الشام كما ذكرها البكري

 
الشام كما ذكرها البكري قبل 1040 عاما
ذكر الشّام كما ذكرها أبو عبيد البكري  (المتوفي سنة ٤٨٧ هـ /١٠٩٤ م)

 وإنّما سمّيت الشام لأنّها عن شمال الكعبة، وقيل لشامات في أرضها سود وبيض، وقيل سمّيت بسام بن نوح لأنّه أوّل من نزلها فتطيّرت العرب لمّا سكنتها من أن تقول سام فقالت شام. وقيل إنّ أوّل من سكنها من الخلفاء سمّاها بهذا الاسم وإنّها سرور لمن رآها.

 وقسمت الأوائل الشام خمسة أقسام:

  1.  الشام الأوّل فلسطين وأوّل حدود فلسطين من طريق مصر رفح، ثمّ يليها غزّة، ثمّ الرملة رملة فلسطين.
  2.  والشام الثانية مدينتها العظمى الطبرية، والغور واليرموك وبيسان فيما فلسطين والأردنّ.
  3.  والشام الثالثة الغوطة ومدينتها العظمى دمشق ومن سواحلها أطرابلس.
  4.  والشام الرابعة أرض حمص.
  5.  والشام الخامسة قنّسرين ومدينتها العظمى حلب، وساحلها أنطاكية مدينة عظيمة على ساحل البحر.

[وقالوا: كلّ شيء عند العرب من قبل الشام فهو أنطاكية، ويقال: ليس في أرض الإسلام ولا أرض الروم مثلها. والنصارى يدعونها مدينة الله ومدينة الملك وأمّ المدائن لأنّها أوّل بلد أظهر فيه دين النصرانية وبها كرسي بطرس ويسمّى سمعون وسمعان وهو خليفة إيشوع الناصري المرأس على تلاميذه الاثني عشر والسبعين وغيرهم] . وفي داخلها البساتين والمزارع، ويقال إنّها مدينة حبيب النجّار. ومن ثغور الشام الخامسة: المصيصة وطرسوس ونهر جيحان.

 ومن مدن الشام حمص، يقال إنّها مدينة حبيب النجّار وهي من قصور الشام. ويقال إنّ أوّل من ابتدع الحساب في سالف الأزمان أهل حمص لأنّهم كانوا تجّارا يحتاجون إلى الحساب في أرباحهم. ولا يدخل مدينة حمص حيّة ولا عقرب. وليس لها سور وفي وسطها حصن مستدير، وأكثر حمص اليوم خراب.

 وعن قتادة أنّه نزل حمص خمسمائة من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وعن جرير بن عثمان أنّ حمص نزلها من بني سليم ممّن صحب النبي - صلى الله عليه وسلم - أربعمائة.

ومدينة حماة، وتدمر مدينة أوّلية.

 وجبل لبنان بقربه. ذكر الهيثم بن عدي أنّه وجد في جبل لبنان غارا (وهو في)  زمن الوليد بن عبد الملك فدخل، فإذا فيه رجل مسجّى على سرير من ذهب وعند رأسه لوح من ذهب مكتوب فيه بالرومية : أنا سبا بن نواس بن سبا، خدمت عيصو بن إسحاق بن إبراهيم خليل الربّ الديّان الأكبر وعشت بعده دهرا طويلا، ورأيت عجبا كثيرا ولم أر فيما رأيت أعجب من غافل عن الموت وهو يرى مصارع آبائه ويعلم أنّه صائر إليهم لا محالة فلا يتوب. والّذي بعد الموت من حساب الديّان الأعظم وردّ حقوق المظلومين يومئذ (أعظم وأقطع) حقّا. أقول: لقد حضرت غاري هذا أغدو وأروح إليه أبكي على نفسي، وقد علمت أنّ الأجلاف الحفاة سينزلونني عن سريري هذا ويتموّلونه ويخرجونني من غاري، وهم يؤمنون بربوبية الديّان الأعظم، وذلك حين يتغيّر الزمان ويتأمّر الصبيان ويكثر الحدثان. فمن أدرك ذلك الزمان عاش قليلا ومات ذليلا. وفي لبنان البرباريس وهناك أطيب ما يكون..

ذكر دمشق:

 ومن مدنها دمشق. وقيل إنّها إرم ذات العماد . وقيل: هي كانت دار نوح عليه السّلام فيما ذكروا. والله أعلم. وقال قتادة في قوله عزّ وجلّ :

والتّين والزّيتون: (التّين الجبل الذي عليه دمشق والزيتون الجبل الذي عليه بيت المقدس. وقيل) : التين مسجد دمشق والزيتون بيت المقدس.

وقال الضحّاك: التين والزيتون مسجدان بالشام. وقال مجاهد وعكرمة : التين والزيتون هما المأكولان. (وقيل: التين مسجد أصحاب الكهف والزيتون مسجد إيليا) .

 ومسجدها جليل فيه غرائب من الأعمال يطول وصفها، بناه الوليد بن عبد الملك سنة ثمان وثمانين، وهو داخل المدينة مفروش بالرخام الأبيض مختّم بالأزرق وحيطانه منجّدة بالفسيفساء وسقفه لا خشب فيه وهو مذهّب كلّه. وله ثلاث مناور: المنار الواحد في مؤخّر المسجد مذهّب كلّه من أعلاه إلى أسفله (ذهبا وفسيفساء).

 ولها كور جليلة منها: جردان والسمة ومدنها بصرى وأذرعات والبلقاء وذمار وعمّان وجبال وشراط ومأرب وتنوفة والغور وبعلبكّ وبيروت، وهي قرية الأوزاعي، وأطرابلس ووجه الحجر وأجنادين واليرموك ومرج الصفر والجابية ومرج راهط ..

كتاب المسالك والممالك للبكري [أبو عبيد البكري]،ج1، ص461

              

بقلم/ المؤرخ

Abu Ismail al-Hilali

التاريخ بيت قديم، الأجداد يتهامسون فيه عن إرث مجيد والأحفاد يستمعون ويصغون لفهم الحياة

إرسال تعليق

{مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ }ق18

أحدث أقدم