الرواية وشروطها وأسس البحث فيها

 

الرواية الخاصة بالنسب؛

لكل عائلة رواية رئيسية تنص على أصولهم وأنسابهم، هذه الرواية تعتبر أساس مهم، ونقطة أولية للبناء عليها، لا ينبغي على الباحث أن يهمل هذه الرواية على الإطلاق، سنشرح اليوم وكما عودناكم أساسيات الرواية وأساليب تفنيدها وطرق توثيقها.. وذلك بعون الله وتوفيقه ..

كلمة الرواية ومعناها

 يَرْوِي قَوْلهم: {رَوَى الحدِيثَ} يَرْوِي رِوايَةً بالكَسْرِ؛ وَكَذَا الشِّعْر، وتَرَوَّاهُ بِمعْنًى: حَمَلَه ونَقَلَهُ رجُلٌ رَاوٍ، إذا الرواية هي الكلام المسموع والمحفوظ والمنقول عن السلف جيلاً بعد جيل، ورواية النسب هي الكلام الموروث الخاص بالعائلة والذي ينص على جذورهم وأنسابهم.

أنواع الروايات:

1- روايات جزئية: أو رواية منحوتة ومتأكلة مع مرور الزمن، كأن يقول الرواي:" سمعت أننا من قبيلة قيس" أو " أننا قيسيين".

2- روايات شبه كاملة: وهي تتضمن الزمن والمكان والمتن أو سند الرواية، كأن يقول الرواي: " سمعت من أجدادي أننا من عرب الهلالية قدمنا من مصر قبل 400 سنة" هذه الرواية تتضمن ثلاثة أجزاء وهي : مكان قديم هاجروا منه وهي مصر، وزمان حدوث هذه الهجرة "قبل 400 سنة" ومتن الرواية أنهم من عرب الهلالية .

3- روايات كاملة:  وهي التي تتضمن الزمن والمكان والمتن أو سند الرواية وسلسلة النسب أو الفرع، كأن يقول الرواية : " سمعت من أجدادي أننا من أولاد مزروع من بني هلال هاجرنا من مصر بعد حرب دامية هناك، قبل 500 سنة، ونزلنا العريش ثم بعدها جئنا إلى غزة" وهذه رواية كاملة تتضمن تفصيلات الهجرة مكانها واتجاهها وزمن وقوعها وأصل النسب وأسباب الهجرة.

4- روايات شاملة: وهي من أقوى الروايات لكونها تتضمن تفصيلات مهمة، وهي الرواية والوثائق معاً، وتتكون هذه الرواية من : مكان الهجرة والرحيل، وموضع السكن السابق " البلد والقرية والجهة"، وجهة الهجرة ومراحلها، وأسباب الهجرة، وسلسلة النسب واسم القبيلة، وقصص قديمة حدثت قبل الهجرة وبعدها، مع وجود وثائق ومستندات قديمة مثل عقود زواج أو ملكية أرض أو شهادات ميلاد، أو أوراق قديمة خاصة بالعائلة..

ملاحظات هامة للباحث عن الرواية..

عند البحث عن الروايات يجب التأمل في أجزاء الرواية والاستماع لأكبر عدد ممكن، من أجل توثيق المتفق عليه في الروايات والاعتماد عليه، كما يجب حساب الفترة الزمنية بدقة، مثلاُ قد يبقى التاريخ الزمني للرواية ثابتاً، مثلاً الرقم 400 في الأمثلة السابقة، هو تقريبي بالطبع، ولكن منذ أكثر من 100 سنة ونحن نسمع الرقم 400 ثابتاً في الرويات، ولذلك يجب اضافة الـ 100 سنة عليه ليصبح 500 وبذلك نكون أقرب بالفعل للفترة الزمنية التي يمكن البحث فيها وفي وقائعها.. وهكذا في جميع الروايات ..

كما يجب استخلاص واستنتاج كل الأسماء الموجودة في الرواية من أسماء الأشخاص والأماكن والأحداث للبحث عنها في الكتب الخاصة بتلك الفترة وتلك الأمكنة والسجلات التي وثقت أحداث تلك المناطق، ليتمكن الباحث من ربط الرواية بموقعها التاريخي الصحيح.. وهو أمر متعب وشاق وطويل ويحتاج للمثابرة والتضحية والصبر والخبرة..

5- الرواية المتعددة:

اذا كان تاريخ هذه العائلة قديم، فمن الضروري أن تعدد الروايات، وفي هذه الحالة يجب تصنيف وتبويب هذه الروايات والتركيز على الأجزاء المتفقة والمتكررة في الروايات باعتبارها تخص العموم من هذه العائلة أو القبيلة، والأجزاء التي لا تتكرر فهي خاصة بعائلة دون أخرى، أو بفرع من العائلة دون الفروع الأخرى، والروايات المتعددة تكثر في مجتمع القبيلة لأنها تنقسم إلى عشائر والعشيرة تنقسم إلى عائلات وهكذا، وتعتبر الروايات المتعددة مهمة جدا في استكشاف واستقصاء تاريخ القبيلة ..

عيوب الروايات:

من عيوب الروايات العائلية، هو أن معظم الناس يحاولون غالباً إظهار المحاسن والمفاخرات وأخفاء المساوئ، ومن هنا قد يعمد البعض إلى طمس ما يعتبرونه سيئة من وجهة نظرهم مثلاً، واستبداله بشيء آخر "من عندهم" وقد يلجأ بعد الناس للتزييف رواية من أجل أهداف خاصة، وهذا يفقد الرواية مصداقيتها وتصبح غير صالحة للبحث ولا يعتمد عليها.

ومن عيوب الروايات أيضاً، أنها محفوظة في أذهان الناس ومنقولة بالاستماع، ومن هنا قد تتعرض للتآكل أو الفقدان والضياع، أو ضياع أجزاء منها مع مرور الزمن، لأن الرواية في الأصل تأخذ عن الأجداد وكبار السن، وربما يهمل كبار السن هذه الروايات ولا يهتموا بها، فمتوت بموتهم.. وكلما كانت أعمار رجال العائلة كبيرة كلما كانت رواياتهم دقيقة، بمعنى إن كان متوسط عمر الإنسان في عائلة ما 100 عاماً تكون رواياتهم أكثر دقة من عائلة أخرى متوسط عمر الفرد فيها 60 عاماً.. وهكذا..

أهمية الرواية في علم الأنساب ؛

رواية العائلة والعشيرة والقبيلة هي أهم ما يمكن للإنسان أن يعتمد عليها، في حفظ النسب وتوثيقه، وإن تجاهل رواية العائلة مضيعة للوقت وطريقة خاطئة، وعلم الأنساب أصلا اعتمد منذ نشأته على هذه الروايات فقام بتوثيقها، لأن القاعدة في ذلك هو أن الناس غالباً ما يحتفظون بجذورهم وبأسماء جدودهم وقبائلهم، ويرث الإنسان اسم قبيلته الأم أكثر من أن يرث سلسلة نسب كبيرة مترابطة، فكل جيل يحفظ بما لا يقل عن 7 أسماء مضاف لها اسم العشيرة والقبيلة، ومن هنا فإن الرواية العائلية الخاصة بالنسب هي أول خطوة يبنى عليها قواعد البحث والتقصي حتى يستكمل الباحث ملخصا تاريخيا يخص رواية عائلته.. ولذلك يجب أن تكون الرواية من مصادر موثوقة أي من رواة مشهورين بالصدق والشرف ومشهود لهم بذلك.. ومن هنا يجب الاستماع لعدد من الرواة كل على حدة حتى يتم مقارنة مصداقيتها وصحتها وقياسها مع الروايات الأخرى، وكلما كانت الرواية متمحورة حول مركز رئيسي لها، كانت أكثر دقة، مثل روايات أهل البادية فهم من أكثر الناس تعلقاً بذلك، وتعبر الرواية عند القبائل البدوية جزء اصيل لا يتجزأ من كيانهم وتاريخهم..

الرواية وتسمية النسب: إذا أوصلتك الرواية لنسب "قيس" على سبيل المثال، فهذا لا يعني أن كل من تسمى بقيس هو مرتبط بنسبك، فربما هناك عدة أنساب مختلفة كل منهم يتشابه في التسمية ولكن يختلف من حيث النسب، فنقول مثلاً؛ قيس بن طريف - وقيس بن مرة - وقيس بن هبيرة - وقيس بن مضر - وقيس بن ثعلبة - وقيس بن الغوث - وقيس بن مالك.. الخ.. لكنك وفق روايتك أن تنتسب إلى قيس، ولكن يجب عليك أن تعرف قيس هذا من فيهم بالضبط من خلال أجزاء أخرى من الرواية لتكون أكثر دقة، ولا يجوز أو لا يصح أن تبني روايتك على تشابه التسميات في الأنساب، ولا يصح أن تربط نسبك بنسب متشابه دون أن يكن بحوزتك دليل على وجود هذه العلاقة.

موسوعة الهلالي.. بقلم/ المؤرخ أبو إسماعيل الهلالي

              

بقلم/ المؤرخ

Abu Ismail al-Hilali

التاريخ بيت قديم، الأجداد يتهامسون فيه عن إرث مجيد والأحفاد يستمعون ويصغون لفهم الحياة

إرسال تعليق

{مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ }ق18

أحدث أقدم