العيال بين المدح والذم

العيال بين المدح والذم
مَوْسُوعَةُ الْهُلًاْلِيُّ -
كتب أبو منصور الثعالبي عبد الملك بن محمد بن إسماعيل الثعالبي المتوفي سنة 429هـ ، في كتابه المسمى اللطائف والظرائف، كلاماً جميلا وجدتُ فيه الشمولية بأغلب الأمور الذي يحتاج إليها شخص يرغب بتثقيف نفسه حول هذا الموضوع، ولذا أكتفي بنقل الموضوع بدون اضافة، متمنياً استنتاج المقاصد والمفاهيم من وراء هذه الجمل والعبارات الوصفية، ويبقى لكل شخص منا رأيه وقناعته الخاصة به، لأن أفكار الناس متنوعة ولذلك فالاختلافات موجودة منذ أن خلق هذا الإنسان ووجد على سطح الأرض، وأسبابها وعواملها كثيرة..

ما قيل في مدح العيال

قال بعض السلف: استكثروا من العيال، فإنكم لا تدرون بمن ترزقون.
ويقال: من لا عيال له، لا مروءة له.
وقال طلحة الطلحات «١» : لا تمتنعوا من اتخاذ العيال، فإنكم لا تدرون بمن ترزقون، واعلموا أن أرزاقهم على الله، ومرافقهم لكم.
وكان يقال: الكلب ومن لا عيال له بمنزلة.
وكان جعفر بن سليمان يقول: المروءة في سعة الحال وكثرة العيال.
وشكا رجل إلى بعض العلماء كثرة عياله فقال له: من كان من عيالك رزقه على غير الله فحوله إليّ.
ومما يستحسن في ذلك لأبي العتاهية:
الخلق كلهم عيا ... ل الله تحت ظلاله
وأحبهم طرا إليه ... أبرّهم لعياله

ما قيل في ذم العيال

كان يقال: قلة العيال أحد اليسارين. وقال خلف بن أيوب:
كم من كريم فضحته العيال. وقال سفيان بن عيينة: لا يصلح ولا يجوز ولا يستقيم أن يكون صاحب العيال ورعا. ويقال: العاقل يتخذ المال قبل العيال والجاهل يتخذ العيال قبل المال.
ورؤي سفيان بن عيينة يوما واقفا بباب يحيى بن خالد البرمكي، فقيل له: ليس هذا من مواطنك يا أبا محمد! فقال: متى رأيتم صاحب العيال أفلح. وكان يقول: إني لأعجب ممن له عيال وليس له مال كيف لا يخرج على الناس بالسيف.
ومن الأمثال السائرة: العيال سوس المال. وقيل لبعضهم: ما المال؟ قال: قلة العيال. وقال آخر: لا مال لكثير العيال.
ومن مواعظ كتاب المبهج: استظهر على الدهر بخفة الظهر.

ما قيل في مدح الولد

في الخبر المرفوع: «ريح الولد من ريح الجنة» «١» . ويروى عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال لأحد الحسنين، رضي الله عنهما: «أنك من ريحان الجنة» «٢» . وعنه عليه الصلاة والسلام: «ولد الرجل من أطيب كسبه» «٣» . ويقال: الولد قرة العين، وريحانة الأنف، وثمرة القلب. وقال بعض السلف: أولادنا أكبادنا. وقال الأحنف لمعاوية: أولادنا ثمار قلوبنا، وعما ظهورنا، ونحن لهم أرض ذليلة وسماء ظليلة، إن غضبوا فارضهم، وإن سألوا فاعطهم، ولا تكن عليهم قفلا فيملوا حياتك ويتمنوا وفاتك «٤» . وقالت إعرابية وهي ترقص ولدها:
يا حبذا ريح الولد ... ريح الخزامى في البلد
أهكذا كلّ ولد ... أم لم يلد قبلي أحد
ومما يستحسن من ألفاظ الصاحب قوله في كتاب: وصل كتاب مولاي فألصقته بالقلب والكبد، وشممته شم الولد. وقال: من سره أن يرى كبده يمشي على الأرض فلير ولده.

ما قيل في ذم الولد

قال بعض حكماء العرب: من سرّه بنوه، ساءته نفسه. وكان يحيى بن خالد يقول: ما رأى أحد في ولده ما يحب إلا رأى في نفسه ما يكره. وقال ابن الرومي في معناه:
كم من سرور لي بمو ... لود أؤمله يعد
وبأن يهدّنيّ الزما ... ن رأيت منّته أشد
ومن العجائب أن أسر ... ر بمن يشدّ بما أهد.
وقل ابن المعتز في فصوله: أفقرك الولد أو عاداك. وفي المبهج:
إذا ترعرع الولد ترعرع الوالد.
وقيل لعيسى عليه السلام: هل لك في الولد؟ فقال: ما حاجتي إلى من إن عاش كدني، وإن مات هدني. وقيل لبعض النساك: ما بالك لا تبتغي في ما كتب الله لك؟! قال سمعا لأمر الله، ولا مرحبا بمن إن عاش فتنني، وإن مات أحزنني: يريد قوله تعالى: أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ*. وقال حكيم في ذم الأولاد: ملوك صغارا، وأعداء كبارا؛ يريد قوله تعالى: إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ . ويقال: من أراد أن يذوق الحلاوة والمرارة فليتخذ ولدا. وينشد لأبي سهل سعيد بن عبد الله الثكلي
هذا الزمان الذي كنا نحذره ... فيما يحدّث عن كعب ومسعود
إن دام هذا ولم يحدث له غير ... لم يبك ميت ولم يفرح بمولود
وقال المتنبي:
وما الدهر أهل أن يؤمّل عنده ... حياة وأن يشتاق فيه إلى النسل «١»
وقال البستي:
يقولون ذكر المرء يحيا بنسله ... وليس له ذكر إذا لم يكن نسل
فقلت لهم نسلي بدائع حكمتي ... فإنّا فاتنا نسل فإنّا بها نسلو 
وقال ابن المعتز:
سكنتك يا دنيا برغمي مكرها ... وما كان لي في ذاك صنع ولا أمر
وجربت حتى قد قتلتك خبرة ... فأنت وعاء حشوه الهم الصرّ
فإن ارتحل يوما أودعك ذميمة ... وما فيك من عودي غراس ولا بذر
وقيل لفيلسوف يعق والديه: لم تعق والديك؟! فقال: لأنهما أخرجاني إلى عالم الكون والفساد. وقيل لأعرابي: لم أخرّت التزوج إلى الكبر؟! قال: لأبادر ولدي باليتم قبل أن يسبقني بالعقوق.
وحدثني أبو نصر سهل بن المهدي قال: كان رجل من المياسير بالبصرة يتمنى أن يرزق ابنا وينذر عليه النذور حتى ولد له، فسرّ به غاية السرور وأحسن تربيته حتى ارتفع عن مبلغ الأطفال إلى حد الرجال.
ولم يهمه شيء من أمر الدنيا سواه، ولم يؤخر ممكنا من الإحسان عنه، فلم يشعر الأب ذات يوم إلا بخنجر خالط جوفه من وراء ظهره، فاستغاث بابنه فلم يجبه، ثم استغاث به ثانية والتفت فإذا هو صاحب الضربة، فقال الشيخ: لا إله إلا الله محمد رسول الله، أستغفر الله، صدق الله؛ أراد بالتهليل أن يلقى الله بالإيمان، وبالاستغفار إن الله تعالى حذره فلم يحذر، وبقوله: صدق الله عز وجل، قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ. فجمع بهذه الكلمات كل ما يحتاج إليه في تلك الحال.

ما قيل في مدح البنات

دخل عمرو بن العاص على معاوية وعنده ابنته عائشة فقال: من هذه يا معاوية؟ فقال: هذه تفاحة القلب، وريحانة العين وشمامة الأنف، فقال: أمطها عنك، قال: ولم؟! قال: لأنهن يلدن الأعداء، ويقربن البعداء، ويورثن الشحناء، ويثرن البغضاء، قال: لا تقل ذلك يا عمرو فو الله ما مرّض المرضى ولا ندب الموتى ولا أعان على الزمان ولا أذهب غبش الأحزان مثلهن، وانفك لواحد خالا قد نفعه بنو أخته، وأبا قد رفعه نسل بنته، فقال: يا معاوية دخلت عليك وما على الأرض شيء أبغض إليّ منهن، وإني لأخرج من عندك وما عليها شيء أحب إليّ منهن .
وقال معن بن أوس:
رأيت رجالا يكرهون بناتهم ... وفيهن لا نكذب نساء صوالح
وفيهن والأيام يفتكن بالفتى ... خوادم لا يمللنه ونوائح
وقال العلوي الجماني في صديق له ولدت له بنت فسخطها شعرا:
قالوا له ماذا رزقتا ... فاصاخ ثمة قال بنتا
وأجل من ولد النساء ... أبو البنات فلم جزعتا
إن الذين تودّ من ... بين الخلائق ما استطعتا
نالوا بفضل البنت ما ... كبتوا به الأعداء كبتا
وفي رقعة للصاحب بالتهنئة بالبنت: أهلا وسهلا بعقيلة النساء وأم الأبناء، وجالبة الأصهار والأولاد الأطهار، والمبشرة بإخوة يتناسقون ونجباء يتلاحقون. شعر:
فلو كان النساء كمن وجدنا ... لفضّلت النساء على الرجال
وما التأنيث لاسم الشمس عيب ... وما التذكير فخر للهلال
والله تعالى يعرفك يا مولاي البركة في مطلعها، والسعادة بموقعها، فادرع اغتباطا، واستأنف نشاطا، فالدنيا مؤنثة والرجال يخدمونها، والذكور يعبدونها، والأرض مؤنثة ومنها خلقت البرية، وفيها كثرت الذرية، والسماء مؤنثة وقد زينت بالكواكب، وحليت بالنجم الثاقب، والنفس مؤنثة وهي قوام الأبدان، وملاك الحيوان، والحياة مؤنثة ولولاها لم تتصرف الأجسام، ولا عرف الأنام، والجنة مؤنثة وبها وعد المتقون، وفيها ينعم المرسلون، فهنيئا لك هنيئا بما أوتيت وأوزعك الله شكر ما أعطيت.
ونسخت رقعة لأبي الفرج الببغاء: اتصل بي خبر المولودة المسعودة، كرّم الله عرقها وأنبتها نباتا حسنا، وما كان من تغيرك عند اتصال الخبر، وإنكارك ما اختاره الله لك في سابق القدر، وقد علمت أنهن أقرب من القلوب وأن الله بدأ بهن في الترتيب فقال عز من قائل: يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ
 وما سماه الله تعالى هبة، فهو بالشكر أولى وبحسن التقبل أحرى. فهنّاك الله بورود الكريمة عليك، وثمرتها اعداد النسل الطيب لديك، والله أعلم.

ما قيل في ذم البنات

قيل لأعرابي: ما ولدك؟ قال: قليل خبيث. قيل: وكيف ذلك؟! قال: لا عدد أقل من الواحد ولا أخبث من بنت. وكان يقال: دفن البنت من المكرمات. ويقال: تقديم الحرم من النعم.
وفي الحديث المرفوع: نعم الختن القبر. ويروى لعبد الله بن طاهر:
لكلّ أبي بنت إذا ما ترعرعت ... ثلاثة أصهار إذا كرم الصهر
فزوج يراعيها وبيت يكنها ... وقبر يواريها، وخيرهم القبر
وقال غيره:
جعلت فداك من النائبات ... ومتعت ما عشت من الطيبات
سروران ما لهما ثالث ... حياة البنين وموت البنات
وأصدق من ذين قول الحكيم ... دفن البنات من المكرمات
وكان الاستاذ الطبري يقول: ليس بشيخ من لا بنت له، وإن كان ابن تسعين سنة، وليس بشاب من له بنت، وإن كان ابن عشرين سنة.
وقيل: طوبى لمن صاهر القبر وخطب إليه الدهر ووضع في ميزانه الأجر.
المرجع/ 
الكتاب: اللطائف والظرائف" المؤلف: عبد الملك بن محمد بن إسماعيل أبو منصور الثعالبي (ت ٤٢٩هـ) الناشر: دار المناهل، بيروت عدد الصفحات: ٣٥٩..

              

بقلم/ المؤرخ

Abu Ismail al-Hilali

التاريخ بيت قديم، الأجداد يتهامسون فيه عن إرث مجيد والأحفاد يستمعون ويصغون لفهم الحياة

إرسال تعليق

{مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ }ق18

أحدث أقدم