نظرية الزحزحة من الوجهة العقلية والدينية

نظرية زحزحة القارات

لابد لهذه النظرية من حقيقة فعلية، لقد كانت الأرض بالفعل كتلة واحدة من اليابس، لكن وبارادة الله جعلها، على ما هي عليه الآن، مكونة من عدة قارات وكتل تفصل بينها فواصل طبيعية فإما مسطحات مائية، وإما مظاهر جغرافية أخرى كالأنهار والجبال، وجعل الله عدد من الجزر (الجزائر) في بعض المسطحات المائية، كل ذلك حدث بالفعل بأمر من الخالق سبحانه وتعالى.

بعد أن انفصلت كتلة الأرض إلى كتل متعددة متجاورة أو متلاصقة، جعل في كل قارة أو كتلة منها، سلالة بشرية تتميز بخصائصها وصفاتها المحددة.. كيف ومتى حدث ذلك.

إن الله سبحانه وتعالى، هو وحده وبأمره يقول للشيء كن فيكون، لكننا نحن البشر ومهما أوتينا من علم، فلن نعلم أمرٌ أوجده الله، فهو وحده عالم الغيب، لكننا نستطع بإذنه وارادته أن نستخدم الاستدلال العقلي والفكرى، فالله سبحانه وتعالى أمرنا أن نتفكر بآياته ونتدبرها بعقولنا وأفئدتنا وأبصارنا،..
يقول الله تعالى: { وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ }البقرة 73
ويقول سبحانه: {  إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ }النحل 12
وقال عز وجل: { {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى القُلُوبُ الَتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج: 46].
إنّ الله خلق الأرض وقدر فيها أقواتها، وجعل لكل أمر فيها سبب، فلكل إنسان أجله، ولكن الله سبحانه جعل لكل أجل سبب بارداته وحده لا شريك له، فالله خلق الأرض ثم جعلها كتل متجاورة وأخرى متلاصقة وجعلها صخور متعددة ولها ألوان مختلفة، وكذلك جعل من ذرية آدم عدة سلالات متعددة.
يقول الله : { وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاء وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْض ٍ فِي الأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ }الرعد4
وقال سبحانه: { أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا ۚ وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ } (فاطر27)
ويقول تعالى : { وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ } الروم 22

ففي الآيات السابقة أخبرنا الله أن الأرض قطع متجاورات، وجبال الأرض مختلفة ألوانها، والنباتات والثمار أيضاَ مختلفة ومتعددة الالوان، وكذلك السلالات البشرية مختلفة في لغاتها وألوانها، وهذا هو الموجود بالفعل كما نراهم اليوم.

فنظرية زحزحة القارات ليست نظرية اختراع ولا ابتكار، بل هي نتاج تفكير عقلي بسيط، استدل عليها من خلال تطابق حدود القارات، مما جعل الإنسان يتفكر بأنها كانت كتلة واحدة ثم انفصلت إلى أجزاء، وأي إنسان عندما يرى رسم خريطة العالم، سيستنتج هذه النتيجة ويقتنع بها من المنظور العقلي والذهني..
ولا غرابة في الأمر، فإن الله خلق الأرض على عدة مراحل وجعل لكل مرحلة سبب، فالله خلق آدم وأسكنه الجنة وجعل له سببٌ ليخرجه منها، والله خلق إبليس وجعل له سبباً ليكن ملعوناً، والله يخلق الأسباب والمسببات.
ولذلك:
خلق الله الأرض كتلة واحدة من اليابسة، ثم خلق الله السبب الذي جعلها تتجزأ وتنفصل عن بعضها وتستقل كل قارة منها بساكنها، فأوجد الله سبباً مناخياً وبيئياً وأسباباً أخرى جعلت تنوع السلالات وتعدد صفاتهم وخصائصهم وألسنتهم، والله سبحانه وتعالى خلق النباتات وجعل لكل نبات سبب في شكله وتعدد أوراقه ولون ثماره وطعمها ورائحتها وهكذا في سائر المخلوقات..

وقد أخبرنا الله عز وجل في القرآن الكريم، عن خبر عظيم وهو الطوفان:
قال تعالى: { فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلَائِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا ۖ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنذَرِينَ }(سورة يونس73) 
وقال سبحانه: { فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا فَإِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ ۙ فَاسْلُكْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ ۖ وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا ۖ إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ }( المؤمنين27)
فلا أحد ينفي أو يؤكد هل كان الطوفان هو السبب الإلهي الذي أراده لتزحزح القارات وتشكلها وتكون البحار والمحيطات، ربما وقع ذلك فعلا فالله أعلم، إلا أن الاستدلال والاستنتاج العقلي لا يستبعد ذلك، فسفينة نوح ليست سفينة صغيرة أو متوسطة لأنها حملت فيها كل البشر الذين آمنوا بسيدنا نوح عليه الصلاة والسلام ومن كل طير أو حيوان زوجين اثنين وهذا وحده لدليل ذكره الله عز وجل بأن الأرض كلها ستتغير وجعل الطوفان سبباً في تكوين حياة جديدة على كوكب الأرض، ويقول الاستدلال العقلي والتفكر الذهني والتدبر في آيات الله، بأن الطوفان كان عظيماً حتى طمس الماء قمم الجبال، فكان ارتفاعه آلاف الأمتار، ولذلك حملت هذه المياه سفينة نوح ومن معه من كل البشر والمخلوقات، وبعد أن رست السفينة وانطلق من بها إلى الأرض كانت ما تزال يابسة واحدة، فانتشر الناس بها، ثم بعد ذلك ( والله سبحانه وتعالى اعلى وأعلم) بدأت عملية تزحزح القارات فانعزلت كل قارة بسكانها من البشر، لتبدأ عقب ذلك تأثير الأسباب الجديدة الذي خلقها الله عليهم فتتغير السلالات بسبب تأثير الأجواء المناخية الجديدة وتعدد النباتات واختلاف مصادر التغذية وتعدد الحرف والأعمال فتعدد اللغات والألسنة.
فأخذت هذه العوامل المناخية التي أوجدها الله بارادته وحكمته ببدء اجراء تغييرات فسيولوجية على الأجسام والأقوام البشرية فكان منهم سكان الثلوج ذوي البشرة الشقراء والشعر الأبيض وكان سكان افريقيا الزنوج ذوي اللون الأسود والشفاه الغليظة وكان سكان الغابات ذوي القامة القصيرة "الأقزام" وكان سكان شرق آسيا ذوي العيون الضيقة وغيرهم من الأجناس والسلالات، وفضل الله برعايته سبحانه جنساً من البشر على غيرهم، وجعل فيهم عدة خصائص غير موجودة في غيرهم، حتى أنه فضل قطع من الأرض على غيرها، فعلى سبيل المثال:
فضل سكان الجزيرة العربية والشام ومصر على غيرهم من الأمم
فضل العرب على غيرهم فجعل فيهم خاتم الأنبياء وجعل لغتهم لغة القرآن الكريم
وفضل سلالتهم على غيرهم فهي لا بيضاء ولا شقراء ولا سوداء ولا طويلة ولا قصيرة فهي سلالة وسطى
وفضل بلاد العرب على غيرهم فجعل مناخها معتدل لا حارة ولا باردة وجعل أرضهم مباركة ومقدسة
وجعل الله أرض العرب مهداً للأنبياء وأرض المنشر والمحشر
وكل ذلك بارادته وحكمته سبحانه لا إله إلا هو وحده لا شريك الله.
              

بقلم/ المؤرخ

Abu Ismail al-Hilali

التاريخ بيت قديم، الأجداد يتهامسون فيه عن إرث مجيد والأحفاد يستمعون ويصغون لفهم الحياة

إرسال تعليق

{مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ }ق18

أحدث أقدم