مهنة العطارة

مهنة العطارة
مَوْسُوعَةُ الْهُلًاْلِيُّ - 
العطارة كلمة عربية قديمة وردت في لغة العرب 
قال الفراهيدي المتوفي سنة 170هـ":واللَّطيمةُ: سوقٌ فيها أوعيةُ العِطْر ونحوه من البِياعات. وكلُّ سُوقٍ يُحمل إليها غير الميرة فهو اللّطيمة من حرّ البياعات، غير ما يُؤْكل [العين، ج7، 433]، وقال: واللَّطيمةُ: المِسْكُ في قول ذي الرّمّة:
[كأنّه بيت عَطّارٍ يُضَمِّنهُ] ... لطائِمَ المِسْكِ يَحْويها وتُنتَهَبُ
وذي الرمة شاعر قديم من بني تميم من شعراء نجد توفي سنة 117هـ/ 735م ويفهم من هذا البيت أن مهنة العطار معروفة منذ ذلك الزمن وأنه كان يبيع المسك وهو من أنواع الطيب الجيد..
قال ابن سيده المتوفي سنة 458هـ: "الْعطر - يجمع ضُروب الطّيب وَالْجمع عُطور وبائعه عطّار وحرفته العِطارة وَقد تعطّر وعطّرته وَرجل معطار وعطّار وعطِر وَامْرَأَة مِعطار ومِعطير وعطِرة.[المخصص، ابن سيده، ج3، ص218]
وفي لسان العرب المتوفي سنة 711هـ:"عطر: العِطْرُ: اسْمٌ جَامِعٌ للطِّيب، وَالْجَمْعُ عُطورٌ. وَالْعَطَّارُ: بائعُه، وحِرْفَتُه العِطَارةُ" [لسان العرب، ج4، ص582]
" المُعْطِرات مِنِ الإِبل الَّتِي كأَنَّ عَلَى أَوبارِها صِبْغاً مِنْ حُسْنها، وأَصله مِنِ العطْرِ"
قال الزبيدي المتوفي سنة 1205هـ: رَجُلٌ عَطّارٌ ماهِرٌ فِي العِطَارَة، قَالَه الزمخشريّ. والمِعْطِيرُ: العَطّار: يَتْبَعْنَ جَأْباً كمُدُقِّ المِعْطِيرْ. والعَطّارُ لَقَبُ جماعَةِ من المُحَدِّثِين مِنْهُم أَبان، ودَاوُودُ بنُ عَبْد الرَّحْمنِ، ومَرْحُومُ بنُ عبد العَزِيزِ، ومحمَّدُ بن مَخْلَدٍ، ويَحْيَى بن سَعِيِدٍ الحِمْصِيّ، وجَماعة. وقال وصَيْدَلَانِيٌّ، وَهُوَ العَطَّارُ..
ذكر د. جواد علي في "المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام": وذكر أن اللطيمة سوق فيها أوعية من العطر ونحوه، وربما قيل لسوق العطارين: لطيمة.. وهذه التسمية قديمة تاريخياً تعود إلى عهود القوافل التجارية القديمة.. 
ويبدو من خلال ما سبق أن مهنة العطارة تاريخيا كانت ترتكز على بيع أنواع الطيب والعطور، لكنها اليوم ترتكز على بيع الأعشاب الطبية وبذور النباتات الغذائية وغيرها من المواد المستخدمة في الطب العربي، وغالب محلات العطارة في أي منطقة تجد لها طابع تاريخي قديم، لأنها حرفة تنتقل بالوارثة من السابقين إلى اللاحقين، وهو ما يميزها عن غيرها من المحلات التجارية، كما أن سوق العطارين هو أيضاً من الأسواق القديمة في أي مدينة، فهو إذا معلم تاريخي من معالم حضارة أي مدينة.. ولا تخلو المدن من محلات العطارة وأسواق العطارين..
تاريخ التداوي بالأعشاب هو تاريخ قديم قدم الإنسانية، ولعل أكثر من لجأ لاستخدام التداوي بالأعشاب هم سكان الصحراء والبادية ولا زال هذا الأمر معروفا حتى اليوم، وكانوا يستخدمون أعشاب كثيرة لعلاج أنفسهم وعلاج دوابهم من الأمراض المتوطنة أو الامراض الموسمية ..

وبحسب ما ذكر باحثون فإن تاريخ مهنة العطارة يرجع لحوالي 2600 سنة قبل الميلاد حيث وجد في لوحين طينيين سومريين نصوص طبية مسمارية ممزوجة بطلاسم دينية تصف أعراضا ووصفات مع كيفية تحضيرها. وكذالك في بردية إبيرس التي كتبت حوالي 1500 سنة قبل الميلاد فإنها حوت أكثر من 800 وصفة وذكرت ما يزيد عن 700 دواء مختلف. وعند اليونانيين أيضا ، كتب ديسقوريدوس كتابه: أدوات الطب (De materia medica) نحو 60 م الذي كان بمثابة قاعدة علمية ونقدية لبائعي الأدوية والأعشاب. طيلة هذه المدة لم يكن الفرق واضحا بين العطارين والمشعوذين إلى غاية بروز الحضارة الإسلامية ، حيث ظهرت في بغداد محلات عطارة يقوم عليها صيادلة عرب منذ سنة 750 م في عهد الخلافة العباسية.[ويكيبديا الموسوعة الحرة]
ومن الجدير ذكره أن أكثر علماء الحديث خصصوا في مؤلفاتهم أبواباً للطب، وأولهم الإمام مالك في موَّطئه، وسار على نهجه الإمام البخاري فمسلم فأصحاب السَّنن وغيرهم. وأما أول مصنف مستقل في هذا الموضوع؛ فرسالة مقتضبة تتعلق بالصحة والطب النبوي للإمام علي بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق (ت 203هـ/811م) وضعها بناء على طلب من الخليفة المأمون، ثمَّ كتاب «الطب النبوي» لعبد الملك بن حبيب الأندلسي (ت 238هـ/853م)، أما أشهر الكتب في هذا الباب فكتاب «الطب النبوي» للإمام شمس الدين محمد بن أبي بكر المعروف بابن قيم الجوزية (ت 751 هـ/1350م) من كبار علماء دمشق، ومن أشهر أطباء العصر الأموي ابن آثال وكان خبيراً بالأدوية المفردة والمركبة، ومقرّباً من معاوية بن أبي سفيان، وابن ماسرجويه الذي عاصر عمر بن عبد العزيز وألَّف كتابين في الأطعمة والأدوية.
وفي العصر العباسي ازدهرت العطارة بازدياد حياة الترف وازدياد عدد المهتمين بالأعشاب والتداوي بها، ومن أطباء ذلك العصر محمد بن زكريا الرازي (ت 311هـ/923م) صاحب كتاب «الحاوي»، وهو أول من استخدم الرصاص الأبيض في المراهم. وابن سينا (ت 428هـ/1036م) الذي ترك تراثاً علمياً رائعاً.
كذلك راجت صنعة العطارة في قرطبة، عاصمة المسلمين في الأندلس، وغيرها من مدن الأندلس. ومن أشهر أطبائها أبو القاسم الزهراوي (ت 427 هـ/1035 م)، وابن واقد الأندلسي (ت 460 هـ/1067م)، وكان طبيباً صيدلانياً لا يرى التداوي بالأدوية ما أمكن التداوي بالغذاء، فإذا دعت الضرورة إلى الأدوية داوى بالبسيطة منها، ثم بالمركبة، وكان يميل إلى المعالجة بالماء.
وأما ابن البيطار (عبد الله بن أحمد المالقي ت 646هـ/1248م)؛ فاشْتُهِرَ في مجال الأدوية النباتية المفردة، وشغل منصب رئيس العطَّارين في مصر. وأشهر كتبه «الجامع في الأدوية المفردة»، الذي ترجم إلى اللاتينية وعمل به سنين طويلة.
وهناك أيضاً داود بن عمر الأنطاكي (ت 1008 هـ/1600م) وكان أبقراط زمانه. درس الأعشاب وحذق بها وألَّف كتباً كثيرةً أشهرها «تذكرة أولي الألباب، والجامع للعجب العجاب» المعروف باسم «تذكرة داود». [الموسوعة العربية، زهير دركل، توفيق الحاج يحيى]

مهنة العطارة في العصر الحديث

أصبحت هذه المهنة تدرج اليوم تحت بند الطب البديل والتداوي بالأعشاب أو الطب الشعبي أو الطب التقليدي، ويتمع من يعمل بها بخبرة جيدة في علاج بعض الأمراض التي لها تاريخ قديم ..
ويسمى مزاول مهنة العطارة بالعطار أو الحواج هو الشخص الذي يبيع الأعشاب والنباتات العلاجية ليتداوى بها الناس, وهو الذي كان يملك الخبرة الكبيرة في تحضير العديد من الوصفات الشعبية..
تشمل مهنة العطارة تركيب الأدوية من الأعشاب الطبيعية وبيعها، وتحضير التَّوابل والأفاويه والمطحونات، إضافةً إلى أنواع البخور والأعشاب العطرية المختلفة. أما ما يتصل بالعطور فقد اقتصرت اهتمامات معظم العطارين على المسك وماء الورد وماء الزهر، ويهتم العطَّار عادةً بتوسيع معرفته وتجربته بالمزيد من الأعشاب والنباتات الطبيِّة لمعرفة خواص كل منها وفوائده، ولا يمكنه أن يصف أي دواء إذا لم يكن مجرَّباً ومدروساً؛ فالتداوي بالأعشاب غالباً ما يشمل مزيجاً من مجموعة أعشاب مختلفة الأنواع، وكل نوع منها فعَّال في معالجة العلة المقصودة، لأنَّه ليس من المحتَّم أن تفي كل عشبة أو نبات طبي بشفاء كامل؛ بل إنَّ بعض الأمراض قابل للعلاج بعدد كبير من الأعشاب والنباتات الطبية.
من أسماء الأعشاب ومبيعات العطارة:
حينما نتأمل أسماء بعض الأعشاب نظن أننا لم نعرف أي شيء عن عالم النباتات الطبيعية وذلك لأسمائها الغريبة والتي تحتاج دراسة خاصة فيها، ومنها عشبة رجل الحمامة وعشبة رجل الغراب وعشبة المردكوش وعشبة الزيزفون وعشبة رجل الأسد وعشبة الجينسنغ وعشبة السانت جون وعشبة الجنكوبيلوبا وعشبة المورينجا وعشبة الكاموميل وغيرها الكثير ..
وكذلك توجد اعشاب مشهورة مثل البنابونج والنعناع والريحان والزعتر والميرمية والينسون والزنجبيل وكذلك بعض البهارات والتوابل مثل القرفة والفلفل الأسود والكمون وورق الغار..
ومن البذور الكثير مثل اليقطين والبطيخ والسمسم والفستدق واللوز وعين الجمل وخلافه 
ومن العسل الطبيعي عدة أنواع كعسل الجبل وعسل زهر الكينيا وعسل زهر الحمضيات وما إلى ذلك..
ومن أشهر العلاجات التي يدخل الطب البديل في علاجها بعض الأمراض الجلدية وأمراض فروة الرأس والشعر وأمراض المسالك البولية والضعف الجنسي والبشرة وأمراض الروماتيزم والسكري، وفقر الدم .. 
كما يوفر العطارين بعض الأغذية التي توصف على أنها مقوي عام لجهاز المناعة وتساعد على السمنة لمن يعانون من النحافة والارهاق، ومن ذلك طعام يسمى "المختوم" وهو خليط من العجوة والعسل والمكسرات وزيت الزيتون، وكذلك بعض الأطعمة الغذائية التي تستخدم كعلاج الروماتيزم...

تأثير العطارة على صحة الإنسان:

من المهم جدا أن تخضع طرق العلاج لقانون وضبط ومسؤولية ورقابة، ومن الضروري بالنسبة للبائع والمشتري على حد سواء التأكد والتروي وأخذ موافقة طبية مختصة من قبل الدوائر الرسمية العاملة في هذا المجال، قبل استعمال أي نباتات مجهولة المصدر ومجهولة التأثيرات الجانبية وتاريخ الانتاج وبلد المنشأ والأضرار التي قد تسببها، ويجب التأكد من أن كل شيء ضمن الإطار السليم والصحي دون أي مخالفة أو ضرر.
كما يجب على أي عطار يبيع وصفات علاجية للناس من الحصول على ترخيص يسمح له بمزاولة ذلك، لأن صحة الإنسان ليست ملعب للتجارب والاستهتار فهذه أرواح وخطايا ..
ومن أكثر أخطار هذه المهنة أن بعض النباتات قد تكون سامة، وبعض الخلطات قد تسبب الوفاة، وبعضها الآخر قد يسبب أمراض مستعصية، ومن هنا فلابد أن يتم تسجيل وترخيص الأصناف المعروضة للبيع ..
وفيما يلي قائمة لبعض النباتات التي لها تأثيرات سلبية على صحة الإنسان
_ رجل الغراب (يؤدي إلى الإصابة بسرطان الكبد)
_ المردقوش (يؤثر على الدورة الشهرية لدى السيدات)
- للوز المر (يحتوي مادة السيانيد السامة)
- السنامكة (تستخدم عادة لعلاج الإمساك لكنها تؤثر سلبًا على المعدة فيما بعد وقد تؤدي إلى فشل كلوي)
- الديجيتاليا (يستخدم لعلاج هبوط القلب الاحتقاني وزيادة منه تؤدي إلى الوفاة)
- الحرمل (يتم امتصاص مكوناته في الجسم بحيث تذهب إلى الجهاز العصبي المركزي، وتعتبر منبهات شديدة له، ولها تأثيرات سيئة على الجسم) [جامعة النجاح - نابلس]
كيفية تجنب ضرر العلاج بالأعشاب ؟
إن للأعشاب الطبية فوائد معروفة منذ القدم، لكن الطريقة التي يتم بها تناول الأعشاب خاطئة فلا بد أن تخضع الأعشاب لأسلوب علمي، ودراسات وتحاليل كي تتمُّ فائدتُها، مع ضرورة تحديد الجرعة المناسبة لكل مريض حرصا على سلامته؛
ينبغي أن يكون الأمر مبنيا على دراسة من المتخصصين تشمل تحديد المادة الفعالة ومميزاتها وأعراضها الجانبية، وتحديد الجرعة العلاجية، والطريقة المثلى للاستخدام ، ودرجة نقاء الاعشاب المستخدمة، والرقابة على تخزينها وصلاحيتها للاستخدام؛
استعمال الاعشاب التي يحضّرها الاخصائيون في مصانع خاصّة بها، بطرق سليمة ومدروسة، لأنّ هذه المصانع تصنّع الأدوية بعدما تتخلص من الأضرار الجانبية للأعشاب، حتى تكون لها الفائدة العلاجية، وتباع بمحلاّت مخصّصة لها ومرخّص لها بصفة قانونية؛
تجنّب استعمال الاعشاب التي تباع عند العطّار أو على الأرصفة؛
استشارة الأخصائيين في تحضير الاعشاب لمعرفة نوع النباتات العشبية المناسبة للمرض، وكذلك الجرعات التي يحتاجها كلّ مريض؛
يجب الحذر من الخلطات المغشوشة، وعدم تداولها أو شرائها فهي مصدر للتسمّمات، كما أنّها تؤدي إلى مخاطر ضارة على الصحة، وقد تؤدي إلى إعاقة أو اجهاض الجنين، إذا ما تمّ تناولها من طرف المرأة الحامل. [مجلة صحتي - وزارة الصحة- المملكة المغربية]

              

بقلم/ المؤرخ

Abu Ismail al-Hilali

التاريخ بيت قديم، الأجداد يتهامسون فيه عن إرث مجيد والأحفاد يستمعون ويصغون لفهم الحياة

إرسال تعليق

{مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ }ق18

أحدث أقدم