المجتمع وكيفية التعايش معه

المجتمع هو الموقع الذي يعيش فيه الفرد، ويتميز هذا المجتمع بخصائص ومميزات تربط بين نسيجه الاجتماعي.
ولذلك فهو يشمل أقرابك وجيرانك وضيوفك، وقد وضع الإنسان بشكل تلقائي وبحسب الفطرة قوانين لتنظيم العلاقة بين افراد المجتمع، وأخذت هذه القوانين تتطور من حين إلى آخر بهدف السيطرة على العلاقات الداخلية والخارجية، وما يهمنا هنا أن نتحدث عن أهم هذه القوانين، وهي تلك النظم التي تعارف عليها العرب واشتهرت بها البادية بسبب حاجتها الضرورية والماسة لمثل هذه النظم والقوانين، حتى وصلت لمرحلة من مراحل التطور عرفت باسم العادات والتقاليد المتبعة ومن يخالفها يصبح شخصاً منبوذباً، يحرم من العديد من الامتيازات، ونحن الآن سوف نتعرف على قوانين التعايش داخل المجتمع وهي كما يلي:
1- قوانين تضبط التعامل والتعايش مع الأقارب
2- قوانين التعامل والتعايش مع الجيران
3- قوانين التعامل مع الضيوف
أولاً قوانين العصر الجاهلي:
اعتبر العرب في الجاهلية كل من يخالف أنظمة المجتمع ويستهين بها هو شخص يستحق العقاب، ووضع العرب جملة من الخطوط العريضة يطلب من الجميع الالتزام بها:
* يلتزم الفرد بنظام قبيلته، وهو مطالب بالدفاع عنها والاشتراك في كل أمر من أمورها، وعلى كافة الصعد، ومن ضمنها تقديم العون والمساعدة لكل محتاج أو فقير أو مريض. (وهذا مختص بالقرابة)
* يلتزم كل إنسان باكرام ضيفه ونصرة دخيله ومساعدة كل عابر سبيل، وقد خصص لهم شعراء يمدحونهم ويبجلونهم، ومن يتقاعس عن ذلك يصبح ملاماً وسيء الصيت والسمعة.
* يتحلى كل فرد بمعاملة جاره، معاملة أخلاقية تحمل كل دواعي الفخر والاعتزاز التي تفتخر بها قبيلته، ويتم معاملة الجار معاملة الأقارب فيما يتعلق بالأمانة والدفاع عنه وصون حقوقه.
ثانياً قوانين العصر الإسلامي:
منذ أن لمع الدين الإسلامي وسط شبه الجزيرة العربية، على يد حبيبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، بدأت أسس وقواعد ومبادئ المجتمع وتنظيمه تنتشر في كل مكان، وكانت كلها تتفرع من قاعدة الأخلاق الجميلة، ومن هنا فنحن لن نتحدث عنها كلها لأنها كثيرة جداً، ولكننا سنعمل على اختيار بعض الآيات القرآنية، وعلى الله التوكل وبه التوفيق
💮 الأقارب:
قال الله تعالى: وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (الشعراء214) العشيرة هم أقارب الرجل وخاصته، وهذا دليل على أنهم أولى من غيرهم وبهم البداية.
وقال تعالى: لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِّنكُمْ وَأَنتُم مُّعْرِضُونَ.( البقرة83)
وقال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (الحجرات13) وهذه الآية تدل على التعارف وأهميته وضروريته، فهو بناء اللحمة بين الأقارب والجيران والضيوف من الشعوب والقبائل والناس، وإن التعارف كرم وله أنواع متعددة وطرق كثيرة، وأن أكثركم كرماً هو عند الله أكثركم تقوى.
💮 الجيران :
قال سبحانه: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا.(النساء36)
نلاحظ في قوله تعالى ترتيباً جميلاً 
بدأ بأهم شيء وهو عبادة الله، ثم طاعة الوالدين ثم الإحسان والمعروف مع الأقارب ثم اليتامى ثم المساكين ثم الجيران وأولهم الجار الملاصق لك ثم الذي بجانبه ثم الذي يليه، ثم ابن السبيل ثم ما ملكت إيمانكم فهذا هو المجتمع كله وفئاته ولو أردت الحديث عن هذه الفئات وتفاصيلها وأنواعها فلن يتسع عدة مجلدات متتالية للحديث عنها.
💮 الضيوف:
قال تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي ۖ أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ (هود78)
وقال سبحانه : قَالَ إِنَّ هَٰؤُلَاءِ ضَيْفِي فَلَا تَفْضَحُونِ (الحجر68)
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه) متفق عليه.
الشرح
نلاحظ في الآيات السابقة الاهتمام بتنظيم المجتمع على أسس أخلاقية رائعة وجميلة تضفي عليهم الطمأنينة والسكينة وتغرس بينهم التعاون على الخير والتقوى، وتنطلق هذه القوانين والمبادئ بعبادة الله وحده لا شريك له وهي القاعدة الأولى والرئيسية وبدونها لن يكون هناك مجتمع صحيح وسليم، لأن عبادة الله تعني الإيمان الخاشع بأنه هو الرزاق الرازق، ومن هنا تنطلق قيمة مساعدة كل ذي عوز وفقر ومحتاج لنصيحة أو هداية أو مساعدة مالية أو غذائية أو نصرته والدفاع عنه من ظالم وكف الظلم عنه، أو نصرته إن كان ظالم من خلال ثنيه عن الظلم والطغيان ووقفه، تكون هذه البدايات من خلال عبادة الله أولا وطاعة نبيه صلى الله عليه وسلم، ثم طاعة الوالدين والإحسان إليهم ثم المجتمع واحد تلو الآخر وفئاته من الأقارب واليتامي والمساكين والجيران والضيوف وعابري السبيل وغيرهم ممن يعيش داخل المجتمع.
ثم وضع الإسلام قواعد ومبادئ لا يسمح أبداً بالاقدام عليها حفاظاً على سلامة المجتمع وطاهرته 
فحرم قتل النفس إلا بالحق لاقامة حدود الله
وحرم السحر والزنا والربا وأكل أموال اليتامي والظلم وحرم قذف المحصنات وحرم شرب الخمر والميسر وحرم الفتن وتلك أشياء لا يجوز لها أن تحدث في مجتمع ألف الله بين قلوبهم ولو حدثت فانها ستودي إلى هلاك المجتمع وتفككه وانحطاطه.
ودعاهم وحثهم على التحلي بالصبر والتعاون على الخير والتقوى والإصلاح بين الناس من أجل الابقاء على مجتمع قوي سليم طاهر نظيف متحابب فيما بينه يعيشون في سلام وأمن وطمأنينة.
كما حثنا الإسلام الحنيف والشرع بأن ننفق من أموالنا على الفقراء والمحتاجين وهذا فيه منفعة للمجتمع وفائدة كثيرة تؤدي إلى حسن التعايش والشعور بالراحة والأمل داخل المجتمع.
وفيما يلي ملخص للأدلة والشواهد على " فضل الإحسان إلى الأقارب:
وقد ورد في كتاب الله جل وعلا وسنة المصطفى عليه الصلاة والسلام من فضل الإحسان إلى الأقارب ، والوصية لهم ، والنفقة على المحتاج منهم الشيء الكثير فمن ذلك ما جاء في النصوص الشرعية :
الدليل الأول : قال الله سبحانه وتعالى ( كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ) سورة البقرة :180
قال الطبري في تفسيره (3 /123) في قوله تعالى (لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ) الَّذِينَ لاَ يَرِثُونَهُ.
الدليل الثاني : قال سبحانه وتعالى ( يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ) سورة البقرة:215 
فقدم الله سبحانه وتعالى الوالدين والأقربين على غيرهم من اليتامى والمساكين وابن السبيل والخير كل الخير في أتباع ما جاء القرآن الكريم . 
الدليل الثالث : قال الله تعالى ( وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُواْ الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا) سورة النساء آية:8 حيث أمر الله جل وعلا من يتولى قسمة المواريث أن يعطى من حضر من الأقارب غير الوارثين، أن يعطوا شيئاً من الميراث جبراً لخواطرهم .
الدليل الرابع : أوصى الله سبحانه وتعالى بالإحسان إلى وذي القربى فقال ( وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنكُمْ وَأَنتُم مِّعْرِضُونَ ) سورة البقرة آية:83
الدليل الخامس : أمر سبحانه وتعالى أمر بإيتاء ذي القربى حقهم فقال تعالى (فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) سورة الروم آية:38
الدليل السادس : بل قرن الله تعالى الإحسان إلى الأقارب وذوي الأرحام بالعدل فقال تعالى
( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) سورة النحل آية:90

              

بقلم/ المؤرخ

Abu Ismail al-Hilali

التاريخ بيت قديم، الأجداد يتهامسون فيه عن إرث مجيد والأحفاد يستمعون ويصغون لفهم الحياة

إرسال تعليق

{مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ }ق18

أحدث أقدم