من تراث البادية

تراث البادية
هو الإرث الذي حفظه وعرفه الأحفاد عن الأجداد، وانتقل عبر مراحل التاريخ من الجيل السابق إلى الجيل اللاحق تباعاً، وهو يشمل الجانب المعنوي والجانب المادي، والبادية هي الحياة البدوية في البّّر والطبيعة والفلاة بعيداً عن المدن..
وبهذا فإن التراث يشمل السلوك الاجتماعي واللهجة والفكر وقصص السلف وتجاربهم، وكذلك الوثائق والمستندات والأدوات و العقارات وما إلى ذلك من أشياء ورثها الجيل الحاضر عن الجيل الماضي عبر سني حياتهم.
ولما كان النسب مما ورثه الأبناء عن الأباء والأجداد، هو اذا من التراث، ولذلك فإن القاعدة الرئيسية للبحث عنه لابد أن تعتمد على الرواية الأصلية الموروثة وتكون المعلومات البحثية التي يتم الحصول عليها مكملة للرواية الموروثة وموضحة لها، لا أن تكون مغايرة لها تماماً، وحينما نقوم بجمع القصص الموروثة عن الأجداد يمكننا أن نحصل على المزيد من التوضيح حولها من خلال عملية البحث، بحيث نتمكن من الحصول أولا على أسماء الأماكن الجغرافية التي وردت في قصصهم وحكاياتهم والوقائع التاريخية والأسماء ونحدد منها الفترة الزمنية لنحصل بعد ذلك على صورة واضحة وقريبة للشمولية والتكامل.
سيما وأنَّ تاريخنا في أصله بُني على روايات الإخباريين أي على الروايات الموروثة والمحفوظة في أذهان الأجيال عن السلف، من أسماء الأشخاص والأماكن والأحداث والوقائع، ولا زال التاريخ يُدون على هذا الأساس اضافة إلى روايات الشهود الحاضرة..
ولا يمكن الاستهانة بالتراث ودوره في بناء النشئ لما له من أثر كبير في نفوسهم، والتراث عبارة عن كنز وثروة كبيرة من القيم والآداب والمعارف فلننظر للجوانب الإيجابية منه، ونحن كـ مجتمع  اسلامي فإن القيم الإسلامية هي  جزء رئيسي من تراثنا وتراث آبائنا وتراث أحفادنا.
ومن التراث الفكري: " من شابه أباه ما ظلم" و"ثلثين الولد لأخواله" و"العم مولي والخال مخلي" و"ذاك الشبلُ من ذاك الأسد" و"اللي خلف ما مات" و" بيت السبع ما يخلى من العظام" و" العين ترمي الطير الطاير" و"رافق السبع ولو أكلك"و" الرِّجل تدب مطرح ما تحب" و"اللي ما يعرف الصقر يشويه"و" قيس قبل ما تغيص" و" اللي ما يعرفك يجهلك"و" الزيت عمار البيت" و" خزين الصيف ينفع للشتي" وهذه الأمثال بما تشمله من تجارب وحكم لها تأثيرها في صقل الأفراد فهم يتعلمون منها كيفية التعامل مع الحياة والمجتمع المحيط، وكذلك الحديث النبوي الشريف فهو اليوم متداول في المجتمع  يذكر الناس بعضهم بعضاً، من أجل السير في الطريق المستقيم والابتعاد عن الحرام وتلك الأمثال تعلم الناس الابتعاد عن العيب في المجتمع، ومن هنا نلاحظ أن المجتمع بدون هذا التراث وبدون السير على منهج السلف الصالح يكون مجتمعا ضعيفاً وكل شيء فيه فاسد.
ومن التراث لون فني جميل له أثره النفسي على الجميع مثل الأشياء المادية من الملبس والمسكن فانظر مثلا الزي البدوي فهو بلا شك زياً شرعيا للرجال والنساء، وانظر نقوش وألوان الأثاث كم هو جميل وله مدلوله الثقافي الكبير، فهو وسيلة معبرة عن الترابط المجتمعي للنسيج العربي يوحي لك أن كل من يرتدي ويقتني هذه الأشياء هم من جذور واحدة تتطلب التعاون والاتحاد والتماسك.
ومن الأدوات التراثية ما يدل على كفاح الأجداد في الحياة مثل : السلاح كالشبرية والخنجر والسيف والرمح والحربة والبنادق القديمة، ووسائل الصيد وأدوات العمل كالفخاخ والسهام أو النبال والبنادق والشباك، والمنجل والفأس والقدوم والمذراة والدقران والكربال..إلخ.
وأدوات الطبخ والطهي والضيافة كالقدر النحاسي والصواني الكبيرة وسدور السفرة والسفرطاس والباطية أو القصعة والصحون القيشاني وأدوات القهوة المحماصة والمهباش والبكارج أو الدلال والفناجيل، والزير الفخاري والقلة والإبريق، وكلها ما زالت أدوات جميلة ومستخدمة حتى اليوم ووجودها يأثر في النفس ويدفعها للتمسك بالتراث والعودة إلى إحيائه من جديد فتلك حياة جميلة .
ومن التراث أنواع متعددة من الأطعمة التي كانت مشهورة قديماً، وكان الأجداد يطهونها ويتهادونها فيما  بينهم وتعرف هذه الأطعمة باسم "المأكولات الشعبية" ومنها نتعلم كيف كان الأجداد يعيشون وكيف كانوا يراعون مبادئ الحفاظ على صحة الإنسان وتغذيته تغذية سليمة، ويعتبر نمط الأجداد الغذائي صراحة نمط صحي مقارنة بمأكولات هذه الأيام، ومن أسماء طعامهم :
" الفتة والمنسف والمفتول والعصيدة والجريشة والسَّلطة والمرقة أو الحساء أو الشوربة حالياً، والشواء فكانوا يقومون بشواء اللحم وكذلك بعض الأطعمة مثل البطاطا والبطاطس والباذنجان وعجر البطيخ والقرع، ومن الأطعمة ايضا اللصيمة والرقاقة والبصارة والمردودة والكبيبات والمحشي والدوالي والمقلوبة والكشكوشة والدمعة والهيطلية ..الخ" كما أنهم كانوا يصنعون من الأعشاب والخضار والفواكه طعاماً ومخزوناً لهم بعدة طرق مثل: " التجفيف والتمليح والطبخ " ومن صناعاتهم الدبس من العنب أو التين أو التمر، والعجوة والمختوم ، والقطين والزبيب ..الخ" وكذلك صناعة اللبن والجبن والزبدة والسمن وكلها أطعمة جيدة وصحية، وليس هناك أفضل من أن يأكل المرء من صنع يده .
ومن التراث قوانين المعاملة والأخلاق في المجتمع مثل بر الوالدين واحترام الصغير للكبير وطاعة ولي الأمر وآداب الحديث والكلام، وقول الحق والصدق وما إلى ذلك من قواعد الأخلاق التي يأمرنا بها الشرع والسُّنة.
فالتراث نظام أو منظومة السلف بُني وتأسس منذ نشأتهم الأولى ورافقهم جيل بعد جيل، ويذكر لنا التاريخ مثالاً حياً على بناء أول دولة إسلامية وكم كانت هذه الدولة قوية وكلمتها مسموعة، ولها تراثها الخاص بها، ولكن بعد أن بدأ الناس والمجتمع بالابتعاد رويدا رويدا عن تراث تلك الدولة أصحبوا عاجزين تماماً الآن عن استعادة مجد ونفوذ وقوة تلك الدولة، ومن هنا فأن عودة تراثها سيكون ضمن الأسباب التي تؤدي إلى إحيائها من جديد، وهو نفس الأمر بالنسبة للقبيلة التي تنازلت عن تراثها القديم وأخذت بتراث غيرها وخاصة ما يحدث اليوم من عادات لم نجدها في تراث العرب على الإطلاق مثل ما يجري من عادات الخطوبة والزواج من تبرج ورقص لم يكن على الإطلاق جزءا من تراثنا، وكذلك أساليب الخطوبة والزواج وطريقة الاحتفال به هي عادات أو تراث مقتبس من مجتمع مختلف عنا في القيم والأخلاق والعقيدة، كما وقد ظهرت عادات جديدة مثل الاحتفال بعيد الميلاد والحقيقة انها ظاهرة غريبة لم يكن مجتمعنا يعرفها قط، ولكن وجدوها في المسلسلات الهابطة التي تبثها دور السينما والتلفزيون وربما هي مأخوذة عن مجتمع أوربا، وكان من الأجدر عدم ضياع تراثنا وهويتنا الثقافية ووجوب المحافظة عليه لأن تراثنا ليس مجرد ألوان ونقوش ..
              

إرسال تعليق

{مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ }ق18

أحدث أقدم