ابن البنت عند القبائل

ابن البنت عند القبائل
مَوْسُوعَةُ الْهُلًاْلِيُّ - أبناء البنات عند عرب الصحراء يعدوا من ضمن أفراد القبيلة، ويعاملون معاملة أبناء القبيلة في كل شيء، ولا أعرف إن كان في عرب الصحراء ثمة من يخالف هذه القاعدة، لأن تكوين العادات والتقاليد له أبواب واسعة.. 
أنا هنا أود أن أتكلم عن الكثير من عرب الصحراء "البادية" الذين يرون بأن أبناء بنات القبيلة، اللواتي تزوجن في قبائل أخرى مجاورة كانت أو بعيدة، هم يعاملون معاملة أبناء قبيلة البنت، حيث كان الرجل يعتبر أن جميع أحفاده سواء كانوا من أولاده أو من بناته، هم جميعاً من حاشيته، وقد كان كثير من بدو الصحراء لا يميزون بين أولادهم أو بناتهم في أمور كثيرة مثل الشجاعة والرياسة و المبارزة والفروسية وقد أورد لنا التاريخ العربي صورا ونماذجاً من بطولات وفروسية نسبت إلى نساء من بنات العرب..
وكان هؤلاء العرب يولون اهتماماً بالغاً في أصل وجذر ونسب وحسب المرأة والفتاة الذي يتم اختيارها كزوجة، لأنها ستنجب الفرسان والقادة والأبطال ويعزون جانبا كبيرا من سلامة وصحة النسل والذرية والسلالة إلى أصل وجذور أمه، ويعدون أن الابن يرث صفات وراثية كبيرة من جينات أمه،  ولهذا السبب كان بدو الصحراء يتبرأون من ذرية أولادهم في حالة كانت أمهاتهن من قبيلة أو عرق أو سلالة مستحقرة أو متنبذة من قبل قبيلتهم، كما كانوا يفتخرون ويعتزون بأولادهم الذين كانت أمهاتهن من كبريات القبائل، أو كان أبائهن من الفرسان والزعماء الشجعان أو من ملوك العرب، إذا كان عرب الصحراء لا يهملون أبداً دور وتأثير الأم، ولا يهملون أبداً أولاد بناتهم..
"وللمرأة الشريفة ذات السؤدد حظ في المجتمع لا يدانيه حظ المرأة الحرة الفقيرة. فسؤددها حماية لها ودرع يصونها من الغض من منزلتها ومكانتها. وأسرتها قوة لها، تمنع زوجها من إذلالها أو إلحاق أي أذى بها، وهي نفسها فخورة على غيرها لأنها من أسر كريمة موازية لها في المنزلة والشرف. ومن ذلك قولهم: "استنكح العقائل، إذا نكح النجيبات"..
ولذلك نسب العرب كثير من قبائلهم إلى شهرة أمهاتهم، ففي تاريخ العرب القديم مثلا :
بني بجيلة، بني العدوية، بني طهية، وبني مزينة، وبني الشقيقة، وبني مجد، وبني عبلة، وبني تجيب، وبني عاملة، وبني عقدة وكذلك الجوازي ينسبون إلى أمهم جازية، والسعادي ينسبون إلى أمهم سعدة، وكذلك من الأسماء أيضاً أولاد الطائية وأولاد التركية منسوبين إلى أمهاتهم، وهناك أشحاص بعينهم اشتهروا بأسماء أمهاتم ومنهم صحابة مثل:
بلال بن حمامة وأبوه رباح، ابن أم مكتوم وأبوه عمرو، الحارث بن البرصاء وأبوه مالك، شرحبيل بن حسنة وأبوه عبد الله، ومعاذ ين عفراء وأبوه الحارث...
وفي أيامنا هذه كثيرا ما نسمع العرب ينسبون الأولاد إلى أمهاتهم وخاصة عندما يكون الرجل متزوج من أكثر من زوجة، وكما وأكثر من تنتشر هذه الظاهرة بين الأقارب وفي العشيرة الواحدة.
حتى أن العرب قديما كانوا يختارون أمهات مرضعات من البادية، يرضعون لهم أطفالهم لاعتقادهم أن هذا يؤدي إلى تكوين ونشأة سليمة للطفل يؤهله بأن يكون ذو شأن عظيم في قبيلته وقريته، وإذا أرادوا مدح إنسان والثناء عليه ذكروا مرضعته وصفاء لبنه الذي رضعه، فقالوا "نعمت المرضعة"، , و "نعمت المرضعة مرضعته". وإذا أرادوا ذم إنسان قالوا: "بئست المرضعة مرضعته"، كناية عن أنها هي التي أرضعته، فخرج رضيعها على شاكلتها..
ولقد رأينا في عوايد العرب كثير من الأمثال والأقوال التي تمدح وتفتخر بأصل ونسب وحسب الأم، حينما يسطع نجم أولادها ويصيروا أصحاب شأن وهمة، كما رأينا في تاريخ العرب كيف يقوم أهل المرأة وقرابتها بتقديم العون والفزعة والنجدة لأولادها وان بعدت القرابة، ومثال ذلك علاقة أشراف بني هاشم بقبيلة بني هلال..
وفي الخؤولة قالوا:
أن العرب كانت تعظم شأن الخؤولة وتكاد تلحقها بالعمومة، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "ابن أخت القوم منهم" وأنشدني أبو عمر:
عليك إن الخال يَسْرِى: الى ابن الأخت بالشبه المبين.
وكانت أم عبدالمطلب امرأة من بني النجار، ولذلك قالت الأنصار حين أسروا العباس يوم بدر: لا نطالب ابن أختنا بالفداء، فقال صلى الله عليه وسلم: " لا تخففوا عنه درهما " فقد يحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم ذهب هذا المذهب إن كان أراد به نسب الولادة والله أعلم.
- قولهم في اعتبار الخؤولة وكونها كالأبوة، فمن ذلك ما يُروى أن الأسود بن وهب خال رسول الله صلى الله عليه وسلم استأذن عليه، فبسط صلى الله عليه وسلم له رداءه، فقال الأسود: حسبي أن أجلس على ما أنت عليه، فقال صلى الله عليه وسلم: اجلس فإن الخال والدٌ. . . ومن طريف هذا الباب ما يُروى أن الحجاج قال لابن معمر: إنك تزعم أن الحسن والحسين ابنا رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، قال: والله لأقتلنك، فقال ابن معمر: أليس الله يقول: ومن ذريته داوود وسليمان، إلى قوله: وزكريا ويحيى وعيسى، وإنما عيسى بن مريم: ابن بنت، فقال نجوت..
عصبية الخؤولة:
ومع شدة تمسك العرب بعصبية الأبوة وتقديمها على عصبية الأمومة، فقد كانوا إلى جانب ذلك يرعون حق الأمومة، ويسمونها "عصبية الخؤولة".
وأوضح شواهد على ذلك نصرة أهل المدينة للنبي؛ لأن أم النبي -صلى الله عليه وسلم- من بني النجار من الخزرج، وهي قبيلة قحطانية، وأبوه من قريش، وهي قبيلة عدنانية، فلما توفي والده التجأت أمه إلى أخواله بني النجار بالمدينة فأكرموا وفادتها، ولما بلغ أشده واستوى وآتاه الله العلم والحكمة واضطهدته قريش ومن تبعه، هاجر إلى المدينة في حماية أخواله وأتباعه؛ لأن خئولة بني النجار جعلت الخزرج كلهم أخواله، وكل الحوادث في المدينة تدل على أن بني النجار كانوا دائما في مقدمة المحامين عن الرسول وأتباعه بعد الهجرة..
كما أن الاهتمام بنسب الأم ظاهرة اجتماعية انسانية قديمة:
لكن هذه العادة أو الظاهرة الاجتماعية موجودة أيضاً في مناطق أخرى من العالم بصورة أكثر وضوحاً فقد جاء في التاريخ قصص تدل على أن نسب الأولاد إلى أمهم فيه درجة عالية من الاهتمام ومن أمثلة ذلك أن بعض ممالك قديمة في وسط أفريقيا كانوا يعينون ويختارون ملوكا عليهم ممن يكن أمهاتهم من ذرية الملك، أي أن الشخص الذي يكون الملك جده لأمه يمكنه أن يكون ملكاً على مملكته أو قبيلته، وكذلك في احدى الولايات الهندية هناك مجتمعات ينسبون الأولاد إلى أمهاتهم دون الآباء، إذا فالأمر ليس موجود في بادية العرب أو عند جزء من العرب بل أيضاً موجود لدى المجتمعات البدائية القديمة في عدة أنحاء متفرقة من العالم..
بعض المراجع 
1- المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام
2- المعارف لابن قتيبة
3- كتاب ابن القيم الجوزية
4- كتاب الذخائر والعبقريات
5- كتاب قصة الأدب في الحجاز
              

بقلم/ المؤرخ

Abu Ismail al-Hilali

التاريخ بيت قديم، الأجداد يتهامسون فيه عن إرث مجيد والأحفاد يستمعون ويصغون لفهم الحياة

إرسال تعليق

{مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ }ق18

أحدث أقدم