الشعر الجاهلي ينسف رواية النسب

الشعر الجاهلي ينسف رواية النسب 
مَوْسُوعَةُ الْهُلًاْلِيُّ- 
الشعر الجاهلي ينسف رواية النسب حول بعض القبائل العربية القديمة، ولا يخفى على أحد أن الشعر الجاهلي مصدر رئيسي ومهم لروايات نسب القبائل العربية، وهو أولى بالاهتمام والاعتماد عليه في هذا الأمر لأنه يعتبر مصدرا أولياً ورئيسياً لأنساب العرب وهو أقدم بكثير من الروايات المتأخرة والتي بدأت في عام 200هـ، بينما الشعر الجاهلي هذا كان يمثل حقيقة العرب قبل أن تهظر فيهم الإختلافات السياسية والحزبية والقومية، ولذلك فهو مهم جداً ، ما لم يقع فيه من أخطاء التصحيف والتحريف أثناء أعمال النسخ والطباعة والتوثيق والتدوين..

قال النابغة الذبياني توفي سنة 604م 

وإن يرجع النعمان نفرح ونبتهج ... ويأت معدا ملكها وربيعها

ويرجع إلى غسان ملك وسؤدد ... وتلك المنى لو أننا نستطيعها

وإن يهلك النعمان تعر معية ... ويلق إلى جنب الفناء قطوعها

ومن قصيدة النابغة نفهم ونعرف أن الغساسنة من معد، وقد كانوا ملوك الشام في زمنه، أي أن بني غسان من القبائل العدنانية 

وقال الأخنس التغلبي توفي سنة 552م

لِكلِّ أُناسٍ من مَعَدٍّ عِمارَةٌ = عَرُوضُ إِليها يَلْجَؤُونَ وجانِبُ

لُكَيْزٌ لها البَحْرَانِ والسِّيفُ كُلُّهُ = وإِنْ يأتِهَا بأسٌ منَ الهنْدِ كارِبُ

تَطَايَرٌ عن أَعْجازِ حُوشٍ كأَنَّها = جَهَامٌ أَرَاقَ ماءَهُ فهو آئبُ

وبَكْرٌ لها ظَهْرُ العِرَاقِ وإِنْ تَشَأَ = يَحُلْ دُونَها منَ اليمامَةِ حاجبُ

وصارتْ تَمِيمٌ بينَ قُفٍّ ورَمْلَة = لها مِنْ حِبال مُنْتَأًى ومذَاهِبُ

وكَلْبٌ لها خَبْتٌ فَرَمْلَةُ عَالِجٍ = إِلى الْحَرَّةِ الرَّجْلاَءِ حَيثُ تُحارِبُ

وغَسَّانُ حَيٌّ عِزُّهُمْ في سِوَاهُمُ = يُجَالِدُ عَنْهمْ مِقْنَبٌ وكتَائِبٌ

وبَهْرَاءُ حَيٌّ قد عَلِمْنا مكانَهمْ = لهم شَرَكٌ حَوْلَ الرُّصَافَةِ لاَحِبُ

وغارتْ إِيَادٌ في السَّوَادِ ودُونَها = بَرَازِيقُ عُجْمٌ تَبْتَغِي مَنْ تُضَارِبُ

ولَخْمٌ مُلُوكُ النَّاسِ يُجْبَى إِلَيْهُمُ = إِذَا قالَ منهم قائِلٌ فَهْوَ واجِبُ

ونحن أُناسٌ لا حِجَازَ بأَرْضِنا = مع الغَيْثِ ما نُلْقَى ومَنْ هو غالِبُ

تَرَى رَائِدَاتِ الخيلِ حَوْلَ بُيُوتِنا = كَمِعْزَى الحِجَازِ أَعْجَزَتْها الزَّرَائِبُ

فيُغْبَقْنَ أَحْلاَباً ويُصْبَحْنَ مِثلَها = فَهُنَّ منَ التَّعْدَاءِ قُبٌّ شَوَازِبُ

فوَارسُها مِنْ تَغْلِبَ ابْنةِ وائلٍ = حُماةٌ كُمَاةٌ ليسَ فيها أَشَائِبُ

ومن قصيدة الأخنس نفهم ونعرف أنه يتحدث عن التوزيع الجغرافي لقبائل معد الذي يفخر بها ويمدحها وهي :

بني لكيز وبني بكر وبني تميم وبني كلب وبني غسان وبني بهراء وبني إياد وبني لخم وبني تغلب وكلها قبائل تنتسب إلى معد بن عدنان من العرب العدنانية، وصدق والله الشاعر في ذلك ..

وقال الشاعر جميل بن معمر (وهو من شعراء العصر الأموي)توفي سنة 701م 

برزنا وأصحرنا لكل قبيلة ... بأسيافنا إذ يؤكل المتضعف

فأي معد كان فىء رماحه ... كما قد أفأنا والمفاخر منصف

ونحن منعنا يوم أود ذمارنا ... ويوم أخي والأسنة ترعف

وهنا الشاعر جميل يفاخر بقومه وفروسيتهم بأنهم من رؤوس بني معد (العدنانية) وهو منصف في ذلك الوصف.. كما أنه مؤيدا لما ذكره سلفه من شعراء العصر الجاهلي، وأنه يبدو عارفا بجذور قبيلته القديمة..

وقال جميل بن معمر أيضاً

أَنا جَميلٌ في السَنامِ مِن مَعَد

في الذُروَةِ العَلياءِ وَالرُكنِ الأَشَد

وَالبَيتِ مِن سَعدِ بنِ زَيدٍ وَالعَدَد

ما يَبتَغي الأَعداءُ مِنّي وَلَقَد

أُضرِيَ بِالشَمِّ لِساني وَمَرَد

أَقودُ مَن شِئتُ وَصَعبٌ لَم أُقَد

نلاحظ هنا أن الشاعر جميل يؤكد على نسب قبيلته بأنهم من رؤوس بني معد وأن قبيلته الذي ينتسب لها الشاعر هي بني سعد بن زيد..وهم من القبائل العدنانية..

ومن خلال القصائد السابقة نلخص اذا القبائل العدنانية التي غيرت العرب أنسابها فيما بعد وهي:

غسان ولخم وجذام وقضاعة وبهراء وجهينة ونهد فهذه هي قبائل من معد من العدنانية حسب رواية شعراء العصر الجاهلي وهذا هو الرأي الصواب والذي يجب اعتماده في النسب، لكن هذه القبائل تحزبت فيما بعد وخاصة في العصر الأموي وكونت حزب العرب اليمانية وغير رجال السياسة مصطلح الأنساب الخاص بهم .. وقد اعترف وأقر بذلك كثير من علماء الأنساب والمؤرخين الذين عاصروا الدولة الأموية.. ومن الأمثلة على ذلك ما قاله:

 محمد بن حبيب (المتوفي سنة 245هـ) : إنما فسد نسب قضاعة بالحرب التي كانت بين الشام أيام حميد بن حريث وعمير بن الحباب، وذلك أن خالد بن زيد بن معاوية كان مخالفا على بني مروان ومن ينصرهم ومتعصبا عليهم، فقال لأخواله من كلب وهم سادة قضاعة: أطيعوني وكان فيهم مطاعا، وحالفوا اليمن وانتسبوا إليهم فأنكم تذلون ملك بني مروان، ومن ينصرهم من قيس غيلان فأطاعه بعضهم وعصاه آخرون، وكان بعضهم يقول: حالفنا اليمن وبعضهم يقول: نحن منهم، قال الشاعر:

زعمت قضاعة إنها من حمير ... جدع الاله قضاعة أنف الكاذب(*) وقد ذكر هذا النص معظم علماء الأنساب في كتبهم.

المراجع**

1- ديوان النابغة الذبياني 

2- شعر الأخنس بن شهاب التغلبي، مجلة اتحاد الجامعات العربية للآداب، عدنان محمود عبيدات، المجلد4، العدد1 سنة 2007م

3- ديوان جميل بن معمر

4- (*) التعريف بالأنساب والتنويه بذي الأحساب، الأشعري، ص76

              

بقلم/ المؤرخ

Abu Ismail al-Hilali

التاريخ بيت قديم، الأجداد يتهامسون فيه عن إرث مجيد والأحفاد يستمعون ويصغون لفهم الحياة

إرسال تعليق

{مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ }ق18

أحدث أقدم