مصطلحات بحرف القاف

مصطلحات بحرف القاف

تعريف لبعض المصطلحات والمفاهيم العربية والإسلامية التي تبدأ بحرف القاف، المصطلحات كثيرة ومتنوعة وسوف أتناول منها عدة مصطلحات في مقالات منفصلة، وفي هذه المقالة أنقل للقراء هذه المصطلحات الخمسة القافية والقانون والقبض والقبلة والقدم..

 ١ - القافية

اصطلاحاً: هى الحروف التى تبدأ بمتحرك قبل أول ساكنين فى آخر البيت الشعرى وهى إما بعض كلمة أو كلمه، أو كلمة وبعض أخرى أو كلمتان.

علم القافية: هو علم يعرف به أواخر الأبيات الشعرية من حيث ما يعرض لها من حركة وسكون، ولزوم وجواز، وفصيح وقبيح. فهذا العلم يبحث فى حروف القافية وحركاتها، وما يجب لها من لوازم، وما يعرض لها من عيوب.

وقد يتبادر إلى الذهن أن الخليل بن أحمد هو واضع علم القافية كما يعتقد الكثيرون وصرح به بعضهم لكن الصحيح أن علم القافية معروف لدى العرب من قديم الزمان ومنذ العصر الجاهلى.

ووضع العلم يكون باختراع مصطلحاته وأسمائها وطريقته كما فعل الخليل بفن العَروض.

أما القافية فكانت جميع مصطلحاتها معروفة لدى العرب قبل الخليل بقرون.

قد تكون القافية كلمة مثل قول الخنساء:

يذكرنى طلوع الشمس صخرا وأذكره لكل غروب شمس

فكلمة "شمس" هى القافية أو جزء من كلمة مثل "وانى" من قول شوقى:

دقات قلب المرء قائله له إن الحياة دقائق وثوانى

فالقافية هى "وانى" وهى جزء من كلمة "ثوانى"

وقد تجىء القافية كلمه وبعض أخرى مثل "ةَ الأمل " من قول الشاعر:

الجَد فى الجِد والحرمان فى الكسل فانصب تصب عن قريب غاية الأمل

* وقد تكون كلمتين مثل قول الشاعر:

أبشر بخير عاجل تنسى به ما قد مضى

فالقافية هى "قد مضى" وهى كلمتان.

أ. د/ محمد سلام

٢ - القانون

اصطلاحاً: هو أحد ضوابط سلوك الإنسان فى حياته، وهو مع قواعد الدين والأخلاق يمثل منظومة لتحديد الحقوق وبيان الواجبات. لذا من المستقر عليه أن القانون يتكون من مجموعة من القواعد العامة المجردة التى تنظم العلاقات الاجتماعية، ولكنه يختلف عن القواعد الأخرى فى أنه ملزم أى يتعين على الأفراد أن ينفذوه، كذلك فإن الدولة تكفل هذا التنفيذ عن طريق جزاءات تفرضها على المخالف.

من هنا نجد أن القانون يتمثل فى قواعد ومبادئ، ومن صفات القاعدة: العموم والتجريد، بمعنى أنها تطبق على كل أفراد الجماعة دون تمييز بين فرد وآخر، كما تطبق على كافه الحالات التى تستدعى لحكمها دون فارق بين حالة وحالة أخرى.

والقانون يرتبط بالمجتمع، بل يرتبط بالسلوك الخارجى للفرد فى الجماعة، ولا يحاسب القانون على مشاعر كامنة فى النفس مهما كانت منحطة وإنما يحاسب على ما يخرج عن الإنسان من أعمال. لذا هو ينظم العلاقات الإجتماعية، ويضبط سلوك الإنسان فى علاقته بالآخرين حتى لا يعتدى أحد على أحد، ولا يظلم أحد أحداً.

ومن الملاحظ هنا أن دائرة ما ينظمه القانون من علاقات تضيق وتتسع وفقا لظروف الزمان والمكان، مع تطور ما يقدم بين الناس من علاقات. لم تعد دائرة العلاقات الإجتماعية كما كانت من قبل تقتصر على عمليات بيع وشراء محدودة وإنما اتسعت الدائرة، وصار الإنسان يمارس تصرفات يوميه، مع وسائل للنقل، ومع مصانع ومتاجر ضخمة ومع أناس من أجناس وجنسيات مختلفة، والقانون يحيط بكل هذه التصرفات ولحكمها مُطوراً لأساليب وتنظيمات تتفق معها. ومن ثم فهناك قانون للعلاقات الخارجية للدول، هو القانون الدولى- كان ينظم سلوك الحكام والملوك أساسا بقواعد تراعى أهميتهم عندما يتعاملون مع غيرهم ولكنه اتسع الآن لينظم البحار والمحيطات والفضاء والأجرام السماوية، وينظم كذلك قواعد المسئولية التى تتحملها الدول من جراء أى أفعال أخرى تصيب بها الغير. كذلك وجدت أجهزة ومنظمات دوليه تختص بتطبيق هذا القانون كالأمم المتحدة وما بها من جهاز تتفيذى هو مجلس الأمن، وجهاز تشريعى هو الجمعية العامة للأمم المتحدة، وجهاز قضائى هو محكمه العدل الدولية. أما ما يحكم العلاقات الداخلية للأفراد، فهو كمٌّ متنوع من القوانين يقف على رأسها القانون المدنى وهو الذى يحكم الفرد ويبين حقوقه وواجباته. نجد فى داخل هذا القانون تنظيماً للملكية، كيف تكتسب وما حقوق الفرد عليها، وكيفية التصرف فيها. ونجده يحكم مختلف العقود التى تتم بين الأشخاص كعقود العمل والإيجار والتأمين والبيع. وهناك القانون التجارى الذى يحكم علاقات التجار، وقواعد التجارة الداخلية والخارجية والأوراق التجارية والبنوك، إلى غير ذلك من أحكام. كما أن من فروع القانون كذلك ما يحكم علاقات الدولة كسلطة ذات سيادة بالأفراد، كالقانون الدستورى والقانون الإدارى والقانون الجنائى، والقانون المالى، وكل هذه الفروع يطلق عليها القانون العام، فى مقابل القانون الخاص والذى يدخل فى دائرته القانون المدنى والتجارى، والقوانين التى تنظم الأحوال الشخصية إلى غيرها.

وأهم صفه تميز القانون عن قواعد السلوك الأخرى كالعادة والأخلاق هى صفة الإلزام المقررة للقواعد والتى تكفلها الدولة بتوقيع جزاء مادى على من يخالف القاعدة. وهذا الجزاء يختلف باختلاف القاعدة التى تخالَف وتتدرج من عقوبة الإعدام التى تفرض على من يقتل نفسا إلى عقوبات المخالفة والتى تفرض غرامة مالية على المخالف. كذلك توجد جزاءات على من يخالف قواعد القانون الإدارى كالفصل من خدمة الحكومة أو الخصم من المرتب.

ويهمنا أن نشير هنا إلى أن الشريعة الإسلامية والفقه الإسلامى قد تكفلا بالمهمة التى يقوم بها القانون فى النظم الحديثة. ويعالج الفقه الإسلامى كل أنواع البيوع التى عرفت بعد ذلك، كما يعالج العقود الأخرى بتفاصيل واسعة ولا يهمل الفقهاء التعرض لقواعد الملكية والعمل، وإنما يستعمل فقهاء الشريعة مصطلحات أخرى. فعلم السياسة الشرعية يتضمن كافة القواعد والنظم الخاصة بنظام الحكم- أى القواعد الدستورية والإدارية- كما أن الفقه يعالج القانون الجنائى فى فقه عميق يتصل بدراسة الحدود والتعازير. وهناك دراسات وافية عن مصادر إيرادات الدولة وقواعد إنفاقها أى القانون المالى، وهكذا نجد الإسلام عقيدة وشريعة.

ويستخدم مصطلح "القانون الإسلامى" فى الوقت الحاضر ليشمل التنظيمات التى يضعها الإسلام والفقه على الخصوص للمعاملات خاصة فى الأكاديميات والكليات والأماكن التى تدرس الشريعة فى العديد من البلاد الغربية.

أ. د/ جعفر عبد السلام

٣ - القبض

اصطلاحاً: " القبض "- ويقابله " البسط " هما من مصطلحات الصوفية، وهما من " الأحوال " عندهم "والحال " هو معنى يرد على القلب من غير تعمد ولا اجتلاب ولا اكتساب- من طرب أو حزن أو بسط أو قبض أو شوق أو انزعاج- فالأحوال "مواهب " فى حين أن "المقامات " مكاسب- أى تحصل بالاكتساب. والفرق بين الأحوال والمقامات أن الأحوال صغيرة غير ثابتة، أما المقامات فهى مستقرة.، والقبض " يكون بعد ترقى العبد عن حال الخوف ".

كما أن "البسط " يكون بعد ترقى العبد عن حال "الرجاء".

"والخوف " والرجاء" إنما يتعلقان بالمستقبل، كالخوف من فوت ما يحب أو وقوع ما يكره-وكالرجاء فى الحصول على ما يحب والنجاة مما يكره.

أما " القبض والبسط " فيتعلقان بالوقت الحاضر؛ فصاحب القبض والبسط أسير لوقته الحاضر بوارد غلب عليه فى الحال. ويشبه "القبض " إلى حد ما، ما يعرف فى عصرنا هذا بـ "الاكتئاب"- إلا أنه قد يكون شاملاً لأن الوارد الذى نشأ عنه القبض قد استغرقه تماما؛ وقد يكون غير مستغرق له، فيعبر عنه بأنه "غير مستوف ". وكذلك البسط، فقد يكون "مبسوطا" منشرح الصدر بحيث لا يؤثر فيه شىء من الأشياء، وقد ينشرح صدره لبعض الأشياء دون بعض. وأحيانا لا يعرف سبب القبض؛ فيجد المرء فى قلبه قبضا لا يدرى ما هو سببه، وعليه حينئذ التسليم حتى يمضى ذلك الوقت؛ لأنه لو تكلف نفى هذا القبض بإرادته زاد فى قبضه، بل قد يعد ذلك منه سوء أدب، أما إذا استسلم لما حل به فعن قريب يزول القبض، فالله هو الذى "يقبض ويبسط".

وقد استعاذ شيوخ الصوفية من القبض والبسط- يروى عن "الجنيد" أنه كان يقول: "الخوف من الله يقبضنى، والرجاء فيه يبسطنى، والحقيقة تجمعنى، والحق يفرقنى- إذا قبضنى بالخوف أفنانى عنى، وإذا بسطنى بالرجاء ردّنى علىّ، وإذا جمعنى بالحقيقة أحضرنى، وإذا فرقنى بالحق أشهدنى غيرى، فغطأنى عنه؛ فهو تعالى فى ذلك كله محركى غير ممسكى، وموحشى غير مؤنسى، فأنا بحضورى أذوق طعم وجودى؛ فليته أفنانى عنى فمتعنى، أو غيبنى عنى فروّحنى.

أ. د/ صفوت حامد مبارك

4- القبلة

لغة: الجهة، يقال: ما لكلامه قبلة. جهة. وأين جهتك؟.

واصطلاحا: التوجه إلى الكعبة فى الصلاة، لأن المسلمين يستقبلونها فى

صلاتهم (١). وقد جعل الله التوجه إليها شرطا يجب على المصلى الإتيان به وإلا بطلت صلاته قال تعالى {فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره} البقرة:١٤٤.

والحاضر بالمسجد الحرام يجب عليه أن يستقبل الكعبة ذاتها والذى يقيم بعيدا عنها عليه أن يستقبل جهتها لأن هذا هو المستطاع له، وقد يسر الله على عبادة كل ما يتصل بعبادتهم فعن أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "ما بين المشرق والمغرب قبلة" وهذا بالنسبة لأهل المدينة ومن جرى مجراهم كأهل الشام والجزيرة والعراق.

وأما أهل مصر فقبلتهم بين الشرق والجنوب، وأما أهل اليمن فالمشرق عن يمين المصلى والمغرب عن يساره، وأهل الهند، المشرق يكون خلف المصلى والمغرب أمامه وهكذا، ويستعان فى معرفة الاتجاه نحو الكعبة فى كل مكان ببيت الإبرة (البوصلة)، وإذا لم يتمكن المصلى من تحديد الاتجاه

الصحيح نحو الكعبة بسبب غيم مثلا فعليه أن يسأل ويجتهد، فإذا فعل ذلك وأخطأ، فلا يعيد صلاته، وإذا تبين الخطأ أثناء الصلاة صار إلى الصواب وهو فى صلاته ولا يقطعها، فعن بن عمر رضى الله عنهما قال: بينما الناس بقباء فى صلاة الصبح إذ جاءهم آت فقال: إن النبى صلى الله عليه وسلم قد أنزل عليه قرآن، وقد أمر أن يستقبل الكعبة، فاستقبلوها وكانت وجوههم إلى الشام فاستداروا إلى الكعبة ولا يسقط شرط استقبال القبلة الا فى الحالات الآتية:

١ - صلاة النفل للراكب فقبلته حيث اتجهت وسيلة سفره من دابة أو سيارة أو طائرة فعن عامر بن ربيعة قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى على راحلته حيث توجهت به". رواه البخارى ومسلم، وزاد البخارى: يومى، والترمذى: ولم يكن يضيف فى المكتوبة وعن أحمد ومسلم والترمذى: أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يصلى على راحلته وهو مقبل من مكة إلى المدينة حيثما توجهت به، وفيه نزلت {فأينما تولوا فثم وجه الله} البقرة:١١٥.

٢ - صلاة المكره والمريض والخائف، إذا عجروا عن استقبال القبلة لأن النبى صلى الله عليه وسلم قال "إذا أمرتكم بأمرفأتوا منه ما استطعتم" وفى قوله تعالى {فإن خفتم فرجالا أوركبانا} البقرة:٢٣٩.

قال ابن عمر رضى الله عنهما: مستقبلى القبلة، أوغيرمستقبلها. (رواه البخارى).

وإذا كان التوجه إلى القبلة يحقق للأمة هذا التوحد، فإنه يحقق لها. أيضا هذا التواصل مع أنبياء الله ورسله حيث كانوا يتوجهون إلى الكعبة المشرفة، ولذلك لما أمر النبى صلى الله عليه وسلم بالتوجه إلى بيت المقدس كان منه السمع والطاعة وكانت اختبارا للناس فى حسن الاستجابة لأمر الله عز وجل فى سائر الأحوال، وعلى السمع والطاعة من النبى صلى الله عليه وسلم والمؤمنين.

كانت الرغبة مع الرجاء فى أن يحقق الله لهم التوجه إلى أول بيت وضع للناس، فاستجاب الله وحقق الرجاء، وأمر بالتوجه إلى القبلة التى يرضاها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصار الحال إلى ماحكاه ابن عباس، وذكره البغوى: "البيت قبلة لأهل المسجد، والمسجد قبلة لأهل الحرم، والحرم قبلة أهل المشرق والمغرب" وهو قول مالك رحمه الله.

وفى الصحيحين عن البراء بن عازب رضى الله عنه قال "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى نحو بيت المقدس ستة عشر شهرا وكان

يحب أن يوجه إلى الكعبة" فأنزل الله عز وجل: {نرى تقلب وجهك فى السماء} البقرة:١٤٤.

فتوجه نحو الكعبة، وقال السفهاء من الناس {ما ولاهم عن قبلتهم التى كانوا عليها} البقرة:١٤٢.

فقال الله تعالى {قل لله المشرق والمغرب يهدى من يشاء إلى صراط مستقيم} البقرة:١٤٢.

أ. د/محمد رأفت سعيد

5- القِدَم

لغة: قدم القوم يقدمهم قدما وقدوما: سبقهم، قدم الشىء قدما وقدامة: مضى على وجوده زمن طويل فهو قديم. والقدم: اسم من القديم، يقال وكان ذلك قدما "، والقدم من أسماء الزمان. ومن أسماء الله تعالى المقدم: ومعناه هو الذى يقدم الأشياء ويضعها فى مواضعها فمن استحق التقديم قدمه. والقديم على الإطلاق الله عز وجل، والقدم: نقيض الحدوث. القدم والقدمة: السابقة فى الأمر، ففى التنزيل:} وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم {(يونس ٢). أى سابق خير وأثرا حسنا. والقديم: ما توالت على وجوده الأزمنة ومنه قوله:} حتى عاد كالعرجون القديم {(يس ٣٩).

واصطلاحاً: عند المتكلمين: يطلق على عدم أولية الوجود، والقديم: ما لا أول لوجوده أى أن وجوده أزلى لا بداية له، ولم يسبقه عدم، والقدم بهذا المعنى هو الثابت لله عز وجل.

والقدم من الصفات السلبية التى تسلب أى تنفى أى نقص لا يليق بذاته المقدسة، وهذه الصفات هى: "الوحدانية- القدم- البقاء- المخالفة للحوادث- القيام بالنفس". والقدم يعنى أنه سبحانه وتعالى لا أول لوجوده، وأن وجوده سبحانه ليس مسبوقا بشىء، بل ليس مسبوقا بالعدم ذاته، لأنه لو كان مسبوقا بعدم لكانت هناك بداية زمانية لوجوده، لكنه سبحانه قبل الزمان وما الزمان إلا بعض فعله وخلقه.

والقدم ينقسم إلى ثلاثة أقسام:

(أ) قدم زمانى؛ وهو وجود الشيء فى الزمن الممتد فى الأزل اللانهائى، وعلى توالى أزمنة وجود الشىء، فالقديم هو ما توالت على وجوده الأزمنة، وكر عليه الليل والنهار، ومنه قوله:} كالعرجون القديم {(يس ٣٩). وبهذا الاعتبار يقال أساس قديم وبناء قديم.

وإطلاق القدم بهذا المعنى مستحيل فى حق الله تعالى لأن وجوده تعالى ليس زمانيا، ووجوده لم يتغير بالزمان كالحوادث. والزمان من صفات المحدث، فلو كان وجوده تعالى زمانيا لكان حادثا ضرورة.

(ب) قدم إضافى. أى قدم الشىء بالنسبة إلى شىء حادث آخر كقدم الأب بالنسبة للابن.

(جـ) قدم ذاتى، وهو عدم الاحتياج إلى الغير فى الوجود أو عدم افتتاح الوجود أو عدم الأولية للوجود وهو المراد هنا وهو الذى يصح وصف الله تعالى به، وبذلك يكون معنى القدم: عدم أولية الوجود، فوجوده سبحانه لا أول له أى لم يسبق وجوده بعدم، فالأول هو قبل كل شىء بلا بداية، والآخر هو بعد كل شىء بلا نهاية.

وقد ثبت بالدليل أن العالم كله، أرضه وما عليها، وسماءه وما فيها حادث ومخلوق وأنه محتاج إلى مُحْدِث وخالق، وخالق هذا العالم ومحدثه هو الله عز وجل.

وإذا كان ذلك كذلك فالله تعالى يجب أن يكون قديما، وقد ثبت ذلك بالعقل وبالنقل. فمن الأدلة النقلية:

١ - قوله تعالى:} هو الأول والآخر {(الحديد ٣). فهو تعالى قبل- كل الأشياء بلا ابتداء، لأنه سبب كل شىء، وهو تعالى آخر كل شىء بلا انتهاء.

٢ - وفى الحديث "كان الله ولا شىء معه " أى كان الله تعالى فى الأزل ولا شىء معه فى الأزل، إنه سبحانه وتعالى هو القديم ولا قديم غيره.

٣ - روى البخارى فى صحيحه "كان الله ولم يكن شىء قبله، وكان عرشه على الماء ثم خلق السموات والأرض، وكتب فى الذكر كل شىء".

٤ - وعن أبى هريرة كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " يأمرنا إذا أخذنا مضجعنا أن نقول: اللهم رب السموات والأرض .. اللهم أنت الأول فليس قبلك شىء وأنت الآخر فليس بعدك شىء".

ومن الأدلة العقلية:

١ - ذلك أن الله تعالى لو لم يكن قديما بذاته لكان لوجوده بداية فيكون حادثا وموجودا من عدم، ولو كان حادثا لاحتاج إلى محدث موجد. هذا المحدث يحتاج هو الآخر إلى محدث. وهكذا حتى ينتهى العقل إلى وجود قديم أزلى هو الذى أحدث الكائنات وهو الله.

٢ - أنه لو لم يكن قديما لكان حادثا، إذ لا واسطة بين القدم والحدوث فى حق كل موجود، لكن كونه تعالى حادثا محال. إذ لو كان حادثا لاحتاج إلى محدث، واحتياجه إلى محدث باطل، لأنه يؤدى إلى الدور والدور والتسلسل باطل. وإذن فهو تعالى لا يحتاج إلى محدث، وليس حادثا، وإنما هو قديم أزلى.

والدور هو توقف الشىء على ما يتوقف عليه الشىء وهو باطل بالبداهة لأنه يستلزم تقدم الشىء على نفسه بالوجود وهو محال.

٣ - والعلم بثبوت هذين الوصفين: قديم بلا ابتداء، دائم بلا انتهاء، مستقر فى الفطرة، فإن الموجودات لابد أن تنتهى إلى واجب الوجود لذاته، قطعا للتسلسل فإننا نشاهد حدوث الحيوان والنبات والمعادن وحوادث الجو كالسحاب والمطر وغير ذلك، وهذه الحوادث وغيرها ليست ممتنعة فإن الممتنع لا يوجد، ولا واجبة الوجود بنفسها فإن واجب الوجود بنفسه لا يقبل العدم، وهذه كانت معدومة ثم وجدت فعدمها ينفى وجودها، ووجودها ينفى امتناعها؛ وما كان قابلا للوجود والعدم لم يكن وجوده بنفسه} أم خلقوا من غير شىء أم هم الخالقون {(الطور ٣٥) أى أحدثوا من غير محدث أم أحدثوا أنفسهم؟ ومعلوم أن الشىء المحدث لا يوجد نفسه، فالممكن الذى ليس له من نفسه وجود ولا عدم لا يكون موجودا بنفسه، بل إن حصل ما يوجده، وإلا كان معدوما، وكل ما أمكن وجوده بدلا من عدمه، وعدمه بدلا من وجوده، فليس له من نفسه وجود ولا عدم لازم له.

وقد أدخل المتكلمون فى أسماء الله تعالى القديم، وليس هو من الأسماء الحسنى فإن القديم فى لغة العرب التى نزل بها القرآن هو المتقدم على غيره فيقال: هو قديم للعتيق، وهو حديث للجديد، ولا يقال للعرجون "القديم " القديم حتى يبقى إلى حين وجود العرجون الثانى، فإذا وجد الجديد قيل للأول قديم قال تعالى:} وإذا لم يهتدوا به فسيقولون هذا إفك قديم {(الأحقاف١١) أى متقدم فى الزمان. وأما إدخال القديم فى أسماء الله تعالى، فهو مشهور عند أكثر أهل الكلام وقد أنكر ذلك كثير من السلف والخلف منهم ابن حزم. ولا ريب أنه كان مستعملا فى نفس التقدم فإن ما تقدم على الحوادث كلها فهو أحق بالتقدم من غيره، ولكن أسماء الله تعالى هى الأسماء الحسنى التى تدل على خصوص ما يمدح به، والتقدم فى اللغة مطلق لا يختص بالتقدم على الحوادث كلها، فلا يكون من الأسماء الحسنى، وجاء الشرع باسمه الأول وهو أحسن من القديم. والله تعالى له الأسماء الحسنى لا الحسنة.

(هيئة التحرير)

المصدر// كتاب موسوعة المفاهيم الإسلامية العامة

              

بقلم/ المؤرخ

Abu Ismail al-Hilali

التاريخ بيت قديم، الأجداد يتهامسون فيه عن إرث مجيد والأحفاد يستمعون ويصغون لفهم الحياة

إرسال تعليق

{مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ }ق18

أحدث أقدم