آثار مهمة في درب القوافل



إن الطرق البرية للقوافل العربية من الشام والعراق ومصر إلى الحجاز ومكة، هي في حد ذاتها تاريخ عميق، ليس هناك زمن محدد لذكره حول هذه الطرق غير أننا نقول إنها تعود إلى بداية تاريخ البشر، فقد ظهر هذا الطريق أو ذاك منذ ظهور الإنسان في شبه الجزيرة العربية وبلاد الشام.
ففي الجنوب الشرقي من مدينة حائل بالمملكة العربية السعودية، وفي منتصف الطريق البري الذي يربط بين مكة وبغداد، وفي مقطع منه يعرف بدرب زبيدة، عثر على آثار تاريخية متعددة في الجبال المحيطة بالطريق ومنها نقوش وكتابات ورسوم قريبة من مدينة فيد التاريخية، ومن هذه الآثار برك لتجميع المياه وسراديب ورحى كبيرة لطحن الحبوب وآثار بيوت سكنية قديمة، ويقال إن هذه الآثار تعود إلى عصور ما قبل التاريخ.
يقول الله سبحانه وتعالى:
{ وَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ } [ غافر:21 ]
إن هذه الآثار القديمة دليل على وجود أسلافنا الذين سبقونا في هذه البلاد وأنهم كانوا أشد منا قوة وأثارا في الأرض، نعم كانوا أشد منا قوة عضلية وبنية جسمية وما زلنا نجهل حياتهم ولا نعرف عنها شيئا، ولكننا نستطيع من خلال الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة وبقايا الآثار أن نضع جملا وعبارات بسيطة تعبر عن حياتهم تلك، إن المتمعن في الحضارات المحيطة بهذه الطرق كلها سيقتنع بمدى قوتة أصحابها وعظمتهم في تلك الأزمنة كحضارة الكنعانيون والفينيفيون بفلسطين والفراعنة بمصر والبابيلون بالرافدين " العراق " وحضارات جنوب الجزيرة العربية وفي كل موقع من مواقع بلاد العرب القدماء.
إن آثار هذه البلاد بالرغم من اختفاء ملامحها وبقايا أطلالها يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن سكانها هم أعظم سكان العالم قاطبة، وأن بلاد العرب هي المهد الأول للبشرية.

كانت هذه الطرق البرية تشكل شبكة مواصلات قديمة تخترق الصحاري والجفار، ولذلك من الطبيعي العثور على آثار حول محطات وهوامش وجوانب هذه الطرق فمنها ما اكتشف ومنها ما زال تحت التراب، ومن هذه الآثار المهمة ما عثر عليه مؤخرا في درب زبيدة وهي كثيرة ومن بينها أحواض لتخزين المياه مما يدل على أن هذه المنطقة كانت احدى المحطات التي لابد من التوقف فيها للتزود بالمياه، أو أنها كانت منطقة مأهولة لذلك فهم بحاجة لوجود المياه لاستمرار حياتهم وعملهم كالمعتاد.
هذه الأحواض مصنوعة من الصخور البازلتية ذات أربعة أضلاع وذات أحجام مختلفة هي عبارة عن خزانات ربما كانت تستخدم لحفظ المياه التي تنقل إليها أو تتجمع فيها من الأمطار والسيول لغرض الاستخدام وفي الموقع آثار لمقبرة وأساسات بيوت وفوق الصخور كتابات ونقوش ورسومات لأشجار النخيل والحيوانات الأليفة مما يدل على وجود نشاط زراعي إلى جانب نشاطهم التجاري وهو دليل على الحياة المدنية في المنطقة منذ القدم، ويذكر أن نقوش حائل في منطقة جبة والشويمس ادرجت ضمن قائمة التراث العالمي التي ترعاه المنظمة الدولية للتراث العالمي " اليونسكو" وهذه الرسوم المنقوشة  تعود لفترة ما قبل التاريخ أي قبل أكثر من 6000 سنة وسميت ما قبل التاريخ لأنها تسبق عصر اكتشاف الكتابة التي اكتشفت في سومر بالعراق قبل 5000 سنة تقريبا، ولا شك أن الأحواض المائية هي أحواض قديمة أيضاً وهي تسبق العصر الإسلامي والعصر الجاهلي بكثير، وأرى أن وجود بعض هذه الأحواض مرتبط بنفس الأقوام الذين رسموا نقوشهم على جدارن الصخر فهذه الرسوم لها علاقة بأهمية المياه، والمتتبع لتوزيع هذه الآثار يلاحظ أنها تنتشر لمسافات طويلة داخل حائل والبالغ مساحتها العمرانية نحو 648 كم2 من إجمالي مساحتها البالغة 120,000 كم2 أي أن مساحتها العمرانية تعادل ضعفي مساحة قطاع غزة الذي يضم العشرات من المواقع الأثرية، في حين أن مساحتها الكلية تعادل أربعة أضعاف مساحة فلسطين التاريخية.

ولذلك فإن منطقة حائل والتي تضم جبلي أجا وسلمى الشهيرين والتي كانت تقطنه قبيلة طيء في العصر الجاهلي وقبائل أخرى حليفة لها ما تزال تحوي مواقع أثرية أخرى لم تكتشف بعد، سيما وأن كثير من تاريخ العرب ما زال مختفيا فكيف بتاريخ الأقوام السابقة، ومن الأقوام التي سكنت في هذه المنطقة هم قوم عاد وثمود التي وردت في القرآن الكريم، كما سكن المنطقة عرب الأنباط الذين بنوا مدينة البتراء المنحوتة في الصخر.
ومن القبائل العربية التي اشتهرت بالتجول في هذه المنطقة في العهد القريب للإسلام قبيلة قضاعة وكلب وجذام وعذرة وغيرها.
ومن أهم محطات درب زبيدة نذكر بستان بني عامر ومحطة تعرف بمعدن بني سليم والحاجر ووادي السباع ومحطة فيد التي تضم هذه الآثار، وجاء في ويكيبيديا حول درب زبيدة ما يلي:
" درب زبيدة ينسب هذا الدرب إلى زبيدة بنت جعفر بن ابي جعفر المنصور ، يبدأ من "الكوفة" حتى "مكة المكرمة"
يعد هذا الطريق من أهم طرق الحج والتجارة خلال العصر الإسلامي، وقد اشتهر باسم « درب زبيدة » نسبة إلى السيدة زبيدة زوج الخليفة هارون الرشيد، التي اسهمت في عمارته فكان أن خلد ذكرها على مر العصور. وقد استخدم هذا الطريق بعد فتح العراق وانتشار الإسلام في المشرق، وأصبح استخدامة منتظماً وميسوراً بدرجة كبيرة، إذ تحولت مراكز المياه وأماكن الرعي والتعدين الواقعة عليه إلى محطات رئيسية. وفي العصر العباسي، أصبح الطريق حلقة اتصال مهمة بين بغداد والحرمين الشريفين وبقية أنحاء

الجزيرة العربية.وقد أهتم الخلفاء العباسيون بهذا الطريق وزودوه بالمنافع والمرافق المتعددة، كبناء احواض المياه وحفر الآبار وإنشاء البرك وإقامة المنارات وغير ذلك. كما عملوا على توسيع الطريق حتى يكون صالحاً للاستخدام من قبل الحجاج والمسافرين ودوابهم. وتذكرالمصادر التاريخية والجغرافية والآثار الباقية إلى أن مسار هذا الطريق خطط بطريقة عملية وهندسية متميزة، حيث أقيمت على امتداد المحطات والمنازل والاستراحات، ورصفت أرضيته بالحجارة في المناطق الرملية والموحلة، فضلاً عن تزويده بالمنافع والمرافق اللازمة من آبار وبرك وسدود، كما أقيمت علية علامات ومنارات ومشاعل ومواقد توضح مساره، ليهتدي بها المسافرون (الراشد 1993 : 47- 57). فمنذ بداية الدولة العباسية، أمر الخليفة أبو العباس السفاح بإقامة الأميال (أحجار المسافة) والأعلام على طول الطريق من الكوفة إلى مكة، وذلك في عام 134هـ / 751 م, ومن بعده أمر الخليفة أبو جعفر المنصور بإقامة الحصون وخزانات المياه في نقاط عدة على طول الطريق.على حين أمر الخليفة المهدي ببناء القصور في طريق مكة، كما أمر الخليفة هارون الرشيد ببناء خزانات المياه وحفر الآبار وإنشاء الحصون على طول الطريق، فضلاً عن تزويده بالمرافق والمنافع العامة لخدمة الحجاج والمسافرين وراحتهم.وقد عين الخلفاء ولاة يشرفون على الطريق ويتعهدونه بالصيانة والإعمار أولاً بأول (الطبري 1979 : 8 / 134 - 142). ويبلغ عدد المحطات الرئيسة في هذا الطريق سبعاً وعشرين محطة.ومتوسط ما بين كل محطة ومحطة نحو 50 كم، ومثلها محطات ثانوية تسمى كل منها (متعشى)، وهي استراحة تقام بين كل محطتين رئيستين".
وفي صحيفة الرياض مقال صحفي حول تجهيز الحكومة لخطة ترميم لطريق زبيدة التاريخي جاء فيه:
كشف مدير عام هيئة السياحة والآثار في منطقة الحدود الشمالية الدكتور جهز الشمري عن خطة لترميم طريق "زبيدة" التاريخي
المار بمحافظة رفحاء.
وقال في تصريح ل"الرياض" ان فرع السياحة بالمنطقة سيتولى الترميم لجميع مسار درب زبيدة في منطقة الحدود الشمالية، حيثث تم في العام الماضي تهيئة بركتين من المعالم الأثرية المهمة في محافظة رفحاء على هذا الدرب "الجميما، والثليماء" وستتوالى هذه الأعمال، كما سيتم طرح مشروع في القريب العاجل لتهيئة البرك في "الشاحوف في قرية زبالا التاريخية" 25 كم جنوب رفحاء.
وعن تهيئة بعض الآثار الموجودة في قرية لينة الأثرية واستثمار السوق القديم فيها اشار الشمري" ان فرع الهيئة بالمنطقة يعمل بالتعاون مع بلدية "لينة" على تشغيل السوق التراثي بعد ترميمه وتهيئته من قبل البلدية والآن نحن في طور استثمار قصر لينة والسوق التراثيين خصوصاً، وان بلدة لينة في أهم موقع مرتبط بالسياحة البيئية.
وعن إحياء درب زبيدة التاريخي بشكل كامل قال هناك اتفاقية وقعتها الهيئة العامة للسياحة والآثار مع وزارة الزراعة، فمن جهة منطقة حائل هناك برك مماثلة لما هو موجود في رفحاء، وفيما يخصنا في الهيئة هناك اهتمام كبير جداً من قبل صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار بهذه البرك والمعطيات الأثرية المهمة، ولدينا مشروع في المرحلة الأولى سيتم تهيئة هذه البرك ومعالجتها كإحياء لهذا الدرب وسيكون على مراحل لمحاكاة درب زبيدة قديماً.

              

بقلم/ المؤرخ

Abu Ismail al-Hilali

التاريخ بيت قديم، الأجداد يتهامسون فيه عن إرث مجيد والأحفاد يستمعون ويصغون لفهم الحياة

إرسال تعليق

{مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ }ق18

أحدث أقدم