة، والغدر بدل الوفاء، حتى أن الكراهية دخلت بينهم وبين البدو، فأصبح البدو ينظرون لهم نظرة دونية لأنهم تخلوا عن باديتهم، فهؤلاء هم الأعراب المقصودين في قوله تعالى: {الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُواْ حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }التوبة97 وهم الذين كانوا حول المدينة تحديدا وأما مكة فأشهر من كان بها قريش وبطونها.
وربما تعتبر مرحلة الأعراب مرحلة اجتماعية تقع بين البدو وبين القروويين، فهم لم يستمروا على بداوتهم، ولا هم أصبحوا قرويين، لأن القروي هو الذي استقر فعلا وأصبح صاحب مال وأرض ومزارع وحرف تتغير عاداته وتقاليده ويتطور مجتمعه، فيصبح خيَّراً متبرعاً لوفرة الخير عنده، فالقروي هنا يشبه البدو في كرمه وسخائه، فأما الأعرابي فقد ترك الاولى وولم يصل للثانية بعد.وهذا رأي مستبعد صراحة..
وأما المدني فقد استقر به الحال أكثر من غيره، وازداد ماله نمواً فأصبح قادراً على الاستثمار والتأثير في القرار، وانتقل لممارسة أنشطة المدينة من التجارة الواسعة كمستورد أو مُصَدّر، أو صانع أو حرفي فنان، وما إلى ذلك.
وخلاصة القول أن الكلمات واضحة جداً: فكلمة الأعراب تعني العرب كلهم لا يميز بين عربي وآخر.. وليس معنى الأعراب هم البدو أبداً..
 فهناك بادية وهم أهل الصحاري البعيدة طبعا عن حياة الاستقرار، وهي بطبيعة الحال من بداية الحياة (بدو) فهي مرحلة من مراحل تكون الحضارة البشرية، مثل اليوم وعلى الرغم من تحول معظم سكان البادية إلى الاستقرار إلا أنهم ما زالوا محتفظين في تراثهم وفخورين بأنهم كانوا من القبائل البدوية ومن سكان البوادي، لما تتميز به حياة البادية من حرية كبيرة وواسعة الأرجاء، وهناك مراحل أخرى للحياة البشرية مثل البادية كما قلنا، والبدو نصف الرحل، أي أن وجودهم في مناطق البادية شبه مستقر في معظم الأوقات، وهناك البدو المستقرين وفي هذه الحالة يتطور نمط معيشتهم حيث يتجهون لبناء البيوت ويمارسون فلاحة الأرض وتصبح في المفهوم الجغرافي والاجتماعي "قرية" تبدأ بالتطور إلى أن تزداد عمرانا وسكانا فتكون نواة لتشكل مدينة وفي هذه الحالة تنقرض رويدا رويدا الأنماط القروية وتظهر فيها الانماط الحضرية أو المدنية كالتجارة والصناعة والخدمات والمصارف والبنوك والمؤسسات ..الخ..
اذا فهي مراحل عمرانية اجتماعية متغيرة وفق تطور الحياة البشرية بشكل عام..

              

بقلم/ المؤرخ

Abu Ismail al-Hilali

التاريخ بيت قديم، الأجداد يتهامسون فيه عن إرث مجيد والأحفاد يستمعون ويصغون لفهم الحياة

2 تعليقات

{مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ }ق18

  1. الاعراب هم من يتكلم العربيه وليس عربي
    والبدو عرب رحّل في الباديه

    ردحذف
  2. هناك فرق بين الاعراب و البدو في القران وكذلك في جميع التفاسير كلها توكد ان البدو غير الاعراب .. فارجو منكم تصحيح هذا الخطاء في الترجمة .. الاعراب شيء والبدو شيء اخر و هم العرب سكان الصحراء ينسبون الي القبيلة و يسكنون القري وحول المدن بينما الاعراب لا قبيلة لهم وهم فقط يخالطون البدو حول المدن و الصحراء.

    ردحذف
أحدث أقدم