الإسلام لم يحارب الأديان

ظهر الدين الإسلامي في شبه الجزيرة العربية، وكان فيها قبل ذلك الحنفاء الذين كانوا على دين إبراهيم عليه السلام بالوراثة الثقافية، أي انتقلت إلي الناس عن طريق الموروث الثقافي من جيل إلى جيل، أسوة بانتقال معظم القصص والحكايات التاريخية للعرب، فكلها انتقلت من جيل إلى جيل، وحملتها الذاكرة العربية، ومنها انتقلت بواسطة الكتاب والنساخ والرحالة إلى الكتب المخطوطة، حتى أن القرآن الكريم كان قبل نسخه يحفظ في ذاكرة وأذهان الحفاظ من الصحابة.
فحينما ظهر الإسلام كان قبله الحنفاء واليهود والنصارى، ولم يأت الدين الإسلامي إلا تصحيحاً وتعديلاً للديانات السابقة بسبب ما أصابها من خلل في العقيدة، فاليهود ادعوا أن عزرا ابن الله، وادعت النصارى أن عيسى ابن الله، وكان أهل هاتين الديانتين قد كفروا بفعلهم هذا، لكن الدين الإسلامي عندما ظهر في وسط الجزيرة العربية على يد رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم، وجه الدعوة والجهاد ضد العرب الذين كانوا يعبدون الأصنام والاوثان، وترك أهل الديانات السماوية على حالها، فترك كنائسهم وكنسهم وتركهم في عبادتهم، واعتبرهم أهل كتاب أي أنهم أهل ديانة سماوية فاليهود كتابهم التوارة، والنصارى كتابهم الإنجيل، والإسلام كتابهم القرآن الكريم، ولقد قص لنا القرآن من قصصهم وذكر أسماء أنبيائهم ورسلهم وكتبهم، وقال الله سبحانه وتعالى :
﴿ الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ ﴾ [المائدة:5]
أجاز أكثر العلماء أن ذبائحكم حل لكم، لكن المشكلة أن هؤلاء الذين ذكر اسمهم في القرآن الكريم على أنهم أهل كتاب قد لا تجدهم أحياناً، الإنسان حينما يكفر بالله عز وجل وبكتابه وبنبيه، وينكر وجود الله أصلاً، ولا يتقيد بشيء، هذا ليس من أهل الكتاب، تماماً كما لو أطلعك واحد على أنه مسلم في الهوية وهو ينكر وجود الله عز وجل ولا يصلي ولا يصوم ولا يعبأ بما حرمه الله، هل يعد هذا مسلماً؟ لا والله[1]
في الحقيقة، إن من قال لا إله إلا الله، وأقر بوحدانية الله، وأن الله أحد، وآمن بأن الله هو الخالق لهذا الكون، فهذا ليس مشرك، فكثير من أهل الديانات السماوية يقرون بذلك ويعترفون به ويؤمنون به، لكنهم لا يؤمنون بأن محمداً رسول الله، ولذلك فهم كفار أي كفروا بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم، فمن كان على هذه الحالة فهو كافر وليس مشرك، ومن كان يؤمن بوجود الله ولكنه يشرك مع الله إله آخر، كمن ادعى أن لله ابن - والعياذ بالله - فهذا مشرك وحاله كحال من عبد الأصنام والأوثان، لأن الذين عبدوا هذه الأشياء كانوا يعتقدون بأن هذه الآلهة واسطة بينهم وبين الله.
ومن هنا فالذين آمنوا بالديانة اليهودية وآمنوا بسيدنا موسى عليه السلام وماتوا على ذلك قبل أن يغيروا ويزيفوا كتابهم وعقيدتهم، فهم من أهل الجنة والله أعلم، وكذلك هو الحال لأهل الديانة المسيحية، فلما جاء الإسلام وفتح المواضع والمواقع والقرى كان جل اهتمامه بالمجتمع العربي الجاهلي الذين بلغوا مبلغاً عظيماً من الشرك في عبادتهم للأصنام والأوثان والسحر والزنا والربا وقتل النفس التي حرم الله وعاثوا فساداً عظيماً في المجتمع العربي وأشعلوا أهله في نار الحروب التي لم تنطفئ، فوجه الرسول صلى الله عليه وسلم جل دعوته إليهم ليثنيهم عما هم فيه من ضلال مبين، وحتى إذا آمن أحدهم بأن الله وحده لا شريك له عصم دمه، وهذه هي النصف الأول من الركن الإسلامي الأول ركن الشهادتين: شهادة أن لا له إلا الله وشهادة أن محمداً عبده ورسوله، فمن قالها دخل الإسلام وخرج من الشرك، وبقي عليه أن يقيم الأركان الأخرى ويؤمن بأركان الإيمان ليحسن إسلامه ويقوى إيمانه.
وبهذا فإن الإسلام لم يحارب أهل الأديان السماوية، لأنهم كانوا أقرب للإسلام من المشركين عبدة الاوثان والأصنام، وقد دخل منهم أناس كثر في الدين الإسلامي بمحض إرادتهم وبسبب قناعتهم وعقلانيتهم، وكان دخولهم في الدين الإسلامي يتم على فترات وفي عدة مراحل على طول التاريخ الإسلامي منذ ظهور الديانة الإسلامية وحتى الخلافة العثمانية، ولايزال من يدخل الإسلام منهم حتى الآن.
كما أن الدين الإسلامي فرض على أهل الكتاب دفع الجزية وهي مقدار من المال يؤخذ من أهل الذمة من الرجال القادرين على القتال، ولا تؤخذ من الأطفال والنساء والعبيد والمجانين والشيخ الهرم، وهي تهدف إلى تقوية الجيش للدفاع عن الأرض والناس، ولم تكن الجزية تعنى إكراههم في الإسلام، فإنه لا اكراه في الدين، وهذا دليل قوي على أن الإسلام لم يأتي لمحاربة أهل الديانات السماوية، وإنما جاء مجددا لوحدانية الله بأنه أحد لا شريك له رب العالمين.
كما أن الإسلام دين أخلاق، ولما كان كذلك فإن أكثر الناس فسوقاً ولا أخلاق لهم هم المشركين من عبدة الأصنام والاوثان والذي كانت الفحشاء والمنكر والبغي والزندقة والسحر وقتل النفس مستشرية فيهم، فكانوا عقبة كبيرة في بناء مجتمع صالح، فأما أهل الديانة اليهودية والنصرانية فكانت لديهم أخلاق جيدة مشتقة من عقيدهم حيث أنهم يهتمون ببناء الأسرة بواسطة الزواج ويمنعون الزنى ويحرمون القتل هذا في حقيقة عقيدتهم ودينهم فهم يفهمون ويميزون بين السلوك الإيجابي والمقبول في المجتمع وبين السلوك السلبي المنبوذ والمرفوض، ولذلك فإن اليهودي الذي كان يجاور النبي صلى الله عليه وسلم، حينما رأى أخلاق النبي وحسن معاملته لجاره وتسامحه آمن وصدق بأن هذا من أخلاق نبي..
وقد عاش المسلمين واليهود والنصارى على طول التاريخ الإسلامي في أحياء مشتركة،  وكانوا يعيشون جميعاً في تسامح تام وكان كل يوم من أيام حياتهم يتعرف المسلم على صديق جديد يهودي أو نصراني فيصاحبه فيؤمن الآخر بالدين الإسلامي من خلال المعاشرة وحسن الأخلاق والأمانة والأدب، حتى أن كثير من الحكام المسلمين قد عينوا نصارى ويهود في بعض الوظائف في حكوماتهم والأمثلة على ذلك موجودة في كتب التاريخ، ومن هنا فإن امكانية التعايش بين أهل الديانات معروفة وثابتة في التاريخ.
ولذلك فليس هناك صراع بين أديان، ولكن هناك صراع بين أملاك وممتلكات وهذه هي الحقيقة.
فالصراع بين العرب واليهود في فلسطين، سببه احتلال الأرض وسرقة الأملاك والممتلكات، وهذا سبب كاف ومبرر في جميع قوانين العالم وجميع الشعائر الدينية، والدين الإسلامي يحلل جهاد وقتال من يطرد الناس من بيوتهم ويسرق أملاكهم ويقتلهم ويعذبهم حتى يعود الحق لأهله، فلا يعارض الإسلام أيضاً على الصلح والسلام فهو خير من الحرب والقتال.
 الإسلام دين الأخلاق الحميدة، دعا إليها، وحرص على تربية نفوس المسلمين عليها. وقد مدح الله - تعالى - نبيه، فقال: {وإنك لعلى خلق عظيم}. [القلم: 4]. وجعل الله - سبحانه - الأخلاق الفاضلة سببًا للوصول إلى درجات الجنة العالية، يقول الله - تعالى -: {وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين. الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين} [آل عمران: 133-134]. وأمرنا الله بمحاسن الأخلاق، فقال تعالى: {ادفع بالتي هي أحسن فإذا بالذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم} [فصلت: 34]. وحثنا النبي (صلى الله عليه وسلم) على التحلي بمكارم الأخلاق، فقال: (اتق الله حيثما كنتَ، وأتبع السيئةَ الحسنةَ تَمْحُها، وخالقِ الناسَ بخُلُق حَسَن) [الترمذي]. فعلى المسلم أن يتجمل بحسن الأخلاق، وأن يكون قدوته في ذلك رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الذي كان أحسن الناس خلقًا، وكان خلقه القرآن، وبحسن الخلق يبلغ المسلم أعلى الدرجات، وأرفع المنازل، ويكتسب محبة الله ورسوله والمؤمنين، ويفوز برضا الله - سبحانه - وبدخول الجنة[2].
وفيما يلي فتوى شرعية من مركز إسلام ويب
مركز الفتوى - رقم الفتوى 116950- [3]

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فاليهود وغير اليهود من أهل الكفر، منهم المحارب ومنهم غير المحارب، ولكل واحد منهما في الشرع ما يناسبه من الأحوال والأحكام، والأصل في ذلك قوله تعالى: لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ* إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ {الممتحنة:8-9}، وعليه، فإنه لا حرج في البر والإحسان إلى الكافر غير المحارب، والتصدق عليه وإسداء أنواع المعروف إليه، دون موالاة ومحبة له بالقلب، فهذا إنما يكون لله ورسوله والذين آمنوا وحسب، وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 59983، كما سبق بيان هدي الشرع في معاملة غير المسلمين وضوابط العلاقة بين المسلم وغيره، وذلك في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 19652، 47321، 9896.

والصراع الذي ذكره السائل الكريم، سواء كان في صورة حرب أو فكر أو أي نوع من أنواع العداوة، ينبغي أن يكون مبنياً على عقيدة، فالمسلم إن قاتل فإنه يقاتل في سبيل الله؛ لتكون كلمة الله هي العليا، وإن عادى فإنه يعادي أيضاً في الله، كما أنه يحب في الله، ويوالي في الله، وعليه فصراع المسلمين مع اليهود وغيرهم من أهل الملل الباطلة صراع على أساس ديني، فإن المسلم إنما يوالي ويعادي ويحب ويبغض في الله ولله، وهذا هو أوثق عرى الإيمان، كما روى الإمام أحمد عن البراء بن عازب، قال: كنا جلوساً عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أي عرى الإسلام أوسط؟ قالوا: الصلاة. قال: حسنة وما هي بها، قالوا: الزكاة، قال: حسنة وما هي بها. قالوا: صيام رمضان. قال: حسن وما هو به. قالوا: الحج، قال: حسن وما هو به. قالوا: الجهاد. قال: حسن وما هو به، قال: إن أوسط عرى الإيمان أن تحب في الله وتبغض في الله. وحسنه الألباني بطرقه. وهذه هي عقيدة الولاء والبراء، التي سبق لنا بيان المقصود بها في الفتوى رقم: 32852، كما سبق أيضاً بيان أن بغض الكفار غير المحاربين لا يعني عدم البر والقسط إليهم، وذلك في الفتوى رقم: 99348.

وأما قضية حوار الأديان فقد أجمل الشيخ صالح الفوزان -حفظه الله- القول فيها فقال: ظهرت في الآونة الأخيرة مقولة: حوار بين الأديان، وهي فكرة لاقت رواجاً، وصار يعقد لها لقاءات ومؤتمرات، وهي فكرة خطيرة يجب التأمل فيها وفي أهدافها على النحو التالي:

1- إن كان المحاورون يؤمنون برسالة محمد صلى الله عليه وسلم ويؤمنون بما أنزل عليه من ربه، وجب عليهم اتباعه وترك ما هم عليه، لأنه صلى الله عليه وسلم رسول الله إلى العالمين كافة، قال تعالى: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا. والرسول يطاع ويتبع.

2- إن كانوا لا يؤمنون برسالة محمد صلى الله عليه وسلم، وكان الهدف من الحوار معهم بيان بطلان ما هم عليه ودعوتهم إلى الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم واتباعه، فهذا الحوار مشروع، وقد جاء به القرآن الكريم: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ. وقال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ: إنك تأتي قوماً من أهل الكتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله... الحديث.

3- إن كانوا لا يؤمنون بمحمد صلى الله عليه وسلم ولا يقبلون الدعوة إلى الإسلام، بل يريدون منا أن نعترف بصحة دينهم ونوافقهم عليه، فإنه لا يجوز الحوار معهم لعدم الجدوى منه، ولما في ذلك من إقرار الباطل، وهم لا يكفون عن شرهم وعداوتهم للمسلمين ولا يرضون إلا أن نترك ديننا وندخل في دينهم: وَقَالُواْ كُونُواْ هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُواْ. وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ. والذين يدعون إلى الحوار منهم هم الذين يقتلون المسلمين شر قتله الآن ويشردونهم من ديارهم: وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ. اه من (البيان لأخطاء بعض الكتاب)..

وقد سبق في الفتوى رقم: 77730. أن المقصد بحوار الأديان إن كان هو التقريب والوحدة بينها، فإن ذلك لا يجوز شرعاً ولا يصح عقلاً، ومن يدعو إلى ذلك يجب أن ينبذ ويحذر منه، وأما قوله تعالى: لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ {المائدة:82}، فقد سبق تفسيرها في الفتوى رقم: 28378.

والله أعلم.

[1] موسوعة النابلسي للعلوم الإسلامية
[2] موقع اليوم، صحيفة سعودية الكترونية
[3] مركز إسلام ويب
              

بقلم/ المؤرخ

Abu Ismail al-Hilali

التاريخ بيت قديم، الأجداد يتهامسون فيه عن إرث مجيد والأحفاد يستمعون ويصغون لفهم الحياة

إرسال تعليق

{مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ }ق18

أحدث أقدم