بني حماد والعرب

 

[ذكر الحرب بين بنى حماد والعرب وانتصار العرب عليهم]

الحرب مصالح وخدع ..

وفى سنة سبع وخمسين وأربعمائة، كانت الحرب بين الناصر ابن علناس بن محمد بن حماد ومن معه من رجال المغاربة من صنهاجة وزناتة، ومن العرب عدى والأثبج؛ وبين العرب وهم رياح وزغبة وسليم، ومع هؤلاء المعز بن زيرى الزناتى. وكان سبب هذه الواقعة «٢» أن حماد بن يوسف بلكين جد الناصر كان بينه وبين باديس بن المنصور الخلف الكبير «٣» والحرب التى ذكرناها. ومات باديس وهو يحاصر قلعة حماد كما ذكرنا «٤» .

ثم دخل حماد فى طاعة المعز. وكان القائد بن حماد بعد أبيه يضمر الغدر وخلع طاعة المعز والعجز يمنعه، إلى أن رأى قوة العرب وما نال المعز منهم. فعندها خلع الطاعة واستبد بالبلاد.

وجاء بعده ولده محسن، وبعده ابن عمه بلكين، وبعده ابن عمه الناصر بن علناس، وكل منهم متحصن «٥» بالقلعة، وهى المعروفة بقلعة حماد وقد جعلوها دار ملكهم. فلما رحل المعز من القيروان، وصار إلى المهدية، وتمكنت العرب وأخربوا البلاد ونهبوا الأموال، انتقل كثير من أهل القرى والبلاد إلى بلاد بنى حماد لحصانتها «١» . فعمرت بلادهم وكثرت أموالهم، وفى نفوسهم ما فيها من الضغائن والحقود من باديس وبنيه، يرثه صغير عن كبير.

وولى تميم بن المعز بعد أبيه، واستبد كل منهم ببلد وقلعة، وتميم يصبر ويدارى «٢» .

فاتصل بتميم أن الناصر بن علناس يقع فيه فى مجلسه ويذمه وأنه عزم على المسير ليحاصره بالمهدية، وأنه حالف بعض صنهاجة وزناتة وبنى هلال ليعينوه على حصار المهدية. فلما صح ذلك عنده أرسل إلى بنى رياح فأحضرهم إليه. وقال لهم: «أنتم تعلمون أن المهدية حصن منيع أكثرها فى البحر لا يقاتل من البر إلا من أربعة أبرجة يحميها أربعون رجلا. وإنما جمع الناصر هذه العساكر إليكم وإلى بلادكم» . فقال له أمراء العرب: «إن الذى قاله السلطان حق ونحب منك المعونة بالعدة» . فقال: «على العدة والرّفادة» «٣» . وأمر لهم بعشرة آلاف دينار، لكل أمير منهم ألف دينار، وألف درع، وألف رمح، وألف سيف هندى.

فخرجت الأمراء من عنده، وجمعوا رجالهم، وتحالفوا على لقاء الناصر. وأنفذوا شيخين سرا إلى بنى هلال الذين صاروا مع الناصر فقالا لهم: «كيف وقعتم فى هذا الأمر وأردتم تلاف «١» ملككم؟

هذا الناصر قد سمعتم غدر جده حماد لباديس، وغدر بنيه بعضهم بعضا، وقد اتفق مع زناتة، فإذا وطىء بلدنا بصنهاجة وزناتة قاصدا تميم بن المعز- وتميم فى حصن منيع بالمهدية لا يقدر عليه- فعندها يملك بلاد إفريقية ويخرجنا وإياكم عنها» . فقال لهم مشايخ بنى هلال: «والله، لقد صدقتم. فإذا التقينا فقاتلونا «٢» فإنا ننهزم «٣» ونرجع عليهم. فإذا ملكنا رقابهم كان لنا من الغنيمة الثلث ولكم الثلثان» . فقال الشيخان: «رضينا» .

وأرسل المعز بن زيرى الزناتى إلى من مع الناصر من زناتة بنحو ذلك، فوعدوه أن ينهزموا.

فحينئذ رحلت رياح وزناتة جميعا. وسار إليهم الناصر بصنهاجة وزناتة وبنى هلال. فالتقوا بموضع يسمى سبية. فلما ترائى الجمعان حملت «٤» بنو رياح على بنى هلال. فانهزم بنو هلال كما وقع الاتفاق، وأظهروا الغدر من وراء العسكر. فانهزم عند ذلك الناصر ابن علناس، وسلم فى عشرة أفراس.

فكان جملة من قتل فى هذه الوقعة من صنهاجة وزناتة أربعة وعشرون ألفا. وصارت الغنائم كلها للعرب، وبهذه الوقعة ثم لهم ملك البلاد. فإن أكثرهم عند دخولهم كانوا رجالة، والفرسان منهم فى أضيق حال. فتقاسموا هذه الغنائم على ما قرروه بينهم إلا الطبول والبوقات والفازات بأبغالها «١» ، فإنهم حملوها إلى تميم.

فردها ولم يقبلها، فعزّ ذلك على العرب وقالوا: «نحن خدمك بين يديك» فقال: «ما فعلت هذا انتقاصا بكم وإنما المانع منه أننى لا أرضى أخذ سلب ابن عمى» . وظهر عليه من الحزن بقوة العرب ما لم يوصف.

المرجع/ نهاية الأرب في فنون الأدب، النويري المتوفي سنة733هــ ، ج24، ص220

              

بقلم/ المؤرخ

Abu Ismail al-Hilali

التاريخ بيت قديم، الأجداد يتهامسون فيه عن إرث مجيد والأحفاد يستمعون ويصغون لفهم الحياة

إرسال تعليق

{مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ }ق18

أحدث أقدم