من قصائد العرب

 

من أروع القصائد العربية، أن تخاطب قومك بما يصلح الأمور بينهم، ويستنهضهم، ويثير فيهم العاطفة الغريزية والفطرة الطبيعية التي وجدت في العرب دون غيرهم من الأمم، وهم أي العرب الأصلاء من طباعهم وأخلاقهم التي جبلوا عليها، لديهم قدرة كبيرة في التسامح بينهم، وهذا ما أثبته كثير من الرحالة والمستشرقين والباحثين في التاريخ وعلم الإجتماع، وقد لمسوا هذه الخصائص النبيلة فيهم، فهم دون غيرهم من الأمم، لديهم قدرة كبيرة على التسامح والعفو وقبول الاعتذار عن أي خطأ ومهما كان نوعه وحجمه، فقد قبل العرب أن يعفو عن ممن قتل أبنائهم، وقبل العرب حماية الطنيب والدخيل وإن كان هو نفسه القاتل، تلك الصفات الأخلاقية النبيلة لا تجدها في أمة غير هذه الأمة، ولكن من فقد أخلاقه فقد أصله كما يقولون، تعالوا بنا لنسمع من كلام العرب هذه القصيدة الأجتماعية التراثية الرائعة..

بقلم/ حسين عتريس...

قومي وإن جاروا عليّ كرامُ

بـني جـلـدتي لا لن أكون بـحـاقـدِ

ولست لدارٍ من جدودي بزاهدِ

كظمتُ لكم غيظي وقلبي مسامـحٌ

ورغم صروف الدهرِ غدرِ المكائدِ

ومهما إهـابي قـد تلقّى فقدْ عـفـا

فؤادي، فوجدي من مشاربِ عــــابدِ

وعشقي َتسمّى بي هواه الجزائرُ

وتشْرُدُ في صحارِ عشقي قصائدي

كتمتُ الجوى رمزا بشعـرٍ لـمادحٍ

تقطّرَ من قلبي دما منهُ شاهـــــدي

وراعفُ، كابدتُ الهوى نزْفهُ ضحىً

كأنّ الحشى مَشْوى و نادلها يــــــــدي

وراجفُ ليلي في حِمامٍ منَ النوى

وترياقُ طبٍّ ليس حَقْنا بواجــدِ

وجرّبتُ دهرا قد سكونٌ للـوعتي

فلا الخمرُ أنشاني و لا صحوُ واجدِ

أنادي بوصـلٍ ما حـيـيـتُ ببلدتي

أناجي و همّي قربُ ليلى و معبدِ

فليلى، وسلوانُ الشريدِ بوحشةٍ

و أُخْرايَ تذكي عود طيبٍ لمشهـــــدِ

فكــان عــناقا من حروفٍ ثـلاثــةٍ

و صيغتْ لها لامٌ و همزٌ و سيّدي [1]

و نرجستي للـ"كهفِ صالحَ"* روضها

رواها رضابٌ من خيولِ محــــمدِ [2]

فذاك عليٌّ قدْ إنطوى لهُ ســهـلـها

و خلفهُ زهْرٌ بالحواضِرِ قد نَــــدِي

ينابـيع خـيرٍ من زلالٍ لأخـضـرٍ

و" عين ابْنِ سبعٍ"* بَرْدُ ريٍّ لواردِ

"رماده"* سهوبٌ، زرعُ جدٍّ ووالدي

بها في حنينٍ للأراضي و مولـــــدِ

وفي قول لفظٍ من حديثٍ لأرضنا

وسَـمْـنَاهُ كامْتَـدّتْ بفـتـحٍ مُـعـبـّدِ [3]

فـلا غـنَــجٌ يـأوي دَلالا تحـرّكــنْ

وللأفْـقِ امـتـدادٌْ للّــهـاةِ المــردِّدِ

وفي كنْف ضادٍ ريّـُنا في لسانـنـا

كأمــر الـذي حُـرّا طــليقا يُـسدَّدِ

فلا غَـبْـنُ أنثى أو مـذكّـرِ عنــدنــا

كمـثـل شـهودٍ، جمعُـهُـنّ بواحـدِ [4]

فهذا الجـَوى ما زال فــيَّ و قلبــيَ

يرتّلهُ كل الوفاء لـمـوعــــــــــــــدي

فذي حامَةٌ [5] إكليلها من مآثرِ الـــــشّهيد بها، أنعمْ بهِ اسْمٌ لرائــــــــدِ

و جنّاتها أغرت بإسمٍ [6] يلاصقنْ

كوشمِ اغتصابٍ من فرنسا المعتدي

------

[1] كلمة " الله" المكونه من ألف و لام و هاء، و الهاء دالة عليه من ضمير "هو" في عديد من آيات القرآن مثل (الله الذي لا إله إلاّ هو...)

[2] تروي الأسطورة المحلية أن عليّا مر بقرب " كاف صالح" فلما ولغ حصان علي بتربها

[3] نبتت زهرة النرجس المعروفة بإسم "برلّي" بالحامة و بـ" بلّيري" بمدينة قسنطينة

[4] كما لهم نزع إلى مخاطبة الجنسين بخطاب واحد مرة يؤنث المذكر و أخرى يذكر المؤنث.

[5] حامة بوزيان، و بوزيان أحد شهداء المدينة ضد المحتلّ الفرنسي.

[6] أعطى لها المستعمر الفرنسي إسم حامة بليزانس أي المشتهاة.

(بقلم / حسين عتريس- أكاديمي وكاتب جزائري).. ديوان العرب ..

              

بقلم/ المؤرخ

Abu Ismail al-Hilali

التاريخ بيت قديم، الأجداد يتهامسون فيه عن إرث مجيد والأحفاد يستمعون ويصغون لفهم الحياة

إرسال تعليق

{مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ }ق18

أحدث أقدم