من أميرات بني عامر بن صعصعة، وممن شاع صيتهن لدرجة التهويل والتضخيم حتى الأساطير، وبعيدا عن هذه الأهوال نطرح اليوم بعض ما تغنى به العرب وأسهبوا فيه من حكايات كانت تهدف على الدوام إلى بناء الفكر والقوة وصقل الإنسان العربي بكل أشكال وصور الذكاء والتضحية والفداء والتحدي والثبات على الحق..
فمن الأميرات العامريات اللواتي كان لهن ذكر تاريخي بين شعاب العرب، وحضور أدبي وشعبي في بيوتات القبائل والعشائر، وصيت واسع ومهول في التراث والثقافة العربية نذكر لكم :
1) الأميرة فاطمة بنت مظلوم بن الصحصاح بن الحارث الكلابي العامري
2) الأميرة الجازية بنت سرحان بن علي بن وبرة الدريدي الهلالي العامري.
ورد ذكر اسم الأميرة فاطمة والتي عرفت واشتهرت بلقب (ذات الهمة) أو دلهمة، وابنها الفارس عبد الوهاب وذاع صيتهما في بلاد الشام وكان لهما دورا بطوليا بارزا في قتال الروم البيزنطيين، فكانت هذه الأميرة من أميرات قبيلة بني كلاب العامرية، ولها سيرة متحفة بالقصص والحكايات الشعبية انتشرت انتشارا واسعا في بلاد الشام عامة وسوريا وفلسطين خاصة، وهي سيرة بني كلاب التي هي أشبه تماماً لفصول السيرة الهلالية وكلتيهما من تراث وتاريخ قبائل بني عامر بن صعصعة، القصة بالطبع يدخل فيها التهويل والتضخيم ولكن الصحيح والثابت بأن بني كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة قبيلة مشهود لها بالفروسية والبأس الشديد ومجاهدة الروم على ثغور الشام مرارا وتكرارا وكانت قبيلة بني كلاب هم أسياد الفروسية في الشام وأبطال المعارك وقد جاء الكثير عن ذلك في كتب التاريخ العربي والإسلامي، وليس هذا فحسب فهم أيضاً فرسان في العصر الجاهلي وكلاب هذا هو ابن أخ هلال بن عامر القبيلة التي لها نفس الصيت والشهرة في المعارك البطولية، تدور وقائع سيرة بني كلاب في سوريا وفلسطين على عدة جبهات الجبهة الأولى قتال الروم البيرنطيين الذين تكثر هجماتهم في شمال سوريا بالقرب من الثغور الإسلامية على حدودها مع دولة الروم البيزنطيين، والجبهة الثانية على الثغور الساحلية في جنوب سوريا وخاصة فلسطين التي تعرضت لهجمات صليبية، والجبهة الثالثة مواجهة الغزو التتري المغولي الزاحف من الشرق، ففي هذه الجبهات الثلاثة واصلت القبائل العربية القتال من مرحلة إلى أخرى، كان لبني كلاب دورا كبيرا فيها مثل دور بني هلال في المغرب، هذه الحروب المتكررة ساهمت اسهاماً كبيرا في امداد هذه السيرة بجملة كبيرة من المعارك اضيف إليها أسلوب ملحمي أسطوري بلغ حد الخرافة، وهو الجانب الذي لا ننظر له نحن وفق منهجنا البحثي التاريخي التراثي، ولكن ما يهمنا في هذا الجانب هو الأساس أو البذرة أو النواة التي تجمعت حولها الأساطير، فالنواة هي حقيقة تاريخية من حقائق التاريخ العربي لا أحد يستطع انكارها، فقدر روى المؤرخ فضل الله العمري في كتابه :
" وبني كلاب من عرب الشام، كانوا على أطراف حلب والروم، ولهم غزوات معلومة، وغارات لا تعد، ولا تزال تباع بنات الروم وأبناؤهم من سباياهم، وهم أي بني كلاب يتكلمون بالتركية ويركبون الأكاديش وهم عرب غز ورجال حروب وأبطال جيوش، ولإفراط نكاياتهم في الروم صنفت السيرة المعروفة بدلهمة والبطال منسوبة إليهم أي لبني كلاب وفيها من ملح الحديث"
ومثل شهرة فاطمة الكلابية هناك الجازية الهلالية إمرأة صاحبة رأي ومشورة وقيادة أيضاً، والتي ورد ذكرها في السيرة الهلالية التي انطلقت من المشرق إلى المغرب، ومن الجدير ذكره أن أحداث بني كلاب في الشام وأحداث بني هلال في افريقيا متقاربة من الناحية التاريخية فكلاهما في القرن الرابع والخامس الهجري أي في عهد الخلافة العباسية التي انقسمت فيها أحوال العرب إلى امارات ودويلات، والجازية أم محمد هي أخت الأمير حسن بن الأمير سرحان الهلالي.
تشترك كل من الأميرة ذات الهمة فاطمة الكلابية والأميرة الجازية الهلالية في صفات مشتركة منها:
حب الفروسية وتشجيع الفرسان على المبارزة والقتال والصبر، والحكمة في الرأي والاستقلالية في القرار، والتضحية وتحمل الشدائد والمصاعب في أصعب الظروف وهي الحرب، ومشاركة الرجال أصعب المهمات وهي قرارات الحرب وخوض المعارك ورفض الهزيمة، والاصرار على احراز الانتصارات الساحقة، وادارة الأزمات ووضع الخطط الاستراتيجية في كل وقت ووفق كل مرحلة..
هذه القصص جزء من التراث الشعبي للعرب، كانت تدور على ألسنة العامة في العصور التاريخية وخاصة قبل عهد الاستعمار الأوربي الحديث..
المراجع
- مسالك الابصار في ممالك الأمصار، للعمري، ج4
- البطولات العربية والذاكرة التاريخية، د. نبيلة ابراهيم، 1995م
- الأميرة ذات الهمة أطول سيرة عربية في التاريخ، شوقي عبد الحكيم