الزعامات المحلية في المجتمع العربي

الزعامات المحلية في المجتمع العربي
مَوْسُوعَةُ الْهُلًاْلِيُّ - جاء في لسان العرب؛ الزَّعامَةُ وَهِيَ السِّيَادَةُ أَو السِّلَاحُ فَلَا ينازِع الورثةُ فيها الغلامَ، إِذا هِيَ مَخْصُوصَةٌ بِهِ. والزَّعَمُ، بِالتَّحْرِيكِ: الطَّمَعُ، زَعِمَ يَزْعَمُ زَعَماً وزَعْماً: طَمِعَ؛ و
يَتَزاعَمان: "أَي يَتَدَاعَيَانِ شَيْئًا فَيَخْتَلِفَانِ فِيهِ" قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: مَعْنَاهُ أَنهما يَتَحَادَثَانِ بالزَّعَماتِ وَهِيَ مَا لَا يُوثَقُ بِهِ مِنَ الأَحاديث.[ لسان العرب، ابن منظور، ج 12، ص276]..
وقال الرازي: " وَ (الزَّعِيمُ) الْكَفِيلُ. وَفِي الْحَدِيثِ: «الزَّعِيمُ غَارِمٌ» وَ (الزَّعَامَةُ) أَيْضًا السِّيَادَةُ، وَ (زَعِيمُ) الْقَوْمِ سَيِّدُهُمْ.. [مختار الصحاح، الرازي، ص136].. وقال الحميري: الزعامة مصدر زعيم، ومعناها السيادة مصدر سيد، وقال ابن دريد: " الزَّعْم والزُّعْم لُغَتَانِ فصيحتان.. وزَعيم الْقَوْم: سيّدهم، وَالِاسْم الزعامة. وَقد سمّت الْعَرَب زاعماً وزُعَيْماً. والزَّعيم: الْكَفِيل، وَهَكَذَا فُسّر فِي التَّنْزِيل: وَأَنا بِهِ زَعيم، أَي كَفِيل، وَالله أعلم."..
المحل: اسم المكان أو الزمان من حل يحل إذا نزل وأقام، والمحل: اسم المكان والزمان من حل يحل إذا وجب
الزعامات المحلية: هم الأشخاص الذين يتصدرون الناس، ويتولون رياسة أمورهم وشئونهم في محل إقامتهم وسكنهم، وهي موزعة بحسب أسماء أماكن السكن في المدن والأحياء وفي القرى والحارات، وغالباً ما يكون التنافس على أشده بين المتزعمين، في كل كبيرة وصغيرة..
والزعامة موجودة مع وجود الإنسان نفسه، ولها تاريخها الخاص بها أيضاً كبقية المحاور الاجتماعية التي تدور داخل التاريخ البشري، ولذلك لها تراثها وثقافتها وأمثالها وعاداتها وتقاليدها وهي من الأطماع التي طالما طمع بها رجال أي مجتمع كان، ومهما كان مستواه الثقافي والاجتماعي، وهي متوزعة بين مكونات وفئات المجتمعات على كافة الصعد.. 
ولذلك فان الزعامات متنوعة بطبيعة الحال مثل: الزعامة الدينية، الزعامة القبلية "العائلية"، الزعامة السياسية، الزعامة الاجتماعية المتنوعة.. وهي قد تكون متوزعة داخل مجتمع سكاني واحد، ومن هنا يظهر التنافس بينهم.. ومن أهم طرق الوصول للزعامة أنها موروثة أي تنتقل من الآباء إلى الأبناء والأخوة فالأحفاد، أو بالتعيين من جهات حاكمة، أو بالانتخاب، أو تفرض نفسها بواسطة قوتها ومميزاتها إذ أن الشخص الذي تليق به الزعامة وممارسة دوره وفق متطلباتها هو شخص مميز عن أقرانه في قوته وشجاعته وجرأته وذكائه وحنكته وهو في الغالب لا يطلبها ولكنها هي تطلبه وبدونه لا يتم الأمر ولا يكتمل، وهو لا يبحث ولا يلهث في طلبها، وإنما هي التي تهلث وتبحث عنه وتتشبث به..
إذا للزعامة مقاييس ومعايير، وللزعامة أركان ومكونات، ولها شروط، ولها عوامل مؤثرة، وللزعامة آثار إيجابية وسلبية" عيوب الزعامة"، وللزعامة خصائص وأنواع، ووظائف ومهام ..
أولاً: مقاييس الزعامة:
هي تلك الاختبارات والأحكام أو التقييمات التي تصدر من المجتمع الذي يعيش فيه "الزعيم" حيث يرى الناس المحيطة به أفعاله وأعماله وسلوكياته ومن خلالها يقرون أو يشهدون أو يصدرون حكمهم على مدى قدرته على تولي مهمة قيادتهم والسير بهم لاجتياز مشكلاتهم وتخطي المعوقات والمصاعب.. ومن ذلك: القدرة على الصبر، والحنكة والذكاء في التصرف واتخاذ القرارات ومعالجة المواقف، والقدرة على الاقناع والتأثير والضبط والادارة، وحسن السلوك والأخلاق والمعيشة، وغير ذلك من متطلبات القيادة والتأثير ..
وذكر د. جواد علي أن العرب قديما كانوا لا يسودون إلا من تكاملت فيه ست خصال: السخاء والنجدة والصبر والحلم والتواضع والبيان..[ المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، د. جواد علي، ج7، ص350]
ثانياً أركان الزعامة: 
لأي نوع من أنواع الزعامة أركان أساسية وهي أولاً وجود شخصية الزعيم، وثانيا وجود الفئة التي تحتاج لمن يتزعمها وهي الفئة التي تكون لديها الرغبة في تحقيق جملة من المطالب والأهداف، واما الفئة الاتكالية التي ليس لها أهداف نبيلة أو طموحات جليلة سوى المأكل والمشرب فليس بحاجة لزعيم ينظم أمورهم، وثالثا التجانس والروابط الاجتماعية لهذه الفئة، إذا لم يكن هناك تجانس وعلاقات قائمة ومتينة لهذه الفئة فلن يكتب لها الديمومة، وإنما الفئة المجتمعية التي يمكن ان تمارس أعمالها بنجاح واستمرارية هي الفئة المتجانسة اجتماعيا وتاريخيا ودينيا وتربطا روابط مشتركة من جميع الصعد..
ثالثاً: شروط الزعامة:
1- أن يكون الشخص من أهلها، لأن الزعامة لها أهلها والذين تكتشفهم المواقف والأحداث..
2- أن تكون الزعامة حقيقية لأنها هنا تفرض نفسها في أي ظرف ..
3- أن يتمتع الشخص المأهل للزعامة بجملة من الخصائص والمميزات، التي لا تكون إلا في الزعماء.
4- أن يكون ممن اشتهروا بالشرف والشهامة والكرم، ولهم تاريخ وراثي في ذلك أباً عن جد..
5- أن يكون قادرا على تحمل المسؤوليات وتذليل العقبات، وامداد جسور الروابط الاجتماعية..
رابعاً العوامل المؤثرة في الزعامة:
من أهم العوامل المؤثرة في الزعامة هي تلك الظروف والمعطيات والحقائق الموجودة على أرض الواقع، فإن الزعيم لن ينجح إذا قاد جماعة متخلفين عقليا، أو جماعة جاهلة بمتطلبات المعيشة وقوانين الحياة، أو قوم أذلاء ليس فيهم إلا الشح والبخل، أو جماعة لا تربطهم روابط قوية وينتشر بينهم التحاسد والتباغض، لأن هذه الأسباب تجعل الزعيم قائدا لنفسه فقط، بينما إن وجد على أرض الواقع قوم يفهمون أهمية دور الزعيم في حياتهم، ويكونون له طائعين جاهزين لتوجيهاته وتعليماته فهنا سوف يقودهم نحو التقدم والتوسع وتنوع الأرزاق وتعاظم قيمتهم وكيانهم ..
خامساً الإيجابيات والسلبيات في الزعامات::
الإيجابيات هي تعزيز القيم النبيلة والاخلاق الشريفة، وبناء جسور المحبة بين أفراد المجتمع، والقضاء على المشكلات ان ظهرت، وتوحيد الكلمة والصف، وتنظيم العلاقات بتكامل وشمولية..
السلبيات: الطمع والجشع وحب الذات والأنانية، وانكار دور الآخرين، واحتقار الآراء الأخرى، والتفرد بالقرارت والاجراءات وتنامي المحسوبية والاستئثار بكل شي..
صعوبة الانقياد لبعض التكوينات الاجتماعية:
"وليست قيادة القبيلة بأمر سهل يسير، لا سيما إذا كانت القبيلة قبيلة كبيرة ذات عشائر وأرهاط منتشرة في مواضع متباعدة. فإن رؤساء العشائر يستغلون فرصة ابتعادهم عن أرض الأم، ويعلنون انفصالهم عنها، وتوليهم أمرهم بأنفسهم، فيحدث الانفصام والانقسام، وقد يعلن الرئيس حربًا على العشيرة العاقَّة المنشقة، ولهذا يعد سيد القبيلة الذي تجتمع له رئاسة قبيلة كبيرة من السادات المحظوظين, وحظه هو ثمرة ذكائه ومواهبه وقابلياته, ولا شك.."[المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، د.جواد علي، ج7، ص345]
سادساً أنواع الزعامات المحلية وأسمائها :
الزعيم الروحي، الزعيم السياسي، زعيم الطائفة، زعيم العشيرة، أو العائلة، زعيم الجماعة..
هناك نوع من الزعامات الوهمية التي ليس لها دور فعلي في خدمة المجتمع وإنما لها دور في اخضاعه واذلاله لصالح جهة أخرى بطرق وهمية..
ومن الزعامات المحلية الأخرى ما يكون دورها إدراي وتنظيمي مثل رؤساء الهيئات المحلية كالبلديات والمجالس القروية والمحافظين، ومنها ما يكون عونا للحكومات ومساعدا لها في الحفاظ على السلم المجتمعي والاهلي مثل العمدة والمختار إلا أن هاتين الوظيفتين ليس لهما دور فعلي مفيد للحكومة وإنما هو ضار بمصالحها وهما من الأسباب الرئيسية لنشوب المشاكل الاجتماعية واحيانا الثورات الهائجة، لان التكوينات الاجتماعية لها زعماء حقيقين مؤثرين في جماعاتهم ..
سابعاً وظائف ومهام الزعامة:
التحدث باسم القوم وتوصيل رسائلهم ومطالبهم إلى جهات القرار..
اتخاذ مجلس شورى من أشراف القوم يستمد منهم رأيه ويستنير به ويعتمد عليه في تكوين أفكاره.
تحقيق مكاسب لعامة القوم تفيدهم في امور دنياهم ومعيشتهم وتحسن من مستوياتهم الاجتماعية والاقتصادية..
حل النزاعات والخلافات بالطرق المعروفة قبل تطورها واشتعالها..
تنظيم العلاقات الداخلية والخارجية.. 
مساعدة ومساندة الفقراء والمساكين والمرضى..
توفير وجلب كل ما من شأنه بناء وتنمية قدرات المجتمع وتطوره في مجمل مجالات الحياة..
من صفات ومهام رؤساء القبائل والعشائر تاريخيا:
وعلى من يسود في قومه أن يتحلى بخلال حميدة وسجايا طيبة، تجعل الناس يعترفون بسيادته عليهم، كأن يحتمل أذى قومه؛ ولذلك قيل للسيد "محتمل أذى قومه"، وأن يكون شريفًا في أفعاله حليما كريما، يغض نظره عن أعمال الحمقى والجهلة، وأن يتجاهل السفلة والسفهاء الجاهلين, قلا يغضب ولا يثور، وأن يكظم غيظه, جاء في المثل: "احلم تسد", وأن يحترم الناس مهما كانت منازلهم، وأن يؤلف بينهم ويكتسب محبتهم، وأن يكون ملاذهم، وأن يجعل بيته بيتًا للجميع ومضيفا لكل من يفد إليه من كبير أو حقير أو صغير، وأن يفتح قلبه للجميع.
وعلى الرئيس أن يكون في مقدمة القوم في الحروب والغزو، وأن يكون شجاعًا لا يهاب الموت، حتى يكسب النصر لنفسه ولقومه، وعليه أن يكون قائد قبيلته وواضع خطط الحرب؛ لأنه رمز القبيلة ورمز النصر وباعث الهمم في نفوس أبنائه، وهو أب القبيلة، وإذا لم يكن قدوة لأبنائه في ساعات الشدة والخطر، فترت همم أبناء القبيلة, ولا يثير القبائل إلا الشعارات والنخوة وإلهاب المشاعر، حتى تندفع اندفاعًا في القتال. والرئيس هو روح القبيلة وشعارها، فإذا أصيب بمكروه أو جبن في القتال، وإذا خرَّ صريعًا في المعركة، هربت قبيلته في الغالب, وتراجعت القهقرى, إلا إذا وجد في القبيلة من يؤجج فيها نار الحماسة ويبث فيها العزيمة للوقوف والصمود. ويكون مثل هذا الرجل من الشجعان الأقوياء أصحاب الإرادة القوية الذين يعرفون نفسية قبيلتهم، وإلا فليس من السهل على رجل التأثير على قبيلة, وهي في مثل هذا الوضع. [المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، د.جواد علي، ج7، ص344]
              

بقلم/ المؤرخ

Abu Ismail al-Hilali

التاريخ بيت قديم، الأجداد يتهامسون فيه عن إرث مجيد والأحفاد يستمعون ويصغون لفهم الحياة

إرسال تعليق

{مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ }ق18

أحدث أقدم