هل سمك القرش من سباع البحر

 

هل سمك القرش من سباع البحر
وهل الأسماك المفترسة تعتبر من سباع البحر، وما هو الحكم الشرعي في أكل لحومها، هل هو حلال أم حرام ؟

يقول الله سبحانه وتعالى: { يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓا۟ أَوْفُوا۟ بِٱلْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ ٱلْأَنْعَٰمِ إِلَّا مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّى ٱلصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ إِنَّ ٱللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ} 1: المائدة 

وقال سبحانه وتعالى: { يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ لَا تَقْتُلُوا۟ ٱلصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُۥ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ ٱلنَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِۦ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ هَدْيًۢا بَٰلِغَ ٱلْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّٰرَةٌ طَعَامُ مَسَٰكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَٰلِكَ صِيَامًا لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِۦ عَفَا ٱللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ ٱللَّهُ مِنْهُ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ ذُو ٱنتِقَامٍ} 95: المائدة 

وقال سبحانه وتعالى : { أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ ٱلْبَحْرِ وَطَعَامُهُۥ مَتَٰعًا لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ ٱلْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ ٱلَّذِىٓ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} 69: المائدة..

وقوله سبحانه وتعالى: {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ }الأعراف: 157

وفي الحديث الشريف: قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن أكل كل ذي ناب من السباع، وكل ذي مخلب من الطيور. رواه مسلم..وعن أبي هُريرةَ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((كُلُّ ذي نابٍ مِنَ السِّباعِ حَرامٌ  ))أخرجه مسلم..

أقوال أهل العلم:

فقد اختلف أهل العلم في حكم أكل سمك القرش على قولين:

 الأول: أنه يحرم لكونه ‏حيواناً مفترساً، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن كل ذي ناب من السباع ‏وعن كل ذي مخلب من الطير. أخرجه مسلم وأصحاب السنن..

الثاني: أنه يجوز أكله، لعموم الأدلة على جواز أكل صيد البحر كقوله الله تعالى (أُحِلَّ لَكُمْ ‏صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً وَاتَّقُوا اللَّهَ ‏الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) [المائدة:96] وقول النبي صلى الله عليه وسلم في البحر: " هو ‏الطهور ماؤه الحل ميتته" أخرجه الإمام أحمد في المسند والنسائي وابن ماجه في سننهما..

القول الفصل مع الشرح والأدلة والشواهد:

النظر في المصدر الأول للتشريع وهو القرآن الكريم في قوله تعالى في سورة المائدة آية 96.. حرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما، هل نقول أن صيد البر كله حلال بعد انتهاء الإحرام من الحج والعمرة.. لا طبعاً ففي البر سباع وحوش لها أنياب تنهش بها فرائسها وفي الطير سباع لها مخالب تخلبها في أجسام فرائسها فتمزق جلدها وتريق دمها وهذه حرام، والحديث المصدر الثاني للشريع لم يحدد السباع أنها في البر فقط، وإنما السباع كلها، لأن أصل كلمة السبع من قول العرب :"سبعت فلانا عند فلان إذا وقعت فيه وقيعة مضرّة.." [معجم العين، الفراهيدي المتوفي سنة 170هـ، ج1، ص344] وهنا فالسبع كل حيوان يلحق المضرة والوقيعة والأذى بالإنسان كما يشتهر بالافتراس ويتغذى على اللحوم، وهذا الحيوان قد يكون بريا كالأسد والذئب والنمر وقد يكون طائرا كالنسر والصقر وقد يكون بحرياً أيضاً لأن في البحر سباع كما في البر سباع، ذكر الواحدي المتوفي سنة 468هـ سباع الطير وداوب البحر،[ الوجيز، للواحدي، ص168] وورد في كتاب ابن أبي عمر المتوفي سنة 682هـ أن العرب كانوا يكرهون سباع البحر كما يكرهون سباع البر [الشرح الكبير على المقنع، ج27، ص228]

ورُوِيَ عن إبراهيمَ النَّخَعِيِّ أو غيرِه، أنَّهم كانوا يَكْرَهُون سِباعَ البحرِ، كما يكْرَهون سِباعَ البَرِّ. وذلك لِنَهْيِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - عن أكلِ كُلِّ ذِي نابٍ مِن السِّبَاعِ (وقال أبو عليٍّ النَّجّادُ: لا يُباحُ مِن البَحْرِيِّ ما يَحْرُمُ نَظَيرُه في البَرِّ، كخِنْزِيرِ الماءِ وإنْسانِه) وهو قولُ اللَّيثِ، وقال أبو حنيفةَ: لا يُباحُ إلَّا السَّمَكُ..

قلت: الصحيح ان البحر فيه كائنات عديدة كما في البر، ففيه الديدان والقواقع والسلاحف والثعابين والأسماك وفيها ما هو سام وقاتل وفيها ما هو وحش ومفترس يفترس الإنسان والحيوان كتمساح الماء فهو من ذوي الأنياب وأسماك القرش الوحشية المفترسة، وفي البحر حيوانات تبيض وأخرى تلد كما في البر، وقاعدة التحريم كما تسري على البر يجب أن تسري على البحر أيضاً..

وفي الآية أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة، أي الصيد الحلال والطعام الحلال الذي تصيدونه من البحر، وقوله تعالى في الآيات السابقة أحلت لكم بهيمة الأنعام، وقوله ويحرم عليهم الخبائث، وفي الحديث الشريف: قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أُحِلَّتْ لَكُمْ مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ : فَأَمَّا الْمَيْتَتَانِ فَالْحُوتُ وَالْجَرَادُ ، وَأَمَّا الدَّمَانِ فَالْكَبِدُ وَالطِّحَالُ ) رواه ابن ماجة.. وفي هذا الحديث يربط بين الميتة الحلال كسمك البحر لأنه يموت عند خروجه من الماء، والجراد في البر لأنه خالي من الدم المسفوح التي تحتويه باقي الحيوانات.. وفي الحديث كل ذي ناب من السباع حرام أكله، وكلمة السباع هنا كلمة شاملة لم تحدد بسباع البر وإنما السباع كافة، فإذا نظرنا لسمك القرش نرى أن كل أسنانه تعتبر أنياب وتشبه المخالب وغلب على طبعه وعادته الافتراس وهو يأكل اللحوم فهو له أنياب وهو سبع من سباع البحر.. وعليه فأنا انضم لأصحاب الرأي الأول القائلين بتحريمه..

وقد قال الفقيه محمد أنور الكشميري ما نصه :"ألا ترى أنَّ الله حرم علينا الخبائث مطلقًا، قال تعالى: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ}، وكذا كلّ ذي ناب، وذي مَخْلب، ولم يفصِّل بينهما بكونه بحريًا أو بريًا، مع أنَّ العلة توجبُ العمومَ، وكذا لم يتوارث إلا أكل السمك، وهو الطعام في الأمم السالفة، فقال تعالى: {إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ} [الأعراف: ١٦٣] إلخ، فلم يذكر غير الحوت، وهي التي كانت في غداء موسى عليه السلام حين سافر إلى حيث لقي الخضر عليه السلام. ولم يُعرف من الصحابة أكلُ شيءٍ من الحيوانات غير السمك. والعنبر كان حوتًا، كما في البخاري، وحينئذ كفانا ما أحل الله سبحانه لنا من حيوانات البر، وليست لنا حاجةٌ أنْ نأكل سباعَ البحرِ وخبائثه. وقد ذكرنا الكلام فيه في تقريرنا على الترمذي مبسوطًا..[فيض الباري على صحيح البخاري، الكشميري، ج3، ص294]..

وفي الأدب العربي نأخذ بعض الأمثلة من الشعر:

 أبو عامر بن أبي بن شهيد الأندلسي، قال:

وتدري سِباعُ الطَّير إن كُماتَهُ ... إذا لَقْيت صِيدَ الكماةَ سِباعُ

تَطيُر جِياعاً فوقه وتُردُّها ... ظُبَاه إلى الأوكار وهْي شَباعُ

وكذلك أخذه أبو بكر العطار. فغربه بعد الابتذال، فقال:

تظل سباعُ الطير عاكفة بهمْ ... على جُثَث قد سَلَّ أنفسها الذُعْرُ

وقد عَوَّضتهم مِنْ قبور حواصلاً ... فيا من رأى ميتا يطير به قَبْرُ

وقال النويري في نهاية الأرب في فنون الأدب؛ سباع الطير، وهى: العقبان، والبوازى، والصقور، والشواهين.

وكلاب الطير، وهى: النّسر، والرّخم، والحدأة، والغراب. و بهائم الطير، وهى: الدّرّاج، والحبارى، والطاووس، والدّيك، والدّجاج، والإوزّ، والبطّ، والنّعام، والأنيس، والقاوند، والخطّاف، والقيق، والزّرزور، والسّمانى، والهدهد، والعقعق، والعصافير،.. وبغاث الطير، وهو: القمرى، والدّبسىّ، والورشان، والفواخت، والشّفنين، والعبطبط، والنّواح، والقطاة، واليمام، وأصنافه، والببّغاء..

وذكر النويري موضوعا عن الأسماك جاء فيه؛ قال الجاحظ: وفى السمك القواطع والأوابد كالطير. ومن أصناف السمك ما هو فى شكل الحيّات..

وقال الشيخ الرئيس أبو علىّ بن سينا فى الأدوية المفردة: أفضل السمك فى جثّته ما كان ليس بكبير جدّا ولا صلب اللحم ولا يابسه، لا دسومة فيه كأنه يتفتّت، والذى لا مخاطيّة ولا سهوكة فيه وطعمه لذيذ، فإن اللذيذ مناسب، وما هو دسم دسومة غير مفرطة ولا غليظة ولا شحميّة ولا حرّيفة، والذى لا يسرع إليه النّتن إذا فصل عن الماء. ويختار من السمك الصّلب اللحم ما هو أصغر، ومن الرّخص اللحم ما هو أكبر إلى حدّ ما. وصلب اللحم مملوحا خير منه طريّا.

              

بقلم/ المؤرخ

Abu Ismail al-Hilali

التاريخ بيت قديم، الأجداد يتهامسون فيه عن إرث مجيد والأحفاد يستمعون ويصغون لفهم الحياة

إرسال تعليق

{مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ }ق18

أحدث أقدم