هل من يحكم بيت المقدس يحكم العالم؟

تعتبر بلد "بيت المقدس" وفق الرسالات السماوية، أول مكان مقدس في العالم، وبحسب التفسيرات الدينية والتاريخية أنها مهد الرسالات وارض الانبياء، وارض المنشر والمحشر، واول قبلة للمسلمين، وهي الارض الذي مر فيها معظم حضارات العالم، ومعظم جيوش الامم، وهي أرض الرباط والذي جاء في فضلها كثير من الاحاديث النبوية، وهي الأرض التي باركها الله وخصها بالتقديس، وفيها حدث معجزات عدة من اهمها:
نزول الملائكة ضيوفا على ابراهيم عليه السلام، وقصص سيدنا سليمان وداود عليهما السلام، وموسى عليه السلام هو بالوادي المقدس، وولادة سيدنا عيسى وصعوده إلى ربه حيا، ومعراج النبي محمد صلى الله عليه وسلم إلى السماء، وصلاته مع الانبياء صلوات ربي وسلامه عليهم أجمعين، وقصص سيدنا ابراهيم وميلاد اسحاق واسماعيل وقصة يعقوب ويوسف ومريم وهارون وآل عمران ومحراب زكريا عليه السلام، وما الى ذلك وغيره مما يعلمه الله ونجهله نحن الفقراء الى الله.
ان الرواية او الفكرة التي تنص على ان من يحكم بيت المقدس يحكم العالم، ليست بالمستبعدة وليست بالغريبة وليست بالمستحيلة لان حقائق التاريخ تبدو مؤيدة لذلك عبر العصور التاريخية للحضارات البشرية التي مرت على سطح الارض،، فلنرى هذه الحقائق:
لن ابدأ بالتفصيل الممل، ولكن بالايجاز المهم:
الممالك التي نشأت قديما في بلاد العراق وفارس والشام ومصر كانت تتصراع وتتسابق حول السيطرة على هذا المكان، ولكل منهم مرحلة من المراحل، فكانت الفترة التي تتوج بالانتصار والتفوق هي فترة السيطرة على بيت المقدس، حيث تتمكن الجهة المسيطرة من بسط نفوذها وفرض رأيها.
لقد سيطر على بيت المقدس أمم وحضارات فتأملها:
الكنعانيون، والفراعنة، الآشوريون، البابليون، الفرس، الإغريق، الرومان، المسلمين الأوائل وكانت بيت المقدس أول الفتوحات فبعد أن ملكوها انتشروا إلى بقية العالم، وعندما استولى عليها الفرنجة سيطروا على بقية الدول، وعندما حررها صلاح الدين الأيوبي فرض قوته على دول العالم واحترمه جميع الملوك وحسبوا حسابه، وكذلك حينما ملكها المماليك ارسلت اليهم الهدايا من اوربا، وحينما سيطر عليها العثمانيون انتشروا بسرعة في بقية دول العالم لتصبح امبراطورية عظمى لها رأيها وكلمتها، وحينما سيطر عليها الانجليز وملوكها فرضوا سياستهم وغيروا دول العالم وقسموها خرائط ودول ورسموا حدودها الجديدة، وها هي دولة الاحتلال منذ أن سيطرت على بيت المقدس سنة 1948م بدأت الأراضي المجاروة تتساقط بأيديهم واحدة تلو الأخرى، واصبح لها كيان وسياسة رغم صغر مساحتها وقباحة حكامها..
انها مدينة مقدسة وبالفعل فهي لها خصوصية، ربما نجهلها فما أوتينا من علمها إلا القليل.
ولنستذكر صحابة في بيت المقدس

كان الصحابة – رضي الله عنهم – زينة الجيوش الفاتحة أيام أبي بكر وعمر وعثمان، وقد حرص القادة على احترامهم وتكريمهم، واهتموا بوجودهم ضمن قواتهم، فقد كتب أبو بكر إلى خالد بن الوليد وهو بالعراق أن يخرج في نصف جيشه إلى الشام، وأن يخلّف على النصف الباقي المثنى بن حارثة، وقال أبو بكر لخالد: لا تأخذن نجدا (أي شجاعا مقداما) إلا خلّفت له نجدا، فإذا فتح الله عليكم فارددهم إلى العراق وأنت معهم، ثم أنت على عملك”. وأحضر خالد أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )  وأخذهم لنفسه، وترك للمثنى أعدادهم من أهل الشجاعة ممن لم يكن له صحبة، ثم قسم الجند نصفين، فقال المثنى: “والله لا أقيم إلا على إنفاذ أمر أبي بكر كله في استصحاب نصف  الصحابة أو بعض النصف، وبالله ما أرجو النصر إلا بهم، فأنى تعريني منهم”!! فلما رأى خالد ذلك بعدما تلكأ عليه عوَّضه منهم حتى رضي.

وقد سعدت القدس بصلة بعض الصحابة بها، وسعدوا هم كذلك بهذه الصلة، فمنهم من كان في صفوف جيش عمرو الذي حاصرها، ومنهم من رافق أمير المؤمنين عمر حين دخلها فاتحا، ومنهم من شهد على كتاب الصلح الذي كتبه عمر بين المسلمين وبين أهل بيت المقدس، ومنهم من زارها وأهلّ بالعمرة والحج منها، ومنهم من أقام ومات ودُفن في ثراها..

لكن أشهر الصحابة صلة بالقدس، وأكثرهم تأثيرا في تاريخها هم:

– عمر بن الخطاب (ت 23هـ) الذي فُتح أكثر الشام في خلافته، وتسلم مفاتيح القدس بنفسه، تبعا لرغبة أهلها الذين رأوه مثالا للعدل والإنصاف.

– ثم أبو عبيدة عامر بن الجراح (ت 18هـ) القائد العام لجيوش الشام الفاتحة، وأحد المرافقين لأمير المؤمنين عند مصالحة أهل بيت المقدس، وفي رواية الواقدي أن أبا عبيدة هو الذي حاصر الروم في القدس وراسلوه في الصلح.

– ثم عمرو بن العاص (ت 43هـ) فاتح فلسطين وبطل أجنادين، حاصر الروم في بيت المقدس حتى استسلموا، وشهد الفتح مع عمر، وكان أحد الشهود على كتاب الصلح.

ومن الصحابة الذين كانت لهم صلة ببيت المقدس كذلك:

– خالد بن الوليد (ت 21هـ) مكّنت أعماله الحربية للمسلمين في فلسطين وسوريا والأردن، وحضر فتح بيت المقدس مع عمر، وشهد على كتاب الصلح.

– ثم معاوية بن أبي سفيان (ت 60هـ) شارك في بعض فتوح فلسطين كقائد صغير (فتح قيسارية وعسقلان)، ودخل القدس في دخلة عمر إليها، وشهد على كتاب الصلح الذي أمضاه أمير المؤمنين للمقدسيين – وستأتي أشياء أخرى عنه.

– وعبد الرحمن بن عوف (ت 32هـ) كان موضع ثقة عمر، وصحبه في فتح بيت المقدس، وشهد على كتاب الصلح مع أهلها.

وهناك من الصحابة من أهلّ بالحج والعمرة من بيت المقدس، مثل: سعد بن أبي وقاص (ت 55هـ)، وعبد الله بن عباس (ت 68هـ)، وعبد الله بن عمر (ت 73هـ)، الذي يُروَى عنه أيضا أنه قال: “لولا أن معاوية بالشام لسرني أن آتي بيت المقدس فأُهلّ منه بعمرة، ولكن أكره أن آتي الشام فلا آتيه فيجد علي، أو آتيه فيراني تعرضت لما في يديه”.

ومنهم من أقام بها حتى مات ودُفن في ترابها، والمشهور هنا صحابيان هما:

1 – عبادة بن الصامت (ت 34هـ): أول من ولي قضاء فلسطين من الصحابة، عاش في بيت المقدس، والمشهور أنه مات بها ودفن في ثراها، وكان له قبر معروف هناك، إلا أنه صار مجهولا بسبب احتلال الصليبيين للقدس حوالي تسعين عاما.

2 – شداد بن أوس الأنصاري (ت 58هـ): سكن بيت المقدس ودُفن فيها، وكان له عقب هناك، ويُروى أن النبي ( صلى الله عليه وسلم) قال له: “ألا إن الشام ستُفتح، وبيت المقدس سيُفتح – إن شاء الله تعالى – وتكون أنت وولدك من بعدك أئمة بها – إن شاء الله”. وسجل مجير الدين الحنبلي (ت 927هـ) أن “قبره ظاهر ببيت المقدس يُزار في مقبرة باب الرحمة تحت سور المسجد الأقصى”.

وهناك صحابة كثيرون لهم صلة ببيت المقدس، لكنّ مَن سبق ذكرهم هم الأشهر في هذا المجال.

والآن لتمعن هذه النبذة العريقة عن تاريخها القديم من موقع ( قصة الإسلام )

تاريخ موغل في القدم
فلسطين ميراث إسلامي بذلت فيه الدماء عبر تاريخها الممتد منذ 600 سنة قبل الميلاد، كما أشارت الآثار القديمة في جوار أريحا والبحر الميّت، مما يعد دلالة على التوطين البشري المبكر، وأنها كانت تحمل جوانب جذب للكثيرين، فهي أرض للأنبياء، وموئل.

عرفت فلسطين منذ القرن الثامن عشر قبل الميلاد بأرض كنعان كما دلّت عليها مسلة أدريمي والمصادر المسمارية ورسائل تل العمارنة، وغالبًا ما يكون أصل كلمة فلسطين (فلستيبا) التي وردت في السجلات الأشورية إذ يذكر أحد الملوك الأشوريين سنة (800 ق.م) أنّ قواته أخضعت "فلستو"، وأجبرت أهلها على دفع الضرائب.

وتتبلور صيغة التسمية عند هيرودوتس على أسس آرامية في ذكره لفلسطين باسم "بالستين" Palestine، ويستدل على أن هذه التسمية كان يقصد بها الأرض الساحلية والجزء الجنوبي من سوريّا الممتدة من سيناء جنوبًا وغور الأردن شرقًا، وأصبح اسم فلسطين في العهد الروماني ينطبق على كل الأرض المقدّسة، وغدا مصطلحًا اسميًّا منذ عهد الإمبراطور الروماني "هادريان"، وكان يشار إليه دائمًا في تقارير الحجاج المسيحيين.

وفلسطين سكنها الكنعانيون قديمًا منذ أكثر من 5000 عام، وفي نحو 1250 ق.م دخل بنو إسرائيل فلسطين لأول مرة مع نبي الله موسى عليه السلام وذكر ذلك القرآن الكريم بعد الخروج من مصر وأراد نبي الله موسى أن يسكنهم فلسطين، ولكنهم خافوا من الكنعانيين وأبوا دخولها فقال الله فيهم: {قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} [المائدة: 26]، ثم حاولوا دخول فلسطين مع الملك طالوت كما ورد في القرآن الكريم، وكانت منهم قلة مؤمنة {وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوَاْ أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 247] ثم صار الملك لنبيّ الله داود الذي كان أحد جنود طالوت، وورثه نبي الله سليمان في نبوته وفي ملكه، فأرسى دعائم التوحيد، حيث أيّد بمعجزات كثيرة وكانت له سطوة على الخلائق {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ} [النمل: 16]، وبنى النبي سليمان معبدًا تقام فيه الصلاة، وعقب موت سليمان انقسمت مملكة سليمان إلى مملكتين بينهما تنافس: إسرائيل، ويهوذا، وضعفت قوة بني إسرائيل لاختلافهم فاستولى الأشوريون على فلسطين، وفي العام 586 ق.م هاجم البابليون مملكة يهوذا بقيادة نبوخذ نصر، أو بختنصر، وقاموا بأسر اليهود، وهدموا معبد سليمان، وبعد 45 عامًا، يهاجم الفرس بابل ليعود بعض اليهود إلى فلسطين ويسعون لبناء المعبد، وفي العام 333 ق.م يسيطر الإسكندر المقدوني على بلاد فارس ويجعل فلسطين تحت الحكم اليوناني، ويموت الإسكندر بعد ذلك بعشر سنوات ويتناوب على حكم فلسطين البطالمة, والمصريون، والسلوقيون الذين حاولوا فرض الوثنية الهيلينية، استأنفت الإمبراطوريات القريبة توسعها على حساب بلاد الشام، ولم يستطع الإسرائيليون المقسَّمون الإبقاء على استقلالهم.

لقد كان لليهود وجود في فلسطين خلال مراحل عدة من التاريخ، واتسم تواجدهم بعدم الاستقرار، وعدم طاعة قادتهم سواء كانوا أنبياء أو ملوكًا، وإثارة القلاقل كان دأبًا لهم على مدار التاريخ، مما كان يؤدي إلى العصف بهم، أو تشريدهم أو وقوعهم في الأسر، ولم تكن لهم مستقرًّا، وإن كتبها الله كمستقر لبني إسرائيل ما أطاعوا الله، ولكن حين عصوه حرّمها عليهم، ومن أصدق من الله حديثًا {قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [الأعراف: 128]، ويثور اليهود على السلطات مرات متوالية ويحاولون إقامة دولة مستقلة 165 ق.م - حسب الروايات اليهودية التي لم تثبت في روايات أخرى، وفي العام 63 ق.م تضم فلسطين إلى الإمبراطورية الرومانية، وعاش اليهود بسلام في فلسطين، ولكنهم حاولوا الثورة على الإمبراطورية الرومانية في سنة 70 ميلادية، فقام الإمبراطور طيطس بتدمير القدس وسوّاها بالأرض، ودمّر معبدها، وحين قاموا بثورة أخرى في العام 132م أقام الإمبراطور "هادريان" مدينة وثنية أطلق عليها اسم "كولونيا إيليا كابوتاليا"، وحرّم على اليهود دخولها، وبدأت النصرانية تنتشر في فلسطين، ثم ترك الإمبراطور قسطنطين الوثنية واعتنق النصرانية ولكن صبغها بالصبغة الوثنية فصارت ديانة وثنية وفقدت صفاءها، وخاصةً بعد قيام عدد من الحواريين بكتابة سيرة المسيح عليه السلام بطريقة تأثرت بالديانات الوثنية، حسب الأماكن التي نشأ فيها كاتب الإنجيل نفسه .

              

بقلم/ المؤرخ

Abu Ismail al-Hilali

التاريخ بيت قديم، الأجداد يتهامسون فيه عن إرث مجيد والأحفاد يستمعون ويصغون لفهم الحياة

إرسال تعليق

{مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ }ق18

أحدث أقدم