صابية الخيل

صابية الخيل
مَوْسُوعَةُ الْهُلًاْلِيُّ - دعونا نطالع احدى العادات التراثية عند العرب في الأفراح والمناسبات..
الصابية: هي ريح تهب بين الصبا والشمال وتُسَمّى النُّكَيْبَاءَ.. [تاج العروس من جواهر القاموس، الزبيدي]
وفي لسان العرب لابن منظور: "فنَكْبَاءُ الصَّبا والجَنُوبِ مِهْيَافٌ مِلْوَاحٌ مِيباسٌ للبَقْلِ، وَهِيَ الَّتِي تجيءُ بَيْنَ الرِّيِحَيْنِ، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: تُسَمَّى الأَزْيَبَ؛ ونَكْبَاءُ الصَّبا والشَّمَال مِعْجَاجٌ مِصْرَاد، لَا مَطَر فِيهَا وَلَا خَيْرَ عِنْدَهَا، وَتُسَمَّى الصَّابِيةَ، وَتُسَمَّى أَيضاً النُّكَيْبَاءَ.."
وفي المعجم الوسيط: (الصبة) السفرة والصبابة وَالْجَمَاعَة يُقَال صبة من النَّاس..
وقال الأعشى:
وما عنده مجدٌ تليدٌ ولالهُ ... من الريح فضلٌ لا الجنوبُ ولا الصَّبا
والمعنى (والمعنى أنه لم ينل أحداً، فيكون كريح الجنوب، في مجيئها بالغيث، ولم ينفس عن أحد كربة، فيكون كريح الصبا) [كتاب الشعر، أبو علي الفارسي]
وقال آخر: "فإنّ الصبا ريحٌ إذا ما تنفَّسَتْ ... على نَفْسِ مهموم تجلَّتْ همومها..
وأما كلمة الصبي فلها عدة معاني منها: الصبي الطفل الذي لم يفطم بعد، والصبي ناظر العين، والصبي رأس عظم أسفل من شحمة الأذنين، والصبي حد السيف، والصبي رأس القوم، والصبوة جهلة القوم.. ومن هذه التعريفات اشتق اسم الصابية ..بمعنى الترفيه واللعب والتسابق في أجواء الفرح والابتهاج بواسطة جماعة من الشباب الخيالة والهجانة..
وفي عادات عرب الصحراء والبوادي نلحظ الآتي حول مفهوم الصابية 
1- الصابية، التي حمل العمل اسمها، شكل فني ينتمي إلى التراث الليبي، تقوم على وقوف مجموعة من الرجال متشابكي الأرجل، إلى جانب بعضهم بعضاً، والتصفيق والتغني بشتاوة (بيت شعر شعبي مقفى)، وينقسمون إلى صفين متقابلين فور دخول الحجّالة (الراقصة). وهذا النوع من الفنون موجود في ليبيا ومطروح، بينما هذا النوع من الفن يسمى الدحية في سيناء وفلسطين والأردن وحوران وتبوك..
2- وفي الفيوم يطلق مصطلح الـ «صابية» بمعنى مسابقة الخيول، وتعتبر من أكبر المسابقات في الفيوم، ويتم إقامتها كل عام في منطقة الساحل الشمالي لبحيرة قارون أو ما يطلق عليها صابية الدفاع الجوي، وتقام المسابقة كل عام ويأتي إليها الفرسان مع خيولهم من كل حدب وصوب، وتقام في جو أسرى وروح رياضية جميلة وتقام الأشواط بين الفرسان بالتحدي كل فارس يختار من يقابله والخيول الفائزة تربط برباط أبيض وتقام الأفراح وتم استقبال الفرسان والجمهور بالولائم الكبيرة من الطعام لمدة يومين.
3- وفي غزة وجنوب فلسطين، يستخدم مصطلح الصابية على تسابق ولعب الخيول في ساحات الأفراح
4- وفي الصعيد تعرف الصابية بأنها سباقات الخيول وتسمى المرماح التي تقام في المناسبات، حيث يقام سباق من عدد من المتسابقين هواة الخيل والفروسية في حلبة السباق على أنغام الطبل والمزمار، و"الصابية" تكون عبارة عن شكل دائري، وكل فارس يمسك عصا مصنوعة من الزان، وعلى الفرسان في "الصابية" أن يسيروا على القواعد، بداية من حركات "المشلاوية"، أى "اللف" و"إعطاء النقطة" النقود تحية للمزمار الذي يُحييهم ، ونهاية بخط السير المستقيم الذي سيقطعه الفارس بجانب منافسه، حيث يبلغ طوله مسافة 3 أمتار، ومن يصل أولا يكون الفائز، وتتم تحية حصانه قبل الفارس الذي يترجل عليه، وهذه التقاليد أشبه بمظهر جمالي، أما في سباقات قرية المفالسة فالوضع كان يسير نحو نوع "الطارد والمطرود".
تقرير صحفي: عن الصابية في غزة - هاني الشاعر - صفا
ما إن يتناهى إلى المسامع من بعيد مزيجٌ من زغاريد نساء وهتافات رجال ورغاء نوق؛ فإن عرسًا بدويًا في الجوار يُعلن بدء مراسمه بوصول خيَالة يطلق عليهم عشائريًا في غزة؛ "صابية الخيل".
ويُشارك في هذا المشهد البدوي عشرات من الشبان الذين يرتدون زيًا تقليديًا مزدانًا بأحزمة جلدية على الخصر وأخرى تتقاطع على الصدر؛ ويسوسون خيولهم التي تزيّنت نواصيها بفتائل صوفية ملونة وصولاً إلى مكان العرس البدوي.
ولا زالت بعض العشائر البدوية تحتفظ بهذه العادة التي تكافح الاندثار، وخصوصًا في بلدة دير البلح وسط قطاع غزة، وفي وادي غزة وقرية المغراقة أيضاً..
وصول صابية الخيل إلى مكان العرس؛ الذي قد يمتد مراسمه لأيام، يعني الكثير للمدعوين؛ فهم على موعدٍ مع رقصات استعراضية يؤديها الخيالة وفق نسق محدد تعرفه الخيول، عدا عن سباقاتٍ قصيرة يُظهر فيها الخيالة مهاراتهم في العدْو.
ويرجع سبب التسمية إلى اعتقاد أهل البادية الفلسطينية أن "الصابية" هي الهواء العليل-لا بارد ولا دافئ-، ويهب على مضارب البدو عصرًا، لذا فإن خيل الصابية تُقام في تلك الساعات..
مراسل وكالة "صفا" التقى أحد تلك العشائر المحافظة على عادة "الصابية".
عشيرة أبو منديل التي تنحدر أصولها من بئر السبع المحتلة جنوب فلسطين، واحدة من بين قليل من العشائر التي تتمسك في عادات الفرح البدوي القديم.
فما إن انتهت صلاة العصر، توجه المهنئون، لتهنئة والد العريس ونجله، وجلسوا في بيتٍ من الشعر، فيما اهتزت الأرض الترابية الواسعة بضربات حوافر الخيل المسرعة أمام باحة الخيمة. إنهم "خيل الصابية".
ولهذه الصابية طقوس محددة فور وصولها أمام الخيمة التي تضم أعيان العشيرة؛ حيث تؤدي الخيول التحية بإماءة رؤوسها سريعًا أمام أولئك الرجال المكسوّين بعباءاتٍ داكنة مذهّبة الحواف أحيانًا.
وبعد التحية السريعة؛ يبدأ سباق جماعي أو ثنائي مشاركة شبان من الهجّانة على ظهور الجمال أيضًا، وجميعهم يرتدون زيّا بدويًا مزركشًا أو حتى مُقلّمًا بالأبيض الأسود فقط.
وكنوعٍ من التعبير عن الودّ والتقدير لوالد العريس الذي عادةً ما يتحمّل التكاليف المادية؛ يقترب قائد "الصايبة" من ذلك الوالد ويطلب منه امتطاء جواده فيما يعدو بقية الخيالة وراءه ليقود المسير في باحة العرس.
ويردّ والد العريس ذلك الجميل بالسير من على خيله وفريق الصابية يتبعه أمام الضيوف المهنئين رافعًا يديه شاكرًا الحضور بترديد عبارات بدوية اللهجة: حياكم الله.. حيا الله نباكم.. شرفتونا.. عقبال أنجالكم.. دامت عليكم الأفراح والمسرات.. يا حياكم الله يا ربعنا وخلّانا".
ذلك المشهد الحافل بالتهاني لا يفوته عبق القهوة العربية المرّة التي تُعدّ في قدرٍ معدني خلف الخيمة، حيث ينهل صبّابوا القهوة من القدر لملء دلالهم النحاسية لتضييف الحضور الذين يُطلق عليهم باللكنة البدوية "الأجاويد".
التقينا عبد ربه أبو منديل والد العريس "هيثم". فقد بدا مختالاً بفريق صابية الخيل الذين أحيوا حفل نجله. 
ويسود اعتقادٌ بدوي أن كثرة الخيول والهجن الحاضرة إلى العرس رسالة محبّة مرئية من الحضور للعريس وذويه.
ويقول عبد ربه: "أقمت صابية خيل ونوق، احتفاءً بمناسبة زفاف هيثم، كجزء من الحفاظ على عادة تراثية فلسطينية بدوية قديمة توارثناها عن الأجداد".
ويأسف والد العريس من قرب اندثار عادة صابية الخيل في الأفراح البدوية من بعض العشائر القليلة في وسط القطاع وجنوبه.
أما الإعلامي ياسر المصدّر، فيقول إن الصابية قديمًا كانت للخيل فقط، وتستمر أيام، أما حديثًا فتنظم بمشاركة النوق (الهجانة) وتستمر لأيام.
ويعتقد الصابية أنهم "مدعوون بالفطرة" إلى أي عرسٍ بدوي طالما سمعوا به، ولا حاجة لانتظار تلقي الدعوة، فحضورهم على ظهور خيولهم يمنحهم لقب "النشميّ"، أي من يؤدي الواجب دون طلبٍ.
ويستذكر المصدّر أن قام أحد العرسان من عشيرة أبو زايد بتنظيم "صابية" استمرت 10 أيام، ولم يُرى مثلها حتى اليوم وبات أهل القرية يتحدثون عنها وعن تفاصيلها ويضربون بها المثل.
الخيال، أحمد أبو زايد، يشارك منذ أن تعلم ركوب الخيل في صغره في العديد من "الصوابي" وسباقات الخيل التي أقيمت في باحات خيام الأفراح البدوية في المنطقة.
ويقول أبو زايد: "نحن؛ الصابية نحرص أن تكون جيادنا الأفضل والأجمل والأكثر رشاقة وخفة في أداء الرقصات". وتعد تلك الصفات في الجواد مدعاةً للفخر لصاحبها.
وما إن يرخي الليل سدوله؛ حتى تغادر الصابية لتفسح المجال أمام فنونٍ شفوية أخرى يؤديها مجموعة من الـ"بدّيعة" الذين يُبدعون في غنائهم وإنشادهم للحضور مما يحفظونه من رقصات الدحيّة واليرغول والسحجة والمربوعة...[صفا]
ومن الجدير ذكره أن صابية الخيل، أو سباقات الخيل والهجن في الأفراح كانت قديما من أهم عادات ومظاهر الأفراح في مناطق مضارب القبائل البدوية التي كانت تنتشر في سهل مرج بني عامر، وسهل حوران، ووادي الحوارث، والخليل، وبئر السبع، وروبين وشمال أسدود وفي قطاع غزة في الوسط وفي السواحل والمناطق الشرقية والجنوبية، حيث تتوزع العديد من العشائر البدوية في تلك المناطق..

المراجع 
- صفا وكالة الصحافة الفلسطينية، يوليو 2020، هاني الشاعر
- بوابة أخبار اليوم، نوفمبر 2022م، محمود عمر
- صحيفة المصري اليوم، سبتمبر 2022، علي الشوكي.
- صحيفة العربي الجديد، يناير 2015، محمد الأصفر، طرابلس
- صحيفة الأهرام، سبتمبر، 2021م، محمود الدسوقي
              

بقلم/ المؤرخ

Abu Ismail al-Hilali

التاريخ بيت قديم، الأجداد يتهامسون فيه عن إرث مجيد والأحفاد يستمعون ويصغون لفهم الحياة

إرسال تعليق

{مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ }ق18

أحدث أقدم