قَالَ تَعَالَى وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمن يَشْكُرْ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ. وَإِذْ قَالَ لُقْمانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ. وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ. وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ. يَا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ. يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلى مَا أَصابَكَ إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ. وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ. وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) ٣١: ١٢- ١٩.
هُوَ لُقْمَانُ بْنُ عَنْقَاءَ بْنِ سَدُونَ. وَيُقَالَ لُقْمَانُ بْنُ ثَارَانَ حَكَاهُ السُّهَيْلِيُّ عَنِ ابْنِ جَرِيرٍ وَالْقُتَيْبِيِّ. قَالَ السُّهَيْلِيُّ وَكَانَ نُوبِيًّا مِنْ أَهْلِ أَيْلَةَ. قُلْتُ وَكَانَ رَجُلًا صَالِحًا ذَا عِبَادَةٍ وَعِبَارَةٍ وَحِكْمَةٍ عَظِيمَةٍ وَيُقَالُ كَانَ قَاضِيًا فِي زَمَنِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فاللَّه أَعْلَمُ. وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنِ الْأَشْعَثِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ كَانَ عَبْدًا حَبَشِيًّا نَجَّارًا. وَقَالَ قَتَادَةُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قُلْتُ لِجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ مَا انْتَهَى الَيْكُمْ فِي شَأْنِ لُقْمَانَ قَالَ كَانَ قَصِيرًا أَفْطَسَ مِنَ النُّوبَةِ. وَقَالَ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ كَانَ لُقْمَانُ مِنْ سُودَانِ مِصْرَ ذو مَشَافِرَ أَعْطَاهُ اللَّهُ الْحِكْمَةَ وَمَنَعَهُ النُّبُوَّةَ. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَرْمَلَةَ قَالَ جَاءَ أَسْوَدُ إِلَى سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ يَسْأَلُهُ فَقَالَ لَهُ سَعِيدٌ لَا تَحْزَنَ مِنْ أَجْلِ أَنَّكَ أَسْوَدُ فَإِنَّهُ كَانَ مِنْ أَخْيَرِ النَّاسِ ثَلَاثَةٌ مِنَ السُّودَانِ بِلَالٌ وَمِهْجَعٌ مَوْلَى عُمَرَ وَلُقْمَانُ الْحَكِيمُ كَانَ أَسْوَدَ نُوبِيًّا ذَا مَشَافِرَ. وَقَالَ الْأَعْمَشُ عَنْ مُجَاهِدٍ كَانَ لُقْمَانُ عَبْدًا أَسْوَدَ عَظِيمَ الشَّفَتَيْنِ مُشَقَّقَ الْقَدَمَيْنِ وَفِي رِوَايَةٍ مصفح القدمين. وقال عمر بْنُ قَيْسٍ كَانَ عَبْدًا أَسْوَدَ غَلِيظَ الشَّفَتَيْنِ مُصَفَّحَ الْقَدَمَيْنِ فَأَتَاهُ رَجُلٌ وَهُوَ فِي مَجْلِسِ أُنَاسٍ يُحَدِّثُهُمْ فَقَالَ لَهُ أَلَسْتَ الَّذِي كُنْتَ تَرْعَى مَعِيَ الْغَنَمَ فِي مَكَانِ كَذَا وَكَذَا قَالَ نَعَمْ قَالَ فَمَا بَلَغَ بِكَ مَا أَرَى قَالَ صِدْقُ الْحَدِيثِ وَالصَّمْتُ عَمَّا لَا يَعْنِينِي رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ حُمَيْدٍ عن الحكم عنه وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ حَدَّثَنَا صَفْوَانُ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ ابن أبى يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ قَالَ إِنَّ اللَّهَ رَفَعَ لقمان الحكيم لحكمته فَرَآهُ رَجُلٌ كَانَ يَعْرِفُهُ قَبْلَ ذَلِكَ فَقَالَ ألست عبد بن فلان الّذي كنت ترعى غنمي بِالْأَمْسِ قَالَ بَلَى قَالَ فَمَا بَلَغَ بِكَ مَا أَرَى قَالَ قَدَرُ اللَّهِ وَأَدَاءُ الْأَمَانَةِ وَصِدْقُ الْحَدِيثِ وَتَرْكُ مَا لَا يَعْنِينِي وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَيَّاشٍ الفتيانى عن عمر مولى عفرة قَالَ وَقَفَ رَجُلٌ عَلَى لُقْمَانَ الْحَكِيمِ فَقَالَ أنت لقمان أنت عبد بنى النحاس قَالَ نَعَمْ قَالَ فَأَنْتَ رَاعِي الْغَنَمِ الْأَسْوَدُ قَالَ أَمَّا سَوَادِي فَظَاهِرٌ فَمَا الَّذِي يُعْجِبُكَ مِنْ أَمْرِي قَالَ وَطْءُ النَّاسِ بِسَاطَكَ وَغَشْيُهُمْ بَابَكَ وَرِضَاهُمْ بِقَوْلِكَ قَالَ يَا ابْنَ أَخِي إِنْ صَنَعْتَ مَا أَقُولُ لَكَ كُنْتَ كَذَلِكَ قَالَ مَا هُوَ قَالَ لُقْمَانُ غَضِّي بَصَرِي وكفى لساني وعفة مطمعي وَحِفْظِي فَرْجِي وَقِيَامِي بِعُدَّتِي وَوَفَائِي بِعَهْدِي وَتَكْرُمَتِي ضَيْفِي وَحِفْظِي جَارِي وَتَرْكِي مَا لَا يَعْنِينِي فَذَاكَ الَّذِي صَيَّرَنِي كَمَا تَرَى. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا ابن فضيل حدثنا عمرو بن واقد عن عبدة ابن رَبَاحٍ عَنْ رَبِيعَةَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّهُ قَالَ يَوْمًا وَذَكَرَ لُقْمَانَ الْحَكِيمَ فَقَالَ مَا أُوتِيَ عَنْ أَهْلٍ وَلَا مَالٍ وَلَا حَسَبٍ ولا خصال ولكنه كان رجلا ضمضامة [١] سِكِّيتًا طَوِيلَ التَّفَكُّرِ عَمِيقَ النَّظَرِ لَمْ يَنَمْ نَهَارًا قَطُّ وَلَمْ يَرَهُ أَحَدٌ يَبْزُقُ وَلَا يتنحنح وَلَا يَبُولُ وَلَا يَتَغَوَّطُ وَلَا يَغْتَسِلُ وَلَا يَعْبَثُ وَلَا يَضْحَكُ وَكَانَ لَا يُعِيدُ مَنْطِقًا نَطَقَهُ إِلَّا أَنْ يَقُولَ حِكْمَةً يَسْتَعِيدُهَا إِيَّاهُ أَحَدٌ وَكَانَ قَدْ تَزَوَّجَ وَوُلِدَ لَهُ أَوْلَادٌ فَمَاتُوا فَلَمْ يَبْكِ عَلَيْهِمْ وَكَانَ يَغْشَى السُّلْطَانَ وَيَأْتِي الْحُكَّامَ لِيَنْظُرَ وَيَتَفَكَّرَ وَيَعْتَبِرَ فَبِذَلِكَ أُوتِيَ مَا أُوتِيَ وَمِنْهُمْ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ عُرِضَتْ عَلَيْهِ النُّبُوَّةَ فَخَافَ أَنْ لَا يَقُومُ بِأَعْبَائِهَا فَاخْتَارَ الْحِكْمَةَ لِأَنَّهَا أَسْهَلُ عَلَيْهِ وَفِي هَذَا نَظَرٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَهَذَا مَرْوِيٌّ عَنْ قَتَادَةَ كَمَا سَنَذْكُرُهُ. وَرَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ جَرِيرٍ مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّهُ قَالَ كَانَ لقمان نبيا وهذا ضعيف لحال الجعفي.
وَالْمَشْهُورُ عَنِ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ كَانَ حَكِيمًا وَلِيًّا وَلَمْ يَكُنْ نَبِيًّا وَقَدْ ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ فَأَثْنَى عَلَيْهِ وَحَكَى مِنْ كَلَامِهِ فِيمَا وَعَظَ بِهِ وَلَدَهُ الَّذِي هُوَ أَحَبُّ الْخَلْقِ إِلَيْهِ وَهُوَ أَشْفَقُ النَّاسِ عَلَيْهِ فَكَانَ مِنْ أَوَّلِ مَا وَعَظَ بِهِ أَنْ قَالَ (يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) ٣١: ١٣. فَنَهَاهُ عَنْهُ وَحَذَّرَهُ مِنْهُ. وَقَدْ قَالَ الْبُخَارِيُّ حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ ٦: ٨٢ شَقَّ ذَلِكَ عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالُوا أَيُّنَا لَمْ يَلْبِسْ إِيمَانَهُ بِظُلْمٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّهُ لَيْسَ بِذَاكَ أَلَمْ تَسْمَعْ الى قول لقمان (يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) ٣١: ١٣ رواه مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ مِهْرَانَ الْأَعْمَشِ بِهِ ثُمَّ اعْتَرَضَ تَعَالَى بِالْوَصِيَّةِ بِالْوَالِدَيْنِ وَبَيَانِ حَقِّهِمَا عَلَى الْوَلَدِ وَتَأَكُّدِهِ وَأَمَرَ بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهِمَا حَتَّى وَلَوْ كَانَا مُشْرِكَيْنِ وَلَكِنْ لَا يُطَاعَانِ عَلَى الدُّخُولِ فِي دِينِهِمَا إِلَى أَنْ قَالَ مُخْبِرًا عَنْ لُقْمَانَ فِيمَا وَعَظَ بِهِ وَلَدَهُ (يَا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ الله لَطِيفٌ خَبِيرٌ) ٣١: ١٦ يَنْهَاهُ عَنْ ظُلْمِ النَّاسِ وَلَوْ بِحَبَّةِ خَرْدَلٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَسْأَلُ عَنْهَا وَيُحْضِرُهَا حَوْزَةَ الْحِسَابِ وَيَضَعُهَا فِي الْمِيزَانِ كَمَا قَالَ تَعَالَى إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ ٤: ٤٠ وَقَالَ تَعَالَى وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَكَفى بِنا حاسِبِينَ ٢١: ٤٧ وَأَخْبَرَهُ أَنَّ هَذَا الظُّلْمَ لَوْ كَانَ فِي الْحَقَارَةِ كَالْخَرْدَلَةِ وَلَوْ كَانَ فِي جَوْفِ صَخْرَةٍ صَمَّاءَ لَا بَابَ لَهَا وَلَا كُوَّةَ أَوْ لَوْ كَانَتْ سَاقِطَةً فِي شَيْءٍ مِنْ ظُلُمَاتِ الأرض أو السموات فِي اتِّسَاعِهِمَا وَامْتِدَادِ أَرْجَائِهِمَا لَعَلِمَ اللَّهُ مَكَانَهَا (إِنَّ الله لَطِيفٌ خَبِيرٌ) ٣١: ١٦ أَيْ عِلْمُهُ دَقِيقٌ فَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ الذَّرُّ مِمَّا تَرَاءَى لِلنَّوَاظِرِ أَوْ تَوَارَى كَمَا قَالَ تَعَالَى وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلَّا في كِتابٍ مُبِينٍ ٦: ٥٩ وَقَالَ وَما مِنْ غائِبَةٍ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا في كِتابٍ مُبِينٍ ٢٧: ٧٥ وَقَالَ عالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ ٣٤: ٣ وَقَدْ زَعَمَ السُّدِّيُّ فِي خَبَرِهِ عَنِ الصَّحَابَةِ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَذِهِ الصَّخْرَةِ الصَّخْرَةُ الَّتِي تَحْتَ الْأَرْضِينَ السَّبْعِ وَهَكَذَا حُكِيَ عَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ وأبى مالك والثوري والمنهال بن عمر وَغَيْرِهِمْ وَفِي صِحَّةِ هَذَا الْقَوْلِ مِنْ أَصْلِهِ نظر. ثم ان في هَذَا هُوَ الْمُرَادُ نَظَرٌ آخَرُ فَإِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَكِرَةٌ غَيْرُ مُعَرَّفَةٍ فَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِهَا مَا قَالُوهُ لَقَالَ فَتَكُنْ فِي الصَّخْرَةِ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَيِّ صَخْرَةٍ كَانَتْ كَمَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ حَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ حَدَّثَنَا دَرَّاجٍ عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ يَعْمَلُ فِي صَخْرَةٍ صَمَّاءَ لَيْسَ لَهَا بَابٌ وَلَا كُوَّةٌ لَخَرَجَ عَمَلُهُ لِلنَّاسِ كَائِنًا مَا كَانَ ثُمَّ قَالَ (يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ) ٣١: ١٧ أَيْ أَدِّهَا بِجَمِيعِ وَاجِبَاتِهَا مِنْ حُدُودِهَا وَأَوْقَاتِهَا وَرُكُوعِهَا وَسُجُودِهَا وَطُمَأْنِينَتِهَا وَخُشُوعِهَا وَمَا شُرِعَ فِيهَا واجتنب ما ينهى عَنْهُ فِيهَا. ثُمَّ قَالَ (وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ) ٣١: ١٧ أَيْ بِجُهْدِكَ وَطَاقَتِكَ أَيْ إِنِ اسْتَطَعْتَ بِالْيَدِ فَبِالْيَدِ وَإِلَّا فَبِلِسَانِكَ فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِكَ ثُمَّ أَمَرَهُ بِالصَّبْرِ فَقَالَ (وَاصْبِرْ عَلى مَا أَصابَكَ) ٣١: ١٧ وذلك ان الْآمِرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهِيَ عَنِ الْمُنْكَرِ فِي مَظِنَّةِ أَنْ يُعَادَى وَيُنَالَ مِنْهُ وَلَكِنَّ لَهُ الْعَاقِبَةُ وَلِهَذَا أَمَرَهُ بِالصَّبْرِ عَلَى ذَلِكَ وَمَعْلُومٌ أَنَّ عَاقِبَةَ الصَّبْرِ الْفَرَجُ وَقَوْلُهُ (إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) ٣١: ١٧ الَّتِي لَا بُدَّ مِنْهَا وَلَا مَحِيدَ عنها.
وقوله (وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ) ٣١: ١٨ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَالضَّحَّاكُ وَيَزِيدُ بْنُ الْأَصَمِّ وَأَبُو الْجَوْزَاءِ وَغَيْرُ وَاحِدٍ مَعْنَاهُ لَا تَتَكَبَّرْ عَلَى النَّاسِ وَتُمِيلُ خَدَّكَ حَالَ كَلَامِكَ لَهُمْ وَكَلَامِهِمْ لَكَ عَلَى وَجْهِ التَّكَبُّرِ عَلَيْهِمْ وَالِازْدِرَاءِ لَهُمْ. قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ وَأَصْلُ الصَّعَرِ دَاءٌ يَأْخُذُ الْإِبِلَ فِي أَعْنَاقِهَا فَتَلْتَوِي رُءُوسُهَا فَشَبَّهَ بِهِ الرَّجُلَ الْمُتَكَبِّرَ الَّذِي يَمِيلُ وَجْهُهُ إِذَا كَلَّمَ النَّاسَ أو كلموه على وجه التعظم عَلَيْهِمْ قَالَ أَبُو طَالِبٍ فِي شِعْرِهِ
وَكُنَّا قَدِيمًا لَا نُقِرُّ ظُلَامَةً ... إِذَا مَا ثَنَوْا صعر الخدود نقيمها
وقال عمرو بن حيي التَّغْلِبِيُّ
وَكُنَّا إِذَا الْجَبَّارُ صَعَّرَ خَدَّهُ ... أَقَمْنَا لَهُ مِنْ مَيْلِهِ فَتَقَوَّمَا
وَقَوْلُهُ (وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ) ٣١: ١٨ يَنْهَاهُ عَنِ التَّبَخْتُرِ فِي الْمِشْيَةِ عَلَى وَجْهِ الْعَظَمَةِ وَالْفَخْرِ عَلَى النَّاسِ كَمَا قَالَ تَعَالَى وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولًا ١٧: ٣٧. يَعْنِي لَسْتَ بِسُرْعَةِ مَشْيِكَ تَقْطَعُ الْبِلَادَ فِي مشيتك هذه ولست بدقك الأرض برجلك تخرق الْأَرْضَ بِوَطْئِكَ عَلَيْهَا وَلَسْتَ بِتَشَامُخِكَ وَتَعَاظُمِكَ وَتَرَفُّعِكَ تَبْلُغُ الْجِبَالَ طُولًا فَاتَّئِدْ عَلَى نَفْسِكَ فَلَسْتَ تَعْدُوَ قَدْرَكَ. وَقَدْ ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي فِي بُرْدَيْهِ يَتَبَخْتَرُ فِيهِمَا إِذْ خسف الله به الأرض فهو يتجلل فِيهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ (إياك وإسبال الازار فإنها من المخيلة لَا يُحِبُّهَا اللَّهُ) كَمَا قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ ٣١: ١٨ وَلَمَّا نَهَاهُ عَنِ الِاخْتِيَالِ فِي الْمَشْيِ أَمَرَهُ بالقصد فيه فإنه لا بد لَهُ أَنْ يَمْشِيَ فَنَهَاهُ عَنِ الشَّرِّ وَأَمَرَهُ بالخير فقال واقصد في مشيك أَيْ لَا تَتَبَاطَأْ مُفْرِطًا وَلَا تُسْرِعْ إِسْرَاعًا مُفْرِطًا وَلَكِنْ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا كَمَا قَالَ تَعَالَى وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً ٢٥: ٦٣ ثم قال (وَاغْضُضْ من صَوْتِكَ) ٣١: ١٩ يعنى إذا تكلمت لا تَتَكَلَّفْ رَفْعَ صَوْتِكَ فَإِنَّ أَرْفَعَ الْأَصْوَاتِ وَأَنْكَرَهَا صَوْتُ الْحَمِيرِ. وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ الْأَمْرُ بِالِاسْتِعَاذَةِ عِنْدَ سَمَاعِ صَوْتِ الْحَمِيرِ بِاللَّيْلِ فَإِنَّهَا رَأَتْ شَيْطَانًا وَلِهَذَا نُهِيَ عَنْ رَفْعِ الصَّوْتِ حَيْثُ لَا حَاجَةَ إِلَيْهِ وَلَا سِيَّمَا عِنْدَ الْعُطَاسِ فَيُسْتَحَبُّ خَفْضُ الصَّوْتِ وَتَخْمِيرُ الْوَجْهِ كَمَا ثَبَتَ بِهِ الْحَدِيثُ مِنْ صَنِيعِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَّا رَفْعُ الصَّوْتِ بِالْأَذَانِ وَعِنْدَ الدُّعَاءِ إِلَى الْفِئَةِ لِلْقِتَالِ وَعِنْدَ الإهلاك وَنَحْوِ ذَلِكَ فَذَلِكَ مَشْرُوعٌ فَهَذَا مِمَّا قَصَّهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ لُقْمَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي القرآن من الحكم وَالْوَصَايَا النَّافِعَةِ الْجَامِعَةِ لِلْخَيْرِ الْمَانِعَةِ مِنَ الشَّرِّ وَقَدْ وَرَدَتْ آثَارٌ كَثِيرَةٌ فِي أَخْبَارِهِ وَمَوَاعِظِهِ وَقَدْ كَانَ لَهُ كِتَابٌ يُؤْثَرُ عَنْهُ يُسَمَّى بِحِكْمَةِ لُقْمَانَ وَنَحْنُ نَذْكُرُ مِنْ ذَلِكَ مَا تَيَسَّرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ إِسْحَاقَ أَنْبَأَنَا ابْنُ المبارك أنبأنا سفيان أخبرنى نهيك بن يجمع الضبيّ عَنْ قَزَعَةَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ أَخْبَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ لُقْمَانَ الْحَكِيمَ كَانَ يَقُولُ إِنَّ اللَّهَ إِذَا اسْتُودِعَ شَيْئًا حَفِظَهُ وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ حَدَّثَنَا عِيسَى بن يونس عن الأوزاعي عن موسى ابن سُلَيْمَانَ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُخَيْمِرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ إِيَّاكَ والتقنع فإنه مخونة بالليل مذمة بِالنَّهَارِ وَقَالَ أَيْضًا حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا عَمْرُو بن عمارة حَدَّثَنَا ضَمْرَةُ حَدَّثَنَا السَّرِيُّ بْنُ يَحْيَى قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ (يَا بُنَيَّ إِنَّ الْحِكْمَةَ أَجْلَسَتِ الْمَسَاكِينَ مَجَالِسَ الْمُلُوكِ) وَحَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ أَنْبَأَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ أَنْبَأَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْمَسْعُودِيُّ عَنْ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ يَا بُنَيَّ إِذَا أتيت نادى قوم فادمهم بسهم الإسلام يعنى السلام ثم اجلس بناحيتهم فَلَا تَنْطِقُ حَتَّى تَرَاهُمْ قَدْ نَطَقُوا فَإِنْ أَفَاضُوا فِي ذِكْرِ اللَّهِ فَأَجِلْ سَهْمَكَ مَعَهُمْ وان أفاضوا في غير ذلك فحول عَنْهُمْ إِلَى غَيْرِهِمْ وَحَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ حَدَّثَنَا ضَمْرَةُ عَنْ حَفْصِ بْنِ عُمَرَ قَالَ وَضَعَ لُقْمَانُ جِرَابًا مِنْ خَرْدَلٍ إِلَى جَانِبِهِ وَجَعَلَ يَعِظُ ابْنَهُ وَعْظَةً وَيُخْرِجُ خَرْدَلَةً حَتَّى نَفِدَ الْخَرْدَلُ فَقَالَ يَا بُنَيَّ لقد وعظتك موعظة لو وعظها جبل تفطر قَالَ فَتَفَطَّرَ ابْنُهُ. وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي الْمِصِّيصِيُّ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحَرَّانِيُّ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ ابن عبد الرحمن الطرائفى عن ابن سُفْيَانَ الْمَقْدِسِيُّ عَنْ خَلِيفَةَ بْنِ سَلَّامٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (اتَّخِذُوا السُّودَانَ فَإِنَّ ثَلَاثَةً مِنْهُمْ مَنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ لُقْمَانُ الْحَكِيمُ وَالنَّجَّاشِيُّ وَبِلَالٌ الْمُؤَذِّنُ قال الطبراني يعنى الحبشي وهذا حديث غريب منكر وقد ذكر له الامام أحمد في كتاب الزاهد ترجمة ذكر فيها فوائد مهمة جَمَّةً فَقَالَ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ رَجُلٍ عَنْ مُجَاهِدٍ (وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ) ٣١: ١٢ قَالَ الْفِقْهَ وَالْإِصَابَةَ فِي غَيْرِ نُبُوَّةٍ. وَكَذَا رُوِيَ عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ وَحَدَّثَنَا وَكِيعٌ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَشْعَثَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ كَانَ لُقْمَانُ عَبْدًا حَبَشِيًّا وَحَدَّثَنَا أَسْوَدُ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ عَلِيِّ بْنِ يزيد عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ لُقْمَانَ كَانَ خَيَّاطًا وَحَدَّثَنَا سَيَّارٌ حَدَّثَنَا جَعْفَرُ حَدَّثَنَا مَالِكٌ يعنى بن دِينَارٍ قَالَ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ يَا بُنَيَّ اتَّخِذْ طَاعَةَ اللَّهِ تِجَارَةً تَأْتِكَ الْأَرْبَاحُ مِنْ غَيْرِ بِضَاعَةٍ. وَحَدَّثَنَا يَزِيدُ حَدَّثَنَا أَبُو الْأَشْهَبِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ وَاسِعٍ قَالَ كَانَ لُقْمَانُ يَقُولُ لِابْنِهِ يَا بُنَيَّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا ترى النَّاسَ أَنَّكَ تَخْشَى اللَّهَ لِيُكْرِمُوكَ بِذَلِكَ وَقَلْبُكَ فَاجِرٌ وَحَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ وَوَكِيعٌ قَالَا حَدَّثَنَا أَبُو الْأَشْهَبِ عَنْ خَالِدٍ الرِّبْعِيِّ قَالَ كَانَ لُقْمَانُ عَبْدًا حَبَشِيًّا نَجَّارًا فَقَالَ لَهُ سَيِّدُهُ اذْبَحْ لِي شَاةً فَذَبَحَ لَهُ شَاةً فقال ائْتِنِي بِأَطْيَبِ مُضْغَتَيْنِ فِيهَا فَأَتَاهُ بِاللِّسَانِ وَالْقَلْبِ فَقَالَ أَمَا كَانَ فِيهَا شَيْءٌ أَطْيَبَ مِنْ هَذَيْنَ قَالَ لَا قَالَ فَسَكَتَ عَنْهُ مَا سَكَتَ ثُمَّ قَالَ لَهُ اذْبَحْ لِي شَاةً فذبح له شاة فقال له وألق أَخْبَثَهَا مُضْغَتَيْنِ فَرَمَى بِاللِّسَانِ وَالْقَلْبِ فَقَالَ أَمَرْتُكَ أَنْ تَأْتِيَنِي بِأَطْيَبِهَا مُضْغَتَيْنِ فَأَتَيْتَنِي بِاللِّسَانِ وَالْقَلْبِ وَأَمَرْتُكَ أَنْ تُلْقِيَ أَخْبَثَهَا مُضْغَتَيْنِ فَأَلْقَيْتَ اللِّسَانَ والقلب فقال له إنه ليس شيء أطبب مِنْهُمَا إِذَا طَابَا وَلَا أَخْبَثَ مِنْهُمَا إِذَا خَبُثَا. وَحَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ رَشِيدٍ حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ يُقَالُ لَهُ الْجَعْدُ أَبُو عُثْمَانَ قَالَ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ لَا تَرْغَبْ فِي وُدِّ الْجَاهِلِ فَيَرَى أَنَّكَ تَرْضَى عَمَلَهُ وَلَا تَهَاوَنْ بِمَقْتِ الحكيم فيزهده فيك. وحدثنا داود بن أسيد حدثنا إسماعيل ابن عياش عن ضمضم ابن زُرْعَةَ عَنْ شُرَيْحِ بْنِ عُبَيْدٍ الْحَضْرَمِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ قَالَ لُقْمَانُ أَلَا إِنَّ يَدَ اللَّهِ عَلَى أَفْوَاهِ الْحُكَمَاءِ لَا يَتَكَلَّمُ أَحَدُهُمْ إِلَّا مَا هَيَّأَ اللَّهُ له. وحدثنا عبد الرزاق سمعت بن جُرَيْجٍ قَالَ كُنْتُ أُقَنِّعُ رَأْسِي بِاللَّيْلِ فَقَالَ لي عمر أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ لُقْمَانَ قَالَ الْقِنَاعُ بِالنَّهَارِ مَذَلَّةٌ مَعْذِرَةٌ أَوْ قَالَ مَعْجَزَةٌ بِاللَّيْلِ فَلِمَ تُقَنِّعُ رَأْسَكَ بِاللَّيْلِ قَالَ قُلْتُ لَهُ إِنَّ لُقْمَانَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ. وَحَدَّثَنِي حَسَنُ بن الجنيد حدثنا سفيان قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ يَا بُنَيَّ مَا نَدِمْتُ على السكوت قَطُّ وَإِنْ كَانَ الْكَلَامُ مِنْ فِضَّةٍ فَالسُّكُوتُ مِنْ ذَهَبٍ. وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ وَوَكِيعٌ قَالَا حَدَّثَنَا أَبُو الْأَشْهَبِ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ لُقْمَانَ قَالَ لِابْنِهِ يَا بُنَيَّ اعْتَزِلِ الشَّرَّ يَعْتَزِلْكَ فَإِنَّ الشَّرَّ لِلشَّرِّ خُلِقَ. وَحَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ مَكْتُوبٌ فِي الْحِكْمَةِ يَا بُنَيَّ إِيَّاكَ وَالرَّغَبَ فَإِنَّ الرَّغَبَ كُلَّ الرَّغَبِ يُبْعِدُ الْقَرِيبُ مِنَ القريب ويزيل الحكم كَمَا يُزِيلُ الطَّرَبَ. يَا بُنَيَّ إِيَّاكَ وَشِدَّةَ الْغَضَبِ فَإِنَّ شِدَّةَ الْغَضَبِ مَمْحَقَةٌ لِفُؤَادِ الْحَكِيمِ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ حَدَّثَنَا نَافِعُ بْنُ عُمَرَ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ (يَا بُنَيَّ اخْتَرِ الْمَجَالِسَ عَلَى عَيْنِكَ فَإِذَا رَأَيْتَ الْمَجْلِسَ يُذْكَرُ فِيهِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَاجْلِسْ مَعَهُمْ فَإِنَّكَ إِنْ تَكُ عَالِمًا يَنْفَعْكَ عِلْمُكَ وَإِنْ تَكُ غَبِيًّا يُعَلِّمُوكَ وَإِنْ يَطَّلِعِ اللَّهُ عَلَيْهِمْ برحمة تصيبك مَعَهُمْ. يَا بُنَيَّ لَا تَجْلِسْ فِي الْمَجْلِسِ الَّذِي لَا يُذْكَرُ اللَّهُ فِيهِ فَإِنَّكَ إِنْ تَكُ عَالِمًا لَا يَنْفَعُكَ عِلْمُكَ وَإِنْ تَكُ غبيا يزيدوك غبيا وَإِنْ يَطَّلِعِ اللَّهُ إِلَيْهِمْ بَعْدَ ذَلِكَ بِسُخْطٍ يصيبك معهم يا بنى لا تغبطوا أمراء رَحْبَ الذِّرَاعَيْنِ يَسْفِكُ دِمَاءَ الْمُؤْمِنِينَ فَإِنَّ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ قَاتِلًا لَا يَمُوتُ.
وَحَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ مَكْتُوبٌ فِي الْحِكْمَةِ (بُنِيَّ لِتَكُنْ كَلِمَتُكَ طَيِّبَةً وَلْيَكُنْ وَجْهُكَ بَسْطًا تَكُنْ أَحَبَّ إِلَى النَّاسِ مِمَّنْ يُعْطِيهِمُ الْعَطَاءَ) وَقَالَ مَكْتُوبٌ فِي الْحِكْمَةِ أَوِ فِي التَّوْرَاةِ (الرِّفْقُ رَأْسُ الْحِكْمَةِ) وَقَالَ مَكْتُوبٌ فِي التَّوْرَاةِ كَمَا تَرْحَمُونَ تُرْحَمُونَ وَقَالَ مَكْتُوبٌ فِي الْحِكْمَةِ (كَمَا تَزْرَعُونَ تَحْصُدُونَ) وَقَالَ مَكْتُوبٌ فِي الْحِكْمَةِ أَحِبَّ خَلِيلَكَ وَخَلِيلَ أَبِيكَ. وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ قَالَ (قِيلَ لِلُقْمَانَ أَيُّ النَّاسِ أَصْبَرُ قَالَ صَبْرٌ لَا يَتْبَعُهُ أَذًى. قِيلَ فَأَيُّ النَّاسِ أَعْلَمُ قَالَ مَنِ ازْدَادَ مِنْ عِلْمِ النَّاسِ إِلَى عِلْمِهِ. قِيلَ فَأَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ قَالَ الْغَنِيُّ. قِيلَ الْغَنِيُّ مِنَ الْمَالِ قَالَ لَا وَلَكِنَّ الْغَنِيَّ الَّذِي إِذَا الْتُمِسَ عِنْدَهُ خَيْرٌ وُجِدَ وَإِلَّا أَغْنَى نَفْسَهُ عَنِ النَّاسِ.
وَحَدَّثَنَا سُفْيَانُ هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ قَالَ قِيلَ لِلُقْمَانَ أَيُّ النَّاسِ شَرٌّ قَالَ الَّذِي لَا يُبَالِي أَنْ يَرَاهُ النَّاسُ مسيئا.
وحدثنا أبو الصَّمَدِ عَنْ مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ قَالَ وَجَدْتُ فِي بَعْضِ الْحِكْمَةِ يُبَدِّدُ اللَّهُ عِظَامَ الَّذِينَ يَتَكَلَّمُونَ بِأَهْوَاءِ النَّاسِ وَوَجَدْتُ فِيهَا لَا خَيْرَ لَكَ فِي أَنْ تَعْلَمَ مَا لَمْ تَعْلَمْ وَلَمَّا تَعْمَلْ بِمَا قَدْ عَلِمْتَ فَإِنَّ مَثَلَ ذَلِكَ مَثَلُ رَجُلٍ احْتَطَبَ حَطَبًا فَحَزَمَ حُزْمَةً ثم ذهب يحملها فعجز عنها فضم إليه أُخْرَى. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ أَبِي زُهَيْرٍ وَهُوَ الْحَكَمُ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا الْفَرَجُ بْنُ فَضَالَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ
(يَا بُنَيَّ لَا يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلَّا الْأَتْقِيَاءُ وَشَاوِرْ فِي أَمْرِكَ الْعُلَمَاءَ. وَهَذَا مَجْمُوعُ مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ وَقَدْ قَدَّمْنَا مِنَ الْآثَارِ كَثِيرًا لَمْ يَرْوِهَا كَمَا أَنَّهُ ذَكَرَ أَشْيَاءَ لَيْسَتْ عِنْدَنَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عُبَيْدٍ الْخُزَاعِيُّ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ بَشِيرٍ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ خَيَّرَ اللَّهُ لُقْمَانَ الْحَكِيمَ بَيْنَ النُّبُوَّةِ وَالْحِكْمَةِ فَاخْتَارَ الْحِكْمَةَ عَلَى النُّبُوَّةِ قال فأتاه جبريل وهو نائم فدر عَلَيْهِ الْحِكْمَةَ قَالَ فَأَصْبَحَ يَنْطِقُ بِهَا. قَالَ سعد سمعت قَتَادَةَ يَقُولُ قِيلَ لِلُقْمَانَ كَيْفَ اخْتَرْتَ الْحِكْمَةَ عَلَى النُّبُوَّةِ وَقَدْ خَيَّرَكَ رَبُّكَ فَقَالَ إِنَّهُ لَوْ أُرْسِلَ إِلَيَّ بِالنُّبُوَّةِ عَزْمَةً لَرَجَوْتُ فِيهِ الْفَوْزَ مِنْهُ وَلَكُنْتُ أَرْجُو أَنْ أَقُومَ بِهَا وَلَكِنْ خَيَّرَنِي فَخِفْتُ أَنْ أَضْعُفَ عَنِ النُّبُوَّةِ فَكَانَتِ الْحِكْمَةُ أَحَبَّ إِلَيَّ.
وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ سَعِيدَ بْنَ بَشِيرٍ عَنْ قَتَادَةَ قَدْ تَكَلَّمُوا فِيهِ وَالَّذِي رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ (وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ) ٣١: ١٢ قال يعنى الفقه والإسلام وَلَمْ يَكُنْ نَبِيًّا وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ. وَهَكَذَا نَصَّ عَلَى هَذَا غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ مِنْهُمْ مُجَاهِدٌ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ..
البداية والنهاية، ابن كثير، ج2، ص123-129
التسميات :
الرواية