أثر الحرفة والهواية على سلوك الإنسان العربي


من المعروف أن الإنسان العربي مارس عدة حرف وعدة هوايات في مناطق متعددة من بلاد العرب، وهناك بطبيعة الحال أقاليم جغرافية متعددة ومتنوعة، أدت إلى تنوع الأنشطة الاقتصادية للإنسان العربي، وهذا هو ما يعرف علميا بالعلاقة المتبادلة بين الإنسان والبيئة، وكان لهذه البيئة عوامل أثرت في سلوك الإنسان، فأصبح سلوك الشخص هو حصيلة تفاعله مع البيئة، مما نتج عن ذلك جملة من العادات والتقاليد والأنماط السلوكية، يتطور هذا السلوك لينتقل جاهزا للأبناء والأحفاد، فيصبح ميزة أو سلوك موروث أو عادة مشهورة لجماعة معينة من الناس.
فالبيئة مع الوراثة والشخصية مجتمعة تلعب دورًا أساسيًّا فى تحديد سلوك الفرد. كما أن سلوك الفرد يختلف من بيئة إلى أخرى، فسلوك الفرد فى البادية يختلف عن سلوكه فى القرية وعن سلوكه فى المدينة. كذلك قد يختلف سلوك الفرد فى بلد ما عن سلوك فرد آخر فى بلد آخر، وذلك لاختلاف الأداة والتقاليد والفوارق الحضارية الأخرى التى قد تحدد أنماطًا معينة فى السلوك للأفراد، وحتى الضوء والأصوات والروائح تؤثر على سلوك الأفراد. وإليكم بعض العوامل المهمة التي تؤثر على سلوك وشخصية الانسان العربي في بلادنا العربية:
( العوامل الجغرافية الطبيعية: المناخ والتضاريس، العوامل الاجتماعية، العوامل الاقتصادية) وهناك جملة أخرى من العوامل المتشابكة والمتعاقبة لسنا هنا معنيين بتناولها جميعاً، ولكننا معنيين بالقاء الضوء على الفروقات الواضحة بين أربعة أنماط من الحرف التي اشتهرت في بلادنا العربية وهم:
1- أصحاب الإبل ( الأبالة )
2- أصحاب الخيول ( الخيالة )
3- أصحاب الأغنام ( الغنامة )
4- أصحاب البقر ( البقارة )
وفيما يلي سنتعرف كيف أثرت العوامل البيئية في سلوك أصحاب كل حرفة منهم:

الأبالة:

وهم العرب الذين احترفوا تربية الإبل، وهؤلاء هم العرب الأقحاح من أهل البادية الذين عاشوا في شبه الجزيرة العربية، فالإبل من الحيوانات التي تصبر على الجوع والعطش وتناسبها المناخ الصحراوي الذي تنمو فيه الاعشاب المبعثرة والشوكية، وهي نفسها أجود أنواع البيئة التي صقلت عادات العرب الأصيلة، مثل الكرم والنخوة والشهامة واكرام الضيف ومساعدة عابر السبيل، وهذه البيئة هي التي تحتاج لأناس صابرين أشداء أقوياء وأذكياء، فلنلاحظ بأن العوامل الجغرافية لهذه البيئة أوجدت إنسانا عربيا دينامكي الحركة دائم النشاط، يسافر إلى مناطق بعيدة بواسطة سفينة الصحراء، ولقد كان لهذا الإنسان العربي الأصيل أثرا حضاريا وتاريخيا ما زال موجودا، فهو الذي ربط بين المدن الصحراوية والسهلية بشبكة من خطوط الطرق، فكان بفضل تحمله مشاق السفر أن وصل سواحل البحار والمحيطات فعرف الموانئ، ووصل السهول والمروج فعرف المحاصيل الزراعية حول الأنهار واكتشف حضارات البشر هناك، فربط بين البر والبحر، وكان لهذا الإنسان الدور الأهم في تطور العلاقات التجارية وبناء المدن الهامة التي اعتبرت من اهم مراكز التجارة مثل مدينة البتراء، فكان الأبالة أهل التجارة والعز والأموال فهم أهل غنى وأكثر فخرا من غيرهم، وبحسب مصادر التاريخ وجد أن من أكثر قبائل العرب اقتناءا للإبل وتربيتها هم بطون عديدة من قضاعة تشتهر منها إبل الشرارات وهم من قبيلة كلب، والإبل المهرية ومهرة بطن من قضاعة، وقبيلة بني عوف وهم بطن من كلب بن وبرة، وبني سرحان وبني عزام وجهينة  وبلي وغيرهم الكثير من قضاعة وغير قضاعة، ولوحظ أن أكثر العرب خبرة بالإبل واستخدامها، هم أكثر العرب اتصالا بالشام وسيناء ولذلك فهم وجودوا في تخوم شبه الجزيرة العربية الشمالية.
وأما عن صفات هؤلاء الإبالة فهي كمل يلي:
1- الصبر فقد علمتهم مشاق الحياة والسفر في شعابها على اتقان قيم الصبر والجلد.
2- الثقة بالنفس فهم أكثر الناس اعتزازا وفخرا بأنشطتهم وأفعالهم فتراهم واثقون جدا من تحقيق أهدافهم.
3- العناد والتحدي، فهؤلاء اكثر الناس تحديا وعنادا للبيئة المحيطة بهم، فهم مصرون دائما لقطع المسافات مهما بعدت ومهما طالت، وجدالهم ونقاشهم غير مجدي في كثير من الأحيان لأنهم تعودوا على صحة قراراتهم فهم يتخذون قرارهم في الوقت المناسب دون تأخير.
4- هادئون دائماً، ولديهم فطنة وسرعة بديهة، لذا فموقفهم صلب اتجاه الأعداء إذا وقعت العدواة وحاسم لا يفضلون إطالة المدة العدائية، لأنهم يفكرون بهدوء تام، مما يساعدهم في تحقيق النصر إما بكسب المعركة دون خسائر كبيرة، أو ينسحبون بلطف دون ضعف، لتمتعهم بالحكنة والدهاء والخبرة الطويلة في حياتهم.
وبحسب إحصائية صدرت عام 1986م قدرت عدد رؤوس الإبل في العالم العربي بحوالي 10,555 مليون رأس، وهو ما يوازي 60% من إجمالي الإبل في العالم في تلك السنة [1]

الغنامة:

هم العرب الذين وجودا في هوامش الصحراء، يبحثون عن مناطق الرعي التي تتفاوت في أعشابها تبعا للظروف المناخية والنباتية، وهم أكثر طبقات العرب انتشارا وعددا، وهولاء أكثر من غيرهم تنقلا وترحالا بين المناطق والأقاليم، ولذلك فهم متفاوتون فيما بينهم ما بين قوي وضعيف، حيث تتنوع عاداتهم وتقاليدهم بين الأصالة النقية والمتوسطة والمحتقرة، لأن من احترف رعي الأغنام من قبائل العرب كثيرون فمنهم من افتخر به جيرانه واحترموه ومنهم من حصد الصيت السيء والكراهية، وفي جميع الأحوال والظروف فإن رعي الإغنام كانت سببا في الحروب والفتن بين القبائل، بسبب الصراع على مواقع الرعي والماء، وكثرة تعرضهم للغزو والنهب، وتعدد تنقلهم الموسمي.
وهناك عدة أسماء مترادفة لمصطلح الغنامة كونهم متشابهون بالحرفة وهم "الشواوي، وعرب الدار، أو عرب نصف رحل، والهكرة أو الحكرة [2]"
وفيما يلي نورد أهم مميزات الغنامة:
1- لديهم مكرا ودهاء، فهم يتصرفون وفق مصالحهم بالدرجة الأولى.
2- لا يحبون المخاطرة والمغامرة فهم حريصون جدا على أغنامهم لأنها رأس مالهم الوحيد.
3- يتميز البعض منهم بالخيانة والبوقة والغدر، وخاصة تلك القبائل التي تشعر بالنقص والدونية.
4- القبائل الأصيلة منهم يتميزون بشدة الكرم والسخاء، وأما الضعيفة فالبخل عنوانهم ورمزهم.
5- كثيرو الالتفات إلى الخلف، لا يشعرون بالأمان بسبب تعرضهم للهجمات والبوقة.
6- غير ثابتون على مبدأ واحد ولا قول واحد، فهم دائما مترددون.
7- هم في الأصل ممن أعيتهم الحروب الطويلة وأجبرتهم على التقهقر والتخلي عن الصنف الأول للبداوة، لأنهم كانوا من البدو الأقحاح "الأبالة".

الخيالة:

وهؤلاء أصحاب القوة في القبيلة، يفضلون دائماً اقتناء الإناث من الخيول لصفات ومميزات عدة وتسمى الفرس، فهم الفرسان الذين يمتشقون دائما سلاحهم، وجاهزون دوما لخوض المعارك، وقد علمتهم هذه الفروسية خصائص سلكوية جمة، نلخصها فيما يلي:
1- سرعة الاندفاع وسرعة الغضب والسرعة في ايجاد البدائل والمرونة.
2- والتسرع في اتخاذ القرارات، فتكون متعددة ومتنوعة تستدير مع الأحداث المحيطة.
3- سرعة تقديم النجدة والنخوة والوفاء للصديق.
4- لديهم قدرة رائعة وفطنة مناسبة في تحديد الأهداف.
5- يفضلون دائما السرعة في الانجاز، والاختصار في الطرق، لأنهم لا يحبون الطرق البعيدة.
6- يتميزون بالنشاط وكثرة الحركة.
7- يفضلون الأدوار القيادية.

البقارة:

وهؤلاء من القبائل التي تمركزت حول الأنهار، والأراضي الخصبة لوفرة الماء والأعشاب التي تناسب هذه المواشي كثيرة الأكل، ولذلك فان هؤلاء العربان يتواجدون في قرى مستقرة ولا يفضلون الرحيل، وهم أدنى قبائل البادية، ولا يعترف البدو ببداوتهم، لأنهم يستحقرون تربية ورعي الأبقار، ويطلق البدو على أصحاب البقر مصطلح الفلاليح أو الفلح، وما هو الحال لأي حرفة من الحرف فقد تركت هذه الحرفة أثر في سلوك أصحابها ومن بين ذلك:
1- يتميزون بحب الهدوء وكراهية الحروب، ولذلك فهم دفاعيون اذا ما تعرضوا لهجوم او غزو، وخاصة في المناطق الخصبة وفيرة الأعشاب والمحاصيل، لأنهم مضطرين للدفاع عنها.
2- محدودي التفكير، معدومي الدهاء، ليس لديهم خبرة في فنون السياسة والتحايل.
3- غير مغامرون، يتشابهون مع الغنامة في العادات والتقاليد
وتعتبر مصر والعراق من أكثر المناطق العربية تربية للماشية من الجاموس والبقر، وقد قدرت في مصر بحوالي 2,6 مليون رأس، وفي العراق 150 ألف رأس، وفي سوريا حوالي 2000 رأس، مما يعكس فقر العالم العربي لهذا العنصر الحيواني، وللتدليل على ذلك نذكر أنه يوجد في العالم العربي نحو 3 ملايين رأس، وهو ما يعادل 2% فقط من الجاموس في العالم لسنة 1986م [3]، وهذا يرجع لعدم رغبة القبائل العربية بتربية هذه الأصناف من الماشية، وذلك بحكم العادات والتقاليد العربية التي تفضل تربية الإبل والإغنام عن تربية الأبقار التي تحتاج إلى كمية وفيرة من الأعشاب وإلى عمل خاص لا تحبه العرب، وذلك لأن البيئة العربية متذبذبة الأمطار وأحيانا تتعرض المناطق لضربات مناخية مفاجئة تسبب الجفاف والقحط، إضافة إلى كثرة النزاعات المحلية، ولذلك كانت مهنة رعي الأبقار غير مرغوبة عند العرب، كما أنها مستحقرة عند البدو.

المراجع
[1] جغرافية الوطن العربي، د. خميس الزوكة، ص325
[2] البدو، اوبنهايم، ج1، ص12
[3] جغرافية الوطن العربي، المرجع السابق نفسه، ص326

              

بقلم/ المؤرخ

Abu Ismail al-Hilali

التاريخ بيت قديم، الأجداد يتهامسون فيه عن إرث مجيد والأحفاد يستمعون ويصغون لفهم الحياة

إرسال تعليق

{مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ }ق18

أحدث أقدم