روايات بني عامر (1)

 

روايات بني عامر (1)
مَوْسُوعَةُ الْهُلًاْلِيُّ - وعندما نبدأ الآن بتفنيد هذه الروايات والبحث عما يسندها، بالدعائم والأدلة المؤرخة، نجد أنفسنا أمام تاريخ كبير وقديم وعميق ومهما خضنا فيه سنصطدم رغماً عنا بعوائق شديدة ومصاعب فائقة، فالتاريخ بحر ليس له نهاية ولن نستطع كشف آثاره وكنوزه وقيعانه، ولكن على الله الاتكال.
نحن أمام عدد لا بأس به من الروايات التراثية لعائلات قبيلة بني عامر، حيث وجدنا أناس من كبار السن من الرجال والنساء، لديهم روايات وقصص تعبر عن كم هائل من الموروث الثقافي سنعددها الآن ثم نذكر بعض التوضيحات والتعليقات عليها... ومنها:
1- قال عدد من الرواة بأن جذورهم ترجع لقبيلة بني هلال، افترقوا عنها قبل 600 سنة على إثر حروب دامية..
2- ذكر بعض رواة القبيلة من كبار السن قديما، أنهم كان يجاورهم قوما من يهود في قديم الزمن..
3- يروي جزء منهم أن الصحابي أبو هريرة جدهم لأمهم..
4- جهادهم ضد الفرنجة وعن اقطاعهم أراض من النجم الصالح أيوب، وحروبهم مع المماليك..
5- وفي رواية لبعض العائلات أنهم هاجروا قديما من العراق على إثر حرب شديدة.. وقد ذكرت المراجع التاريخية بأن هناك حرباً شديدة وقعت بالعراق بين طيء وبني عامر اشتركت فيها قبائل بني عبادة وبني خفاجة..
6- ويذكرون حكايات عن حروب داخلية وثأر وقعت بينهم في ليبيا وفي صعيد مصر..(وجاء في المراجع التاريخية ما يؤيد ذلك ويزيد مما وقع بين قبائل بني عامر في الصعيد والفيوم والبحيرة وبرقة، وبين بني عامر والسلاطين..)
7- اشتباكاتهم مع الفاطميين، وتعرض أجدادهم لمذابح وهجمات وانتقامات من الفاطميين في ليبيا.( وجاء في المراجع التاريخية ما يؤكد هجوم الفاطميين على قبائل بني عامر بن صعصعة)
8- ذكر الرواة بأنهم تعرضوا لفترة قاسية من الحروب على أيدي المماليك في أواخر عهدهم..
9- ومن رواياتهم بأن مرج بني عامر سمي نسبة لاسم القبيلة التي هم ينتسبون لها..
وذكر الرواة أن قبيلتهم كانت لها قوافل تجارية وكان لها ملوك وأمراء وكانوا هم يشرفون على طرق هذه القوافل (وهذا ما يؤكده أيضاً التاريخ وهو بالفعل جزء من تراث قبيلة بني عامر في العراق والاحساء والشام ومصر وليبيا والجزائر)
10- انسحابهم من تحالف القبائل البدوية في سيناء، على إثر خلاف داخلي..
الرواية الأولى:
قبيلة بني هلال بن عامر، كانت تقود تحالف عربي ضخم، ضم من قبائل العرب القحطانيون والعدنانيون، وهذا أمر مسلم به، وغزت هذه القبائل بلاد المغرب في فترة الدولة الفاطمية، ومن بين القبائل التي دخلت هذا التحالف وجاء لها ذكر: قبيلة بني عامر، وبني سليم، وقضاعة، وخفاجة، وتغلب وجشم وربيعة وفزارة وكلب وعذرة وزبيد. وقد ذكر المؤرخين بأن قبائل بني هلال وبني عامر من أكثر قبائل العرب الذين انشغلوا في الحروب الداخلية مع بعضهم البعض من جانب ومع السلاطين من جانب آخر..
الرواية الثانية:
جاء في النصوص التاريخية، أن هناك 100 يهودي يعيشون في حي بني عامر، وبلادهم تعرف ببلاد بني عامر، ويبلغ عدد رجالهم القادرون على الحرب حوالي 300 رجل[1] وهذا يخص قرى تابعة لبني عامر بن صعصعة.
الرواية الثالثة:
يقول جزء من عائلات القبيلة بأن جدهم لأمهم هو الصحابي ابو هريرة، وتؤكد المراجع التاريخية أن أحداً من ذريته نزل قرية بوصير في الصعيد المصري مع مروان بن محمد آخر خلفاء بني أمية، وقد أكد الأمير أبو عثمان الصفدي في كتابه تاريخ الفيوم أنه من قرى الفيوم قرية اسمها بوصير من قرى قبيلة بني عامر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، وقرية بوصير من قرى الجيزة، والتي فيها قبرا لابن بنت أبو هريرة، ومن هنا يأتي صدق هذه الرواية بأن هناك جزء من قبيلة بني عامر بن كلاب، أمهم أحدى بنات أبو هريرة أو من أحفاده.
الرواية الرابعة:
روايتهم حول اقطاعهم الأيوبيين منطقة حول عسقلان..
تؤكد كتب التاريخ، بأن فتح عسقلان وتحريرها من الفرنجة كان سنة 645هـ، في زمن الملك الصالح نجم الدين أيوب، وأنه أقطع قبيلة الحريث " بنو جابر" اقطاعاً لهم قرب عسقلان[2]، وفي قبيلة بني عامر الحالية فرع يعرف بالجبارات، كما تؤكد مصادر تاريخية بأن منطقة سكرير كانت تعرف بأرض الجبارات[3]، وجاء في رواية أمير الفيوم أبو عثمان الصفدي سنة 450هـ أن لبني عامر حصة جهادية مع الأيوبيين نصابها 400 فارس، وأن من بطونهم بمنطقة الفيوم بني جابر، والله أعلم أنهم هم أنفسهم أصحاب رواية الاقطاع حول عسقلان، ومن الدعائم الأخرى نذكر بأن الحريث كانوا حلفاء لجذام، وزبيد وهؤلاء أيضاً لهم صلة ببني عامر وخاصة في مناطق سواحل المتوسط..
الرواية الخامسة:
وبخصوص تواجد بني عامر في العراق وقدوم جزء منهم إلى فلسطين على أثر حروب طاحنة هناك، واكتساحهم مرة لتلك الديار، فقد جاء في تاريخ الإسلام بأن بني عامر الذين بنواحي الإحساء قد اجتاحوا مدينة البصرة ونهبوها وأحرقوا عدة أماكن وذلك سنة 483هـ[4]، وجاء في تاريخ ابن خلدون بأن أميرهم كان اسمه عميرة، قال واجتمع لقتالهم عرب العراق وقبيلة خفاجة والمنتفق، وقاتلتهم بنو عامر وهزمتهم فدخلوا البصرة ونهبوها أياماً وذلك في سنة 488هـ[5]، قال ابن خلدون ووقعت بينهم فتن كثيرة.
الرواية السادسة:
أما بخصوص رواية الحروب الداخلية، ففي ذلك شرح طويل، وكلها تؤيد وتدعم وتسند هذه الرواية بمعلومات كافية ووافية .. درات هذه الحروب في كافة مناطق تواجد بني عامر (العراق، الاحساء، حلب، الشام، وفي مصر: بالفيوم والبحيرة وبرقة في ليبيا، وحتى في الجزائر ودول المغرب العربي) وأهم هذه الحروب والمرتبطة بقصص عوامرة فلسطين هي الحروب التي وقعت في البحيرة والفيوم، لأن العوامرة عبروا من هناك إلى سيناء ثم فلسطين، وعلى عدة فترات ومراحل.
الرواية السابعة: أما عن روايتهم حول هجمات الفاطميين، ففي التاريخ جاء لذكر حروب الفاطميين ضد قبائل بني عامر التي كانت تحكم حلب وهم من عامر بن كلاب، وجاء ذكر لحروب أخرى في الرملة بفلسطين بين بني هلال وبين الفاطميين، وجاء ذكر لحروب بين بني قرة (من بني هلال) وبين الفاطميين في البحيرة، وحروب كثيرة بين الفاطميين وبين بني عامر في الصعيد والبحيرة وبرقة..
الرواية الثامنة:
تؤكد كتب التاريخ، بأن حوادث الاعتداء على قوافل التجار والحجيج أيضاً، وقع عدة مرات من قبل قبائل بدوية ومن قبل القرامطة أيضاً، وجاء من هذه الأمثلة:
اعتداء من قبل طيء، واعتداء من قبل بني سليم وبني هلال، واعتداء من قبل عرب الفضل، وعرب الزبيد، وتلك أمثلة قديمة وأما الجديدة نسبياً فهي كثيرة، وفي ذات السياق حدثت هجمات انتقامية أيضاً ضد قبائل البادية في طرق القوافل من قبل المماليك، ومن قبل الأتراك، ومن قبل أمير الحج المصري، وكذلك من قبل أشراف مكة، ومن الأدلة التي تعيننا في ذلك أيضاً، ومن أكثر مناطق نهب القوافل هي منطقة البحيرة بمغارب مصر، وفي الصعيد.. وكان أكثر من يقوم بذلك قبائل تعود لبني هلال بن عامر بن صعصعة وقد وقعت على أثرها حروب مع السلطنة من جهة ومع العربان من جهة ثانية، وكان آخر من نفذ عميات سطو على القوافل قبيلة أولاد علي في غرب مصر في فترة قريبة من فترة الحملة الفرنسية، وذلك بسبب عدم دفع الميرة للعربان.
الرواية التاسعة:
تؤكد المعلومات التاريخية والجغرافية بأن مرج بن عامر كان موطناً لقبيلة بني عامر في فترة الخلافة العثمانية، وكان قبل ذلك أي في الربع الأخير من عهد المماليك طريقا تعبره قوافل بني عامر القادمة من الاحساء، أما في العهد الأخير من الفترة العثمانية، كانت تقطنه قبائل بدوية وتعيش في بيوت من الشعر، ويذكر أن مرج بن عامر ظل محتفظاً بطابعه البدوي فترة طويلة من الزمن، حيث كان عام 1865م منطقة بدوية بحتة، ولم يتحول إلى منطقة زراعية إلا في عام 1872م[6]، ويذكر أن عشائر التركمان سيطرت على هذا المرج، في حوالي العام 1100م -1180م، واندمج معهم جزء من بني كلاب[7]، وقد لاقت عشائر التركمان دعماً من قبل السلاطين من بعد صلاح الدين الأيوبي حتى عهد سلاطين الخلافة العثمانية[8]، وكان مرج بن عامر من نصيب هذه العشائر التركمانية وعاشوا كما حياة أهل البادية تماماً في بيوتهم و ملبسهم وعاداتهم ولهجتهم[9]، بل وتصاهروا مع بعض القبائل البدوية، حتى صاروا عرباً، يمارسون نفس عادات وتقاليد أهل البادية الفلسطينية تماماً، ولكن سماسرة الأراضي والرأسماليين، تفتحت أعينهم على هذا المرج الخصيب، وانهالوا على شراء أراضيه الخصيبة بدءً من عام 1870م-1872م، ثم انتقلت هذه الأراضي لليهود في عهد الانتداب البريطاني.
الرواية العاشرة:
وبخصوص الأحلاف البدوية الأخيرة في جنوب فلسطين، كانت تدور حول التحزب القديم "يمانية وقيسية" حيث وقعت آخر هذه الحروب في حوال العام 1750م وبعد هذا التاريخ بدأت تحدث مناوشات بين الفينة والأخرى، بين قبائل سيناء، وآخرى بين قبائل جنوب فلسطين.. وهي امتداد وردات فعل للصراعات القديمة، وما يذكر بهذا الخصوص هو تحزب بني عامر حينما وقعت الحرب لحزب القيسية، ثم انفصلت عن هذا التحالف على إثر خلافات داخلية..

مصادر الموضوع:

[1] ( الدرر المفاخر في أخبار العرب الأواخر، النجدي، ص22)
[2] ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، علي، ج4، ص246)
[3] ( مسالك الأبصار في ممالك الأمصار، العمري، ج4، ص156)
[4] ( البدو، أوبنهايم، ج2، ص147)
[5] ( تاريخ الإسلام، الذهبي، ج10، ص472)
[6] ( تاريخ ابن خلدون، ج3، ص654)
[7] ( عشائر العرب، النجدي، ط1، 1999م، ص107-111)
[8] ( عشائر الشام، أحمد وصفي زكريا، ط2، 1983م، ج1، ص70)
[9] ( عشائر الشام، أحمد وصفي زكريا، ج2، ص680)
              

بقلم/ المؤرخ

Abu Ismail al-Hilali

التاريخ بيت قديم، الأجداد يتهامسون فيه عن إرث مجيد والأحفاد يستمعون ويصغون لفهم الحياة

إرسال تعليق

{مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ }ق18

أحدث أقدم