القبيلة وديوانها


القبيلة هي وحدة إجتماعية متقاربة في النسب وصلة الأرحام، لها مصالح مشتركة وأهداف خاصة في حياتها تسعى دائماً للحفاظ عليها، تشبه القبيلة الحزب والنقابة في بعض الأنشطة والبرامج والأعمال، للقبيلة قائد وزعيم وشيخ ومختار ولها مجلس مكون من عائلاتها وحمائلها وعشائرها.
تعتمد القبيلة اعتماد رئيسي على الفرسان والعقلاء والفطناء والأذكياء وأصحاب الرأي، وتفتخر بهم وتقدمهم وتسعى لمعرفة آرائهم، للسير قدماً في الحياة نحو الأفضل، والقبيلة في هذا المضمار هي شبه هيئة محلية تساعد الدولة، حيث من المفروض وجود تكافل اجتماعي داخل القبيلة وتعاضد يعمل على إيجاد الحلول لأفراد العائلة من :
1- حل المشكلات والتغلب عليها وعدم اللجوء لدوائر الدولة والحكومة عند كل مشكلة مهما كان حجمها ونوعها، إلا في القضايا المستعصية، سيما وأن للقبيلة نظام قانوني متعارف عليه يسمى القضاء العشائري.
2- حل مشكلات الفقر وقد كان قديماً من أهم أهداف القبيلة، حيث كان الأثرياء منهم يتبرعون كل من عنده بشاة للرجل الفقير حتى يصبح عنده قطيع يحصل من خلاله على قوته وقوت أبنائه، وفي كثير من القبائل الناحجة تجمع تبرعات مادية من الرجال القادرين، لدعم أشد الحالات فقراً من أجل النهوض وتحسين الوضع الاقتصادي له، فهي بذلك تساعد بشكل غير مباشر دوائر الشئون الاجتماعية التي تهتم بدعم الأيتام والأرامل والفقراء والمرضى من الشعب.
3- التعاون بين القبائل، كانت القبائل قديماً في الريف والبادية بتقديم يد العون والمساعدة لجيرانهم في مواسم الحصاد وجني الثمار أو أوقات الضيق المساهمة في ازالة العقبات.
ولذلك فإن التفاهم والاتفاق والتسامح من أهم الأسس التي تعتمد عليها تلك الخطط والبرامج.
ومن المجالات التي كانت تظهر العون والدعم والتكافل داخل القبيلة والمجتمع نورد هذه الأمثلة:
1- في الزواج:
كان يتم دعم الشاب بالمال اللازم للمهر والعقد، كما يتم دعم وليمة الفرح من خلال "القَوَد" وهو أن يأتي المهنئ ومعه كبش أو قاعود أو عجل أو ماعز ليهديه للمفرح، والبعض الأخر يحضر معه أكياس السكر أو الأرز وهذا كله يصب في باب المساعدة والدعم والتكافل الاجتماعي للقبيلة، وهناك من يقدم بيت من الشعر "خيمة" هدية للمفرح أو فرس أو ما يلزم للفراش والأثاث، وكذلك يقدم أهل وأصدقاء المفرح نقوطاً للعريس ورزوجته من النقود والذهب ويقوم العريس فيما بعد بتقديم المساعدة والعون لكل شخص قدم له نوع من تلك الإهداءات في مناسبات مشابهة، التزاماً بالعادة بأن من قدم لك العون والمساعدة يجب أن تقابله بنفس الشعور والاحساس.
2- المرض:
وفي حالة وجود مريض يقوم الأقارب والجيران بزيارته والاطمئنان عليه مصطحبين معهم أشكالاً متعددة من الغذاء المتنوع فمنهم من يأتي باللبن أو اللحم أو الدجاج وغيره من الطيور أو البيض أو التمر والعجوة وزيت الزيتون إلخ.
وفي اعتقادهم أن هذه الأشياء تساعد في تحسن صحة المريض كونه بحاجة إلى غذاء متكامل العناصر والفيتامينات وبعضهم يسارع بالبحث عن علاج يساعد في الاستشفاء وتحسين صحة المريض.
3- الوفاة:
في حالة الوفاة يسارع الجيران من الأقارب والأصدقاء بتقديم الفزعة والمساعدة لذوي الفقيد والتخفيف عنهم، حيث يشتركون في كافة الأمور ابتداءاً من تجهيز الميت بالغسل والكفن وبناء القبر وتشييع الجنازة وبيت العزاء، وكان قبل وقت غير قصير يأتي المعزيين يحملون معهم حب البن حيث كان أهل الفقيد يحمصونه ويطحنونه ويطبخونه لتقديمه شراباً للمعزيين، كما يقوم أبناء القبيلة بالتبرع بالمال والحلال لذوي الفقيد لاعالتهم على المضي والاستمرار في الحياة، في محالة سد الفراغ الذي تركه الفقيد إذا كان معيلاً لأسرة وأبناء، حيث يستمر دعمهم وتبرعهم للأسرة من زكاة وصدقة واحسان وتبرع بأي أشياء تساعدهم في حياتهم.
4- تذليل العقبات:
كما ويجتمع أبناء القبيلة عند كل عقبة تعترضهم أو تعترض أحد منهم، لتذليلها وحلها كدراسة احد أبنائهم إن وجد عقبة معينة في ذلك،  أو رفع الظلم عن أحدهم أو حل أي مشكلة أخرى من مشاكل الحياة المتعددة.
قيادة القبيلة عبر التاريخ:
لقد كان قائد القبيلة في العصور القديمة هو الرجل الأقوى الذي يفرض سيطرته على بقية الرجال من خلال قوته وفروسيته ومهارته وذكائه، وبعد تطور النظام في القبيلة وللتخفيف من حدة الصراعات ومن أجل ارساء القبيلة في ميناء التقدم رأت القبيلة اختيار الرجل المسن لأن الرجال المسنين يميلون دائماً للسلام فهم أولى للقيادة في ظل حاجة المجتمع للسلام والأمن والتعايش في رخاء فاطلق على هؤلاء الرجال اسم شيوخ القبيلة، وأصبح اختيار هذا الشيخ أو الزعيم ينحدر من رأس الهرم في القبيلة أي الأكبر سناً كما لو كان الجد أو ابنه الأكبر، ثم أصبح اختيار هذا المنصب بالتشاور والاتفاق، ثم بالترشح والانتخاب وذلك بسبب حدوث تنازع على مشيخة القبيلة، وكان زعيم القبيلة هو قائدها وموجهها وقائد دفتها، ثم بعد أن تم توطين القبائل من قبل الحكومات للسيطرة على الحروب والقلاقل وفرض الأمن تم للحكومة التدخل في اختيار هذا الرجل ليكون لها عوناً وعينا ويداً في نظام القبيلة فظهر منصب "المختار" لأول مرة في فلسطين سنة 1864م تقريباً، ورداً على تدخل الحكومة قامت القبيلة باختيار أضعف رجالها لهذا المنصب حتى تكون يد الحكومة تحت السيطرة، وفرضت القبيلة على هذا المختار قيود وأنظمة وكان يتعرض للتهميش وتركت قيادة القبيلة لزعيم منها يشاركه مجلس من الشباب وكثيرا ما كان يقوم الزعيم باستحضار المختار والتحقيق معه وضربه أحياناً، ولكون هذا المختار عيناً وعوناً للحكومة فهو يقع ضمن فئة الموظفين فكانت الحكومة تستحضره بين الفينة والأخرى وتؤثر عليه وتجبره على القيام بأمور خاصة لخدمة الحكومة الأمر الذي أوجد استياء عام من قبل الجماهير من هذا الرجل حتى لقيه مصرعه في كثير من المواقع في بلاد الشام وخصوصا في فترة الاستعمار بتهمة التخابر مع الحكومة والتبليغ عن رجال الثورة الذين ثاروا ضد الاستعمار الفرنسي في سوريا والانجليزي في العراق وفلسطين.
ديوان القبيلة:
وللديوان نظام خاص فهو عبارة عن السفارة ومجلس القيادة التي يتولى ادارة شئون القبيلة وعلاقاتها مع الآخرين، ويتربع على قيادته الشيخ أو الزعيم وليس المختار كما أسلفنا، ولذلك فإن الديوان يجب ألا يكون بعيد عن مضارب القبيلة، فمن المضحك أن يكون الديوان في بلد والقبيلة في بلد آخر، بل يجب أن يكون قريب لا يستغرق أكثر من خمس دقائق مشيا على الأقدام، أو بمعنى آخر أن تكون المسافة تحت مرمى البصر ومسمع الصوت، وذلك لسرعة الاتصال والتواصل والملاحظة والمتابعة لما يجري على أرض القبيلة.
ويكون الديوان دار للضيافة أيضاً فهو يستقبل جميع الضيوف العوام والخواص منهم، ويأتي صاحب الأمر من مضارب القبيلة لاستقبال ضيفه في الديوان وبعد اتمام مراسم الضيافة يستطيع اصطحاب ضيفه إلى البراري، أو استقباله في بيت ضيافته الخاص به، والذي يشترط فيه أن يكون معزولاً ومستوراً عن بيوت الحريم.
والديوان أيضاً تقام فيه كافة المناسبات الخاصة والعامة لأنباء القبيلة على مختلف أسمائها وألوانها، ويشترك جميع عائلات القبيلة في دعمه من كافة احتياجاته.

              

بقلم/ المؤرخ

Abu Ismail al-Hilali

التاريخ بيت قديم، الأجداد يتهامسون فيه عن إرث مجيد والأحفاد يستمعون ويصغون لفهم الحياة

إرسال تعليق

{مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ }ق18

أحدث أقدم