البخور عند العرب

البخور عند العرب
مَوْسُوعَةُ الْهُلًاْلِيُّ -  تعريف البخور: البَخُور مادة حيوية عطرية تطلق دخانًا عطريًا عند الاحتراق. يُستخدم المصطلح للإشارة إلى المادة أو الرائحة. يستخدم البخور لأسباب جمالية، والعلاج بالروائح، والتأمل، والاحتفال. يمكن استخدامه أيضًا كمزيل رائحة بسيط أو طارد للحشرات، توجد في جميع مناطق العالم أشكال كثيرة وخلطات مختلفة٫ ففي الدول العربية يوجد في المجالس أما في دول آسيا فيستخدم في المعابد.[ويكيبيديا الموسوعة الحرة] البخُور، (كصَبُور: مَا يُتَبخَّر بِهِ)، وثِيابٌ مُبَخَّرَةٌ: مطيَّبَةٌ، وتَبَخَّر بالطِّيبِ : تَدَخَّنَ، وفَلانٌ يَتَبَخَّر وَيَتبختَرُ. [تاج العروس من جواهر القاموس، الزبيدي، ج10، ص133]..

من تاريخ البخور قديما:

 وللتبخير قديما شأن كبير في أداء الفروش في المعابد، إذ لا بد من حرق البخور فيها، فيبخر بها المذبح والأصنام كما يبخر القائمون بأداء تلك الفروض. وتسمى المبخرة بـ"مسلم"، وبـ"مقطر" وذلك في لغة بعض الجاهليين، و"المجمرة" والمجمر، الموضع الذي يوضع فيه الجمر بالدخنة للتجمير.

وقد أشير إلى المجمرات والمباخر في كتابات المسند. وعثر المنقبون على نماذج منها، قدمها الناذرون نذورًا إلى آلهتهم، وقد وضعوها في معابدها، وهي في جملة الهدايا المرموقة التي تقدم إلى المعابد من أحجار وبعضها من معدن بذل جهدًا في صنعته وفي زخرفته حيث يكون هدية قيمة تكون خليقة بوضعها في المعابد

وقد كان الناس يأتون بالمجامر ليجمروا بها الكعبة تقربًا بعملهم هذا إلى الأصنام، وذكر أن حريقًا أصاب الكعبة؛ بسبب تطاير شرر من مجمرة امرأة جمرت البيت، فأصاب ستار الكعبة، فاحترق. والتجمير هو من شعائر التقدير والتعظيم. وهو مما يدخل في الطقوس، وقد صرفت المعابد القديمة أموالًا على شراء "العود" وغيره لإحراقه في المجامر؛ لتطييب المذبح والمعبد به. وكان البخور مما يبخر به في المعابد أيضًا. وقد استعمله الجاهليون في بيوتهم المعظمةكذلك.

وتلحق بالمعابد مواضع يخزن فيها ما يقدم إلى المعبد من هدايا ونذور، وما يرد إليه من غلات أوقافه. وإذا كانت النذور والهدايا ماشية، فقد تحفظ في مواضع بعيدة عن المعبد، أو توضع في إحماء المعابد لترعى بها. ولا يجوز التعرض لها بسوء. وتعلم بعلامات تشير إلى أنها مما حبس على الأصنام. وكانت لهبل خزانة للقرابين. وكان قربانة مائة بعير، وله حاجب يقوم بخدمته٢. وفي جملة ما أهداه الناس إلى أصنامهم السيوف والملابس، وكانوا يعلقونها أحيانًا على الأصنام٣.[ المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، د. جواد علي، ج11، ص424]

ومن الأشجار التي كانت على جانب كبير من الأهمية في بعض أجزاء شبه الجزيرة العربية، أشجار البخور واللبان التي كانت تنمو على الساحل الجنوبي لشبه الجزيرة، وقد اكتسبت هذه الشجرة أهمية خاصة في العصر القديم حين كان إحراق الطيوب يشكل قسما أساسيا من الطقوس أو الشعائر الدينية في كل العالم القديم. ليس فقط على صعيد المناسبات الرسمية، وإنما كذلك على صعيد الحياة اليومية، وحين كان اللبان يستخدم في كثير من الأغراض الطبية. وقد كانت هذه الأشجار هي السلعة الأساسية التي تحملها القوافل التجارية من جنوبي شبه الجزيرة لتجد طريقها إلى أسواق مصر والشام، ثم لتجد طريقها من موانئ الشام بوجه خاص إلى بلاد اليونان والرومان الذين كانوا يستخدمون كميات هائلة من الطيوب واللبان للأغراض الدينية والطبية ولأغراض الزينة التي تقوم مقامها الآن الروائح العطرية. [العرب في العصور القديمة، لطفي عبد الوهاب، ص111]

طريق البخور: هو طريق تجاري قديم تعبره القوافل التجارية التي تهتم باستيراد وتجارة البخور، كان طريق البخور شبكة قديمة من طرق التجارة البرية والبحرية الرئيسية التي تربط بلدان منطقة البحر الأبيض المتوسط بالمناطق الشرقية والجنوبية المنتجة للبخور والتوابل وغيرها من السلع الفاخرة، يمتد الطريق من موانئ البحر الأبيض المتوسط عبر بلاد الشام ومصر وشمال شرق إفريقيا وجنوب الجزيرة العربية حتى الهند.

يبدأ من سواحل ظفار على بحر العرب إلى شمال البحر المتوسط، مرورًا باليمن وجنوب الجزيرة العربية وينقسم إلى طريقين أحدهما يتجه إلى نجد ثم العراق وفارس، والآخر يتجه إلى شمال الجزيرة العربية ثم مدينة البتراء في الأردن، ومن بعدها إلى فلسطين على البحر المتوسط. ويأتي إلى البتراء طريق آخر من سيناء في مصر ويلتقي مع الطريق القادم من شمال الجزيرة العربية. كانت القوافل العابرة عبر طريق البخور محملة بالبخور والتوابل ومنتجات الشرق إلى دول أوروبا.

كانت هذه الطرق مجتمعة بمثابة قنوات لتجارة البضائع مثل اللبان العربي والمر والتوابل والأحجار الكريمة واللؤلؤ والأبنوس والحرير والمنسوجات الفاخرة. ازدهرت تجارة البخور من جنوب الجزيرة العربية إلى البحر الأبيض المتوسط بين القرن السابع قبل الميلاد تقريبًا والقرن الثاني بعد الميلاد.

من أنواع البخور:

بخور العود الازرق، وبخور العود الكمبودي، وبخور العود اللاوسي، وبخور عود الكلمنتان، وبخور العود الهندي، وبخور العود الجاوي، وبخور العود الماليزي، والبخور البورمي، والموروكي، والفيتنامي، والصندل، والسيوفي، والسعد والأظفر والمسك، والمصطكي، والصفا والزعفران وغيرها من الأنواع العديدة من بخور العود. وللبخور عدة ألوان منها البني الغامق والفاتح والزهري والأحمر والأزرق والأبيض والأسود ويرجع ذلك لنوعه وأصله..

الند: يخرج الند عند إشعاله رائحة قريبة من رائحة العنبر وهو طيب يستحسنه أهل الحجاز ويقدرونه، وبما أنه نادر ولا يمكن إعداده نقيا يصنع فى زماننا بمادة عادية، يطلقون على أعواد البخور الطويلة «ند» يستعملونها بدلا منه.

الكافور الأبيض:

يستخرج هذا النوع من لحاء شجرة الكافور الأبيض لذا سمي بذلك الاسم، ويتميز بلونة الأبيض الناصع الشفاف ورائحته النفاذة التى تجذب الكثير، بالإضافة إلى أنه يستخدم فى أغراض كثيرة مثل الزينة والمواد التجميلية ومكافحة الفطريات.

بخور اللبان:

يستخرج من شجرة اللبان لذا سمي بأسم الشجرة التى ينتج منها، ويزرع فى مناطق عديدة فى العالم، وهو عبارة عن مادة صمغية يتم خلطها مع مادة عطرية لتعطي رائحة متميزة مثل الزعفران والياسمين والمسك والعنبر، لذا يعتبر من أنواع البخور العطرية المفضلة من حيث الاستخدام والسعر فى تعطير المنزل برائحة جذابة، تدوم بثبات لمدة طويلة ويصنع بخور اللبان من خلال وضع بعض حبوب اللبان الموجودة عند العطار ووضعها على موقد إلى أن تحترق الحبوب وتخرج منه رائحة عطرية.

بخور العنبر:

يفضل البعض ذلك النوع من البخور فهو محبب لديهم، يعد بخور العنبر من العطور الباهظة الثمن لأنه يستخرج العنبر من أمعاء الحيتان، ويستخدم فى صناعة أجود أنواع البخور العطرية الفخمة لما يميزه من رائحة جذابة يعشقها أصحاب الذوق الرفيع.

أفضل المواد المستخدمة في أنواع البخور: العنبر، القرفة، الحمضيات، جوزة الهند، دم التنين

حكم استعمال البخور في الشرع الإسلامي:

فتطييب المساجد بالبخور من الأعمال المندوبة لما روى أحمد من حديث عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر ببناء المساجد في الدور وأمر بها أن تنظف وتطيب.

جاء في تحفة الأحوذي: قال ابن حجر وبه يعلم أنه يستحب تبخير المسجد بالبخور خلافاً لمالك حيث كرهه، فقد كان عبد الله يبخر المسجد إذا قعد عمر على المنبر.... انتهى.

وكذلك استعمال البخور في البيوت للتطيب به مشروع، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم استعمل البخور واستبخر، كما هو مبين في الفتوى رقم: ٢٤٣٦٥.

وأما التبرك بالبخور أو الاتقاء به من العين، أو استخدامه حال الفزع ونحو ذلك، فهو من البدع والخرافات والشركيات التي يجب على المسلم الموحد التنزه عنها.. [فتاوي الشبكة الإسلامية، ج2، ص1423، (١٧ ربيع الثاني ١٤٢٤هـ)]..

استعمال البخور في التاريخ الإسلامي:

ذكر أيوب صبري في كتابه موسوعة مرآة الحرمين الشريفين وجزيرة العرب ما نصه: 

فى ذكر الذين عطروا المسجد الشريف بأشياء ذات رائحة طيبة:

كان النبى صلى الله عليه وسلم يخطب يوما، فأمر بتنظيف بعض الأماكن التى أمام جدار القبلة سريعا، بعد أن نظف الناس ذلك المكان مسحوه جيدا ووضعوا عليه بعض الزعفران.

ولما جلس عثمان بن عفان على كرسى الخلافة عطر جميع أنحاء مسجد السعادة وحتى يدوم هذا النظام عين بعض المؤذنين للقيام بهذا العمل.

وعطر عمر بن عبد العزيز فى تاريخ جلوسه الجدار القبلى فقط‍ كما أن هارون الرشيد أمر بتعطير الحجرة الشريفة وجهات مسجد السعادة الأربعة فى سنة ١٧٥ الهجرية..

"وقد راعى عبد الله بن عمر-رضى الله عنه-هذه العادة الطيبة وأصبح يوقد فى أيام الجمع والليالى المباركة العود والبخور ولم يترك هذه العادة إلى وفاته.

إيقاد خشب العود والبخور من الأصول المرعية لدى الجماعات الإسلامية، وتجرى هذه العادة سواء أكانت فى الحرمين الشريفين ومساجد الممالك الأخرى، ولم يترك إيقاد العود والبخور عند قراءة المولد الشريف وعندما يختم القرآن مع جماعات فى المساجد.

ولما كان إرسال البخور والعنبر والعطور الأخرى من العادات الطيبة التى يعتز بها المسلمون أوردنا فى الصورة الرابعة من الوجهة الثالثة لمرآة الحرمين كميات العود والعنبر والبخور التى ترسل لتوقد فى ليالى الإحياء وأيام الجمع فى منبر النبى المنير ومحرابه العالى، وبجانب باب كعبة الله ومقام إبراهيم والآثار المسعودة الأخرى.

يطلق أهل المدينة على تعطير الحجرة السعيدة وتبخيرها أصول التعطير، ولما كان أصول التعطير وصورته إجراء خاص بأيام الجمع؛ فإن الموظفين يأخذون الحصص المقررة لكل يوم جمعة من دهن الورد ومائه بعد أداء صلاة المغرب ويدخلون ومعهم بخور العود والعنبر فى حجرة السعادة فيبخرونها وستارة قبر السعادة ثم يخرجون. [كتاب موسوعة مرآة الحرمين الشريفين وجزيرة العرب، أيوب صبري باشا، ج4، ص615]

استعمال البخور في بيت المقدس في عهد الخلافة الأموية: 

"وَكَانَ رَجَاء بن حَيَاة وَيزِيد بن سَلام، يستخدمان أنواع من البخور والزعفران والمسك والعنبر وماء الورد الجوري، ويرشون بها صخرة بيت المقدس، كل يوم إثنين وخميس من كل إسبوع، ثمَّ يأْتونَ بمجامر الذَّهَب وَالْفِضَّة وَالْعود القماري والند مطري بالمسك والعنبر فترخى الستور حول الأعمدة كلهَا ثمَّ يَأْخُذُونَ البخور ويدورون حولهَا حَتَّى يحول البخور بَينهم وَبَين الْقبَّة من كثرته ثمَّ تشمر الستور فَيخرج البخور ويفوح من كثرته حَتَّى يبلغ إِلَى رَأس السُّوق فيشم الرّيح من يمر من هُنَاكَ. [كتاب الأنس الجليل، مجير الدين العليمي، ج1، ص247]..

استعمال البخور في عهد الخلافة العثمانية بمكة:

كان إرسال دهن الورد والعود والعنبر والبخور إلى الحرمين من الأشياء اللازمة وفي درجة الوجوب، حيث يتبين من خلال ما ورد فى دفتر الصرة السلطانية مصروفات ذلك: "مبلغ (٢٤،٨٧٥،٥) قرش بدل ما أرسل من البخور وغيره ويمكن أن يدخر من هذا المبلغ ما قدره (٧٨٧٥،٥) قرش، لأن مبلغ (٢٤،٠٠٠) والكسور يشمل على (٢٠٠٠) منه ثمن البخور (٥٢٥٠) قرش منه ثمن ما اشترى من مخمل لصنع أكياس الخزينة، و (١٨٧٥،٥) قرش لتعمير الصناديق وثمن الأقفال ونفقات نثرية (١٢٠٠) قرش منه ثمن ما يرسل إلى مكة المكرمة من أربعمائة مثقال من دهن الورد، و (٣٧٥) قرشا منه ثمن العود والعنبر الذى يرسل إلى حامل مفتاح البيت المعظم شيبة أفندى."[كتاب موسوعة مرآة الحرمين الشريفين وجزيرة العرب، أيوب صبري باشا، ج2، ص607-608]..

البخور في العادات والتقاليد:

استخدم العرب البخور في كثير من المناسبات؛ كالأفراح والأعياد وفي الأحزان أيضاً، واستخدموه أيضاً كعلاج على حد فهمهم وعادتهم وتقليدهم ومنها: علاج المريض النفسي وعلاج المصاب بالخوف أو الخرعة، أو من أصابه حسد أو لمن تزوج وتأخر في الإنجاب للرجال والنساء على السواء، كما وفي عاداتهم أن البخور قد يكون مضراً في بعض الحالات فيخشون أن تشم رائحته، فيمنعون المرأة الحامل مثلا من أن تشم البخور خوفاً على جنينها، كما يحددون أوقاتاً وأياماً يسمح فيها باستخدام البخور وأخرى يمنع فيها استخدامه، وللبخور عندهم أسماء غير تلك الأسماء التجارية تتعلق هذه الأسماء في طرق العلاج ومدى قوته وتأثيره مثل بخور الفسوخ لأنه يفسخ أسباب المرض إن كان حسداً.. ومن استخدامات البخور عند العرب التطيب والتبارك واستقبال الضيوف وعند شراء بيت جديد أو بناء بيت جديد أو ما شابه ذلك..

ومن عاداتهم أن يوضع البخور في موقد صغير فيه جمر حيث يتم وضع قطع البخور فيه، أو يوضع في وعاء نحاسي فيه جمر وتقوم سيدة بحمله وتدور فيه حول البيت لتبخيره كطرد عين الحسد وما شابه ذلك من طرق وأساليب متعددة عند العرب سواء كانوا من البدو أو من الحضر، إلا أن استخدامه في البادية بشكل أكثر وأوسع..

              

بقلم/ المؤرخ

Abu Ismail al-Hilali

التاريخ بيت قديم، الأجداد يتهامسون فيه عن إرث مجيد والأحفاد يستمعون ويصغون لفهم الحياة

إرسال تعليق

{مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ }ق18

أحدث أقدم